Top
Image Alt

مفهوم الحديث والخبر والأثر

  /  مفهوم الحديث والخبر والأثر

مفهوم الحديث والخبر والأثر

مفهوم الحديث لغة واصطلاحًا:

الحديث لغةً: الجديد من الأشياء، يعني: ضد القديم؛ لأنه يحدث شيئًا فشيئًا، والجمع أحاديث، تقول: حديث وأحاديث.

يراد به أيضًا في اللغة: كل كلام يتحدث به، وينقل، ويبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي، في يقظته أو في منامه؛ ومن ذلك قول الله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً} [النساء: 87]، وقول الله تعالى: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ} [الطور: 34]، ومثل ذلك قول الله تعالى أيضًا: {وَإِذَ أَسَرّ النّبِيّ إِلَىَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} [التحريم: 3] يعني: كلامًا، وقول الله تعالى: {وَعَلّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} [يوسف: 101] أي: ما يحدث به الإنسان في نومه.

الحديث اصطلاحًا:

قد تقدَّم أنَّ المحدثين والأصوليين جعلوا الحديث مرادفًا للسنة؛ فتعريفه في الاصطلاح هو تعريف السنة، فالحديث اصطلاحًا: هو أقوال النبي صلى الله عليه  وسلم وأفعاله، ويدخل في أفعاله تقريره؛ لأنَّ بعض أهل العلم يجعل التقرير من النبي صلى الله عليه  وسلم داخلًا في الفعل. والتقرير معناه عدم إنكاره صلى الله عليه  وسلم لأمرٍ رآه أو بلغه، عمن يكون مضادًّا للشرع.

وهذا التعريف للحديث -الذي هو أقوال النبي صلى الله عليه  وسلم وأفعاله، هو المشهور عند علماء أصول الفقه، وهو الموافق لفنِّهم.

وقد ذهب بعضهم إلى إدخال كل ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه  وسلم في الحديث، فقال في تعريفه: “علم الحديث أقوال النبي صلى الله عليه  وسلم وأحواله” وهذا التعريف هو المشهور عند علماء الحديث، وهو الموافق أيضًا لفنهم؛ فيدخل في ذلك أكثر ما يذكر في كتب السيرة؛ كوقت ميلاده صلى الله عليه  وسلم ومكان ميلاده صلى الله عليه  وسلم ونحو ذلك.

2. مفهوم الخبر لغةً واصطلاحًا:

الخبر لغة: النبأ، وجمعه أخبار.

الخبر اصطلاحًا:

عرفه بعضهم بأنَّه: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه  وسلم أو الصحابي أو التابعي، وهذا يوافق تعريف بعض العلماء للحديث.

وعرفه بعض العلماء بأنَّه: ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي.

3. مفهوم الأثر لغة واصطلاحًا:

الأثر لغةً: بقية الشيء، وجمعه آثار.

الأثر اصطلاحًا: هو مرادف للخبر عند جمهور العلماء.

4. تحديد المراد بالسنة عند الأصوليين:

يلزمنا أن نمهد ونقدم بمقدمة بسيطة، وهي: أننا إذا تتبعنا المنقول إلينا عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم في حياته، نجده أنَّه صدر منه صلى الله عليه  وسلم باعتبارات مختلفة، يعني: ما صدر عن النبي صلى الله عليه  وسلم في حياته عدة أمور:

الأول: ما صدر عنه صلى الله عليه  وسلم باعتباره بشرًا وإنسانًا:

كالأكل، والشرب، والنوم، والقيام، والمشي، والجلوس، وحبه صلى الله عليه  وسلم لنوع معين من الطعام… وغير ذلك، وهذا ليس من التشريع الملزم للأمة، وليس من الوحي، ومثال ذلك ما روي أنه صلى الله عليه  وسلم لما قدم المدينة استقبح بخبرته صلى الله عليه  وسلم وبتجاربه، ما كانوا يصنعونه من تلقيح النخل، فنها عن ذلك وقال: ((عهدي بثماركم غير هذا)) يعني: لو تركتم تلقيح النخل لكان أفضل، قال هذا ببشريته، وبخبرته، وبتجربته صلى الله عليه  وسلم فقالوا: يا رسول الله، نهيتنا عن التلقيح، وإنما كانت جودة الثمر من ذلك؟! فقال صلى الله عليه  وسلم عبارة تصلح دستورًا، قال: ((أنتم أعلم بأمر دنياكم، وأنا أعلم بشئون دينكم)) يعني: الأمور الدنيوية أنتم أعلم بها؛ طالما لم ينزل علي فيها وحي.

ومن ذلك أيضًا ما ورد في غزوة بدر الكبرى، حينما أراد النبي صلى الله عليه  وسلم أن ينزل بالجيش في مكان معين، فقال له الحباب بن المنذر: أهذا منزل أنزلكه الله؛ فليس له أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه  وسلم: ((بل هو الرأي والحرب والمكيدة)) يعني: إنما أشرت عليكم بذلك برأيي.

فهذه أفعال صدرت من النبي صلى الله عليه  وسلم باعتباره بشرًا وإنسانًا، وباعتبار خبرته وتجاربه، وهذه الأفعال الصادرة على هذا النحو ليست من التشريع الملزم للأمة.

الثاني: ما صدر من النبي صلى الله عليه  وسلم متعلقًا بالتشريع ولكن قام دليل على أنه صلى الله عليه  وسلم كان مختصًّا بهذه الأمور:

كـ وصال النبي صلى الله عليه  وسلم في الصوم، فهذا خاص بالنبي صلى الله عليه  وسلم وقام الدليل على أن النبي مختص بهذا الفعل.

ومن ذلك أيضًا: الجمع بين أكثر من أربع نسوة، فلا يكون دليلًا شرعيًّا بالنسبة للأمة، بل هو دليل شرعي بالنسبة للرسول صلى الله عليه  وسلم.

الثالث: ما صدر منه صلى الله عليه  وسلم متعلقًا بالتشريع، ولم يقم دليل على اختصاصه صلى الله عليه  وسلم به:

بل كان الغرض منه الاقتداء والتأسي، وهذا النوع هو الذي يعتبر مصدرًا تشريعيًّا يعمل به على الوجه الذي وقع منه فعلًا أو تركًا.

فعلماء الأصول يستعملون السنة بمعنيين:

المعنى الأول: ما صدر عن النبي صلى الله عليه  وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير. وهذا المعنى هو المعنى الاصطلاحي الدقيق بعد تدوين العلوم.

المعنى الثاني: كل ما دلّ عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب، أو عن النبي صلى الله عليه  وسلم أو اجتهد فيه الصحابة رضي الله  عنهم والدليل الشرعي يشمل: القرآن، والسنة، وإجماع الأمة، والقياس، والاستحسان، والاستصحاب… ونحو ذلك، فكل ما دل عليه دليل شرعي لك أن تسميه “سنة” سواء كان ذلك في الكتاب، أو عن النبي، أو اجتهد فيه الصحابة رضي الله  عنهم.

أمثلة توضيحية لبيان المعنى الثاني للسنة عند الأصوليين:

حد الخمر: كان تعزير الشارب في عهده صلى الله عليه  وسلم غير محدود، بل كانوا يضربون الشارب تارة نحو أربعين، وتارة يبلغون ثمانين، وكذا في عهد أبي بكر، فلما كان في آخر إمرة عمر، ورأى شيوع الشرب في الناس -بدأ الناس يشربون الخمر كثيرًا بعدما صاروا في سعة من العيش، وكثرة الثمار والأعناب- استشار عمر رضي الله  عنه الصحابة في حد زاجر، يعني قال: لقد رأيت شرب الخمر قد تفشى وانتشر، فشاور الصحابة رضي الله  عنهم في حد زاجر، فقال علي رضي الله  عنه: نرى أن نجلده ثمانين؛ لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفترى جلد ثمانين.

فنستطيع القول: أنَّ حد الخمر الذي تقرر في عهد عمر رضي الله  عنه وصار إجماعًا بعد ذلك، وهو ثمانين جلدة: هذا سنة؛ لأن السنة ما دل عليه دليل شرعي، وحد الخمر قد دل عليه دليل شرعي، وهو إجماع الصحابة رضي الله  عنهم بعد أن تشاوروا فيما بينهم في حد الخمر.

تضمين الصناع: يعني: الصانع لشيء ما يضمن هذا الشيء إذا تلف بتقصير منه، حتى قال علي رضي الله  عنه: لا يصلح الناس إلا ذلك. والأصل أن يد الصانع على الصنعة يد أمانة، يعني: لا يضمن إذا تلفت، لكن سدًّا للذريعة وحفظًا لحقوق الناس وأموال الناس؛ أفتى الصحابة رضي الله  عنهم بتضمين الصناع. فتضمين الصناع على هذا النحو سنة؛ لأنه عمل من أعمال الصحابة رضي الله  عنهم.

جمع المصحف: فهذا أمر لم يكن موجودًا في عهد النبي صلى الله عليه  وسلم ولم يأمر به، لكن رعاية لمصلحة حفظ القرآن الكريم جمعوا المصحف. فهذا أيضًا لك أن تسميه “سنة”.

تدوين الدواوين: هذا أيضًا من باب المصالح العامة للأمة المسلمة؛ فهذا لك أن تسميه “سنة”، وغير ذلك مما اقتضاه النظر المصلحي.

إذن يصح أن نطلق على كل ما دل عليه دليل شرعي “السنة”.

الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه (الموافقات) جعل السنة أربعة أقسام:

فقال -رحمه الله:

يطلق لفظ “السنة” على ما جاء منقولًا عن النبي صلى الله عليه  وسلم على الخصوص.

  1. إذن الإطلاق الأول: هو ما ورد من أقوال النبي صلى الله عليه  وسلم أو أفعاله، أو تقريراته، فقط.
  2. ويطلق لفظ “السنة” -كما يقول الشاطبي- في مقابلة البدعة.
  3. ويطلق أيضًا لفظ “السنة” -هذا الإطلاق الثالث- على ما عمل به الصحابة رضي الله  عنهم وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد.
  4. قال الشاطبي أيضًا: ويطلق لفظ “السنة” على إقراره -أي إقرار النبي صلى الله عليه  وسلم.

خلاصة ذلك: أن الأصوليين يقصدون بالسنة في تعبيراتهم واحدًا من إطلاقين:

الإطلاق الأول: السنة بمعنى ما صدر عن النبي صلى الله عليه  وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير.

والإطلاق الثاني: تطلق ويراد بها ما دل عليه دليل شرعي، أيًّا كان هذا الدليل.

وأدلة التشريع نوعان: أدلة متفق عليها، وأدلة مختلف فيها.

فالمتفق عليها أربعة: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس.

والمختلف فيها كثيرة، منها: الاستحسان، والاستصحاب، وسد الذريعة، وقول الصحابي، والأخذ بأقل ما قيل… ونحو ذلك.

فما دل عليه دليل شرعي، أيًّا كان هذا الدليل: كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس، أو استحسان، أو استصحاب، أو مصلحة، أو سد ذريعة… أو نحو ذلك، فلك أن تطلق عليه لفظ “السنة”، يعني: عملَ على وفق ما جاء به النبيصلى الله عليه  وسلم .

error: النص محمي !!