Top
Image Alt

مفهوم الحرابة، وشروطها

  /  مفهوم الحرابة، وشروطها

مفهوم الحرابة، وشروطها

الحَرابة من حيث الحكم ووجوب الحدِّ، مأخوذةٌ من قول الله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، فهذه الآية نزلت في الذين يقطعون الطريقَ، وذلك بقتل المارة، أو أخذ أموالهم، أو تخويفهم، فإنهم جرَّاء ذلك يجب أن يحيق بهم الخزيُ في الدنيا، وهو الحد الذي يتراوح بين القتل، والقطع من خلاف، أو النفي، وهو قول العلماء والمذاهب بتفاوت سوف يتضح في مكانه -إن شاء الله.

ماهية الحرابة:

فقد عرفها الكاساني، في بدائعه، حيث قال: إنها الخروج على المارة؛ لأخذ المال على سبيل المغالبة، على وجه يمنع المارة عن المرور وينقطع الطريق، سواء كان القطع من جماعة، أو من واحد يكون له قوة القطع، سواء كان القطع بسلاح، أو غيره من العصا، والحجر، والخشب، ونحو ذلك؛ لأن انقطاع الطريق يحصل بكل من ذلك، وسواء كان بمباشرة الكل، أو التسبيب من البعض بالإعانة والأخذ.

إذن، من نص الكاساني، يتبين لنا أن الحرابة: هي أن يخرج جماعة على المارة في طريق ما؛ ليأخذوا ما معهم من مال، أو متاع، على سبيل المغالبة والقوة، ويستوي في هذا الأمر -كما هو واضح في نص (البدائع)- ما إذا كان هذا الأمر قد تم من جماعة أو من واحد، حيث تتحقق الحرابة من الجماعة أو من الواحد، ويستوي أيضًا في ذلك ما إذا كان مع القائمين على هذا الأمر من قطَّاع الطريق سلاح أو غير سلاح من العصا، والحجر، والخشب؛ وذلك لأن النص يفيد: أن انقطاع الطريق يحصل بكل من ذلك، وأنه يستوي في هذا الأمر ما إذا كان الأمر الصادر من قطاع الطريق قد تم بمباشرة الكل، أو تم بالتسبيب من البعض عن طريق الإعانة، وما إلى ذلك.

هذا هو التصور الحقيقي في جريمة الحرابة، أو قطع الطريق.

ولكن لا بد من توافر شروط حتى تتحقق أحكام الحرابة في هؤلاء القائمين بتلك الجريمة، ومن ثم فلو انتفت تلك الشروطُ، لم تتحقق فيهم أحكام الحرابة.

ومن هذه الشروط ما يلي:

الشرط الأول: أن تقع الجناية في خارج المصر، وهذا قول الحنفية، والحنابلة في قول لهم، لكن ما وجه التخصيص بأن تكون تلك الجناية في خارج المصر؟

الوجه في ذلك: أن حد الحرابة مخصوص بقطاع الطريق، وقطع الطريق إنما يكون عادةً في خارج المصر، حيث الرهبة، وانعدام الأمن، وانقطاع الغوث، أما في داخل المصر فلا مدعاةَ للرهبة، ويضاف إلى ذلك أيضًا أن هناك إمكانيةً للغوث عند الحاجة، وعند ذاك لا تكون للمعتدين شوكة، فإذا ما اعتدوا بأخذ المال قهرًا والشأن هكذا، كانوا من المختلسين، ومعلوم أنه لا حدَّ على المختلس.

هذا هو كلام الحنفية، والحنابلة في قول لهم، ومفاده أن جناية المحاربة لا تكون إلا في خارج المصر.

وهناك آخرون من العلماء لهم اتجاه آخر يختلف عن هذا الاتجاه، حيث ذهب هؤلاء العلماء إلى وجوب حد الحرابة على الذين يقطعون الطريق في داخل المصر وفي خارجه؛ وذلك لأن الآية تتناول بعمومها كلَّ محاربٍ، ويستوي في هذا الأمر ما إذا كان في داخل المصر، أو في خارجه، بل إن هذا العدوان لو وُجِدَ في داخل المصر لكان أشدَّ وأعظمَ في نشر الفزع والخوف، فكان ذلك أولى بإقامة الحد، وهذا قول المالكية، والشافعية، والظاهرية، والحنابلة في الراجح من مذهبهم، حيث اتفق هؤلاء جميعًا -ومعهم آخرون- على أن حد الحرابة لا يُقتصر على وجود جريمة خارج المَصر، بل يستوي ما إذا كانت الجريمة داخل المصر أو خارجَه.

error: النص محمي !!