مفهوم السرقة، وأدلة قطع يد السارق
السرقة في الشرع: هي أخذ المال على وجه الاستخفاء والاستتار، مع تمام الشروط التي سوف نوضِّحها.
مع ملاحظة أن هناك ثمةَ فرق بين السرقة في حقيقتها ومدلولها العملي، وبين كل من: النهب، والغصب، والاختلاس، والخيانة، فقد يتوهم البعض أن هذه الممارسات تصنَّف على أنها سرقة، ومن ثم تستوجب الحد، ولكن ثمة فرق، كما ذكرنا.
فالسرقة: هي الأخذ من المسروق منه، وهو لا يعلم، مأخوذٌ هذا من مسارقة النظر، ومنه قوله تعالى: { اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [الحجر: 18].
أما النهب: هو أخذ المال بالقهر والغلبة.
وأما الغصب: فهو أخذ المال قهرًا وظلمًا.
وأما الاختلاس: فهو الاختطاف بسرعة، وعلى غفلة، ثم يعقبه هروب.
وأما الخيانة: فهي التفريط في الأمانة.
وجملة القول في ذلك: أن المنتهب، هو الذي يأخذ المال جهرًا بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ويمنعوه، ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم.
أما المختلس، فهو إنما يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وكذلك فإن المختلس يأخذ المال من غير حرز غالبًا، فهو يغافل ويختلس المتاع في حال تخلي، أو غفلة صاحبه عن حفظه، وهذا يمكن الاحتراز منه، فهو كالمنتهب.
والمراد تحقيقه هنا، أن السارق: هو من أخذ شيئًا خفية من موضع كان ممنوعًا من الوصول إليه، والموضع هذا يطلق عليه في الفقه الإسلامي الحرز.
وجماع القول في السرقة، أنها تستوجب أن يقام الحد على السارق بعد تمام الشروط التي تصل بحجم السرقة إلى كمال الجناية، من غير نقص أو لبس أو شبهة، حتى إذا وقع شيء من ذلك وقع تنفيذ الحد، وهو القطع من مفصل الكوع، أي: أن السرقة التي تستوجب الحد لها من الضوابط، ولها من القيود ما لا بد أن يتحقق حتى يقام الحد، فإذا فاتت تلك الضوابط، أو تلك القيود، فللفقهاء كلام في ذلك.
وإذا كانت السرقة بضوابطها المعروفة لدى الفقهاء تستوجب القطع، فما دليل القطع هذا؟
لبيان ذلك نقول: السارق الذي اقترف جنايته في اكتمال غير منقوص، وفي استتمام لا تشوبه شبهة، لا جرم أن يقام عليه الحد بقطع يده، ودليل ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فهو قول الله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ } [المائدة: 38].
أما الأدلة من السنة، فهي كثيرة ومستفيضة، منها ما أخرجه مسلم، عن عائشةرضي الله عنها أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكلَّمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أتشفع في حد من حدود الله؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها)).
كما أخرج مسلم بإسناده عن جابر، أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة، أي: احتمت بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبيصلى الله عليه وسلم: ((والله لو كانت فاطمة لقطعت يدها)) فقطعت.
وكذلك قد أجمع العلماء بغير خلاف، على وجوب إنزال الحد بالسارق، وهو القطع؛ إذا ما تحققت شروط السرقة الكاملة.
وبذلك، فإن الحد على السارق مفروض لا محالة إذا تحققت الشروط الموجبة للقطع، خلافًا للمنتهب، أو المستلب، أو المختلس، أو المغتصب، أو الخائن، الذين كنا قد نبهنا عليهم في بداية الحديث، بأن هناك ثمة فرق بين جريمة السارق والجريمة المنسوبة إلى هؤلاء، فإن كلًّا من هؤلاء لا حد عليه؛ للفرق الواضح بين السرقة، وكل من: الانتهاب، والاستلاب، والاختلاس، والاغتصاب، والخيانة.
وذلك لأن مناط الحكم الذي يوجب حد القطع، هو أخذ الشيء خفية من غير أن يعلم المسروق منه، وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع)) لأن العلة -كما أوضحنا- في وجوب الحد، هي أخذ الشيء خفية من غير علم المسروق منه، وفي تلك الأشياء تنتفي تلك العلة.
وأيضًا، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس على الخائن قطع، ولا المختلس قطع)) إلى غير ذلك من الأحاديث التي يفهم من خلالها أن هناك فرق بين السرقة، وبين تلك الممارسات.
مع ملاحظة أنه ينبغي أن يعلم المسلم، أنه من الحقائق الراسخة في دين الإسلام، أن يكون المسلمون إخوة متحابين متساندين متآزرين، ومن ثَمَّ فلا يحيف أحد المسلمين على أحد، ولا ينال مسلم من حرمة مسلم؛ أيَّ منالٍ، ولا يمسه بسوء أو ضرر، سواء في نفسه، أو ماله، أو عرضه، أو بدنه، أو شرفه، أو كرامته.
أيضًا من الحقائق التي ينبغي أن يراعيها المسلم، أنه لا يجد المتدبر البصير أيَّ نظير في الأرض لشريعة الإسلام، من حيث احتواء المسلمين في إطار من الإخوة والتماسك والإيجابية والود، كما يكون المسلمون جميعًا على قلب رجل واحد، ومن ثم فلا يعتدي أحد على أخيه، ولا يضره أيَّ إضرار، وفي هذا المعنى يقولصلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا)) ويشير المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه)).
أيضًا من الأمور التي من الأهمية بمكان، أن ننبه المسلم إلى أصوات النكث والفسق التي تثير حول الإسلام شبهات وأكاذيب، وتنشر بين يديه، ومن خلفه أفياضًا من الأباطيل والتخريص واللغط؛ لترسم للأذهان الواهمة أن أيادي جمة سوف تُقطع من الأكواع، إن ذلك وهم وخداع ولغط وافتراء على الإسلام وأهله.
إن الإسلام لو طُبِّق لسوف تظلل الأرض غمرة من الأمن والسلام والاستقرار، وإذا لم يكن ثمة بُد فلا تقطع إلا أيدٍ معدودة لأفراد معدودة، إنه إذا طبق الإسلام لا يمكث في الأرض إلا الخير والانتعاش والراحة؛ لتتبدد بعد ذلك من بين الناس كل مظاهر الحرمان والأنانية والجشع والقلق، ولتتبدد كذلك كل صور التمييع والخوف والفوضى.
بعد هذا التمهيد المهم إدراكه ومعرفته، نؤكد على ما ذكرناه فيه، بأن هناك ضوابط للسرقة التي تستوجب الحد، فليس كل تصرف فيه اعتداء على أموال الآخرين يعتبر في نظر الإسلام سرقة توجب الحد، وإنما تحرص الشريعة الإسلامية أشد الحرص على صون الدماء أن تهراق بلا جناية كاملة، تكافئ في حجمها صرامة الحد على السارق، وهو قطع اليد.