Top
Image Alt

مفهوم السنة لغة واصطلاحًا

  /  مفهوم السنة لغة واصطلاحًا

مفهوم السنة لغة واصطلاحًا

السنة في لغة العرب تطلق على عدة معانٍ:

المعنى الأول أشهرها: السيرة المستمرة والطريقة المتبعة؛ حسنة كانت أو سيئة، وبهذا الإطلاق اللغوي جاءت كلمة “السنة” في القرآن الكريم؛ قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النّاسَ أَن يُؤْمِنُوَاْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَىَ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبّهُمْ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنّةُ الأوّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} [الكهف: 55] والمعنى: أي سيرة الأولين وطريقتهم المتبعة. ومن ذلك قول الله تعالى: {سُنّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء: 77] فالسنة هنا جاءت بمعنى السيرة المستمرة والطريقة المتبعة.

كما جاء ذلك في السنة النبوية أيضًا، يعني: السنة بمعنى السيرة والطريقة، كما روى الإمام مسلم في صحيحه أنَّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم قال: ((من سنّ سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها، ومن سنّ سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها)) إذن السنة في اللغة: السيرة والطريقة حسنة كانت أو سيئة.

وقد خصّها بعض العلماء بالطريقة الحسنة فقط، يعني: دون غيرها، فإذا أطلقت “السنة” فالمراد بها الطريقة الحسنة؛ ولذلك قال الأزهري كما في (تهذيب اللغة): والسنة: الطريقة المستقيمة المحمودة؛ ولذلك قيل: فلان من أهل السنة، يعني: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة.

المعنى الثاني: العناية بالشيء والرعاية له، يقال: سن الإبل، إذا أحسن رعايتها، وأحسن العناية بها.

2. السنة في اصطلاح الشرع:

تطلق “السنة” ويراد بها الواقع العملي:

هذا الكلام مدخل إلى التعريف الدقيق للأصوليين، لكن كلمة “السنة” لها إطلاق شرعي عام؛ فتطلق ويُراد بها الواقع العملي في تطبيق الشريعة الإسلامية، سواء كانت واردة في القرآن، أو في الحديث الشريف، أو مستنبطة منهما، وهي بهذا المعنى الشرعي العام تشمل مع ما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم عمل الخلفاء الراشدين؛ وعلى هذا المعنى جاء قوله صلى الله عليه  وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ عضوا عليها بالنواجذ)) فهذا الحديث فيه دلالة على أن فعل الصحابة رضي الله  عنهم يصح أن يسمى: “سنة” بالاصطلاح الشرعي العام.

والسنة بهذا المعنى -الذي هو الواقع العملي في تطبيق الشريعة- تقابل البدعة، التي ليست قرآنًا، ولا حديثًا، ولا شيئًا مستنبطًا منهما، ولا عملًا عمله الخلفاء الراشدون، ولا صحابة النبي صلى الله عليه  وسلم وفي ذلك يقول صلى الله عليه  وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌ)) والبدعة هذه هي التي اعتبرها الرسول صلى الله عليه  وسلم ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ لأنها تخالف ما عليه الرسول، وما عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه  وسلم.

وقد صرّح بعض الأصوليين: بأنَّ لفظ “السنة” يطلق على ما عمل به أصحاب رسول الله صلى الله عليه  وسلم سواء كان ذلك في الكتاب العزيز أو عن النبي صلى الله عليه  وسلم أو لا.

وعلى ذلك تشمل السنة ما تشتمل عليه الشريعة من قرآن وغيره، مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم وقد تشتمل على ما استند إلى الشريعة عن طريق أقرته، كاجتهاد صحيح. يعني: من الصحابة، وممن يأتي بعدهم ممن توفرت فيهم شروط الاجتهاد.

فالسنة تطلق على ما وافق القرآن، وما وافق حديث النبي صلى الله عليه  وسلم أو ما استنبط من القرآن والسنة، أو ما عمل به الخلفاء الراشدون والصحابة المهديون.

إذن السنة في اصطلاح الشرع العام تشمل ما جاء في القرآن، وما أُثر عن النبي صلى الله عليه  وسلم وما عمل به الخلفاء الراشدون والصحابة الأكرمون؛ فهي تشمل كل تعاليم الإسلام، هذا معنى للسنة في التشريع العام.

قد تأتي السنة في مقابلة القرآن الكريم أو معطوفة عليه:

والعطف يقتضي المغايرة في الأعم الأغلب. وهي في هذه الحالة تخالف المدلول السابق، الذي هو ما جاء في القرآن، وما أُثر عن النبي، وما عمل به الخلفاء الراشدون والصحابة، وفي هذه الحالة تخالف المدلول السابق الشامل لكل تعاليم الإسلام؛ فهي في هذه الحالة تكون أخص من الإطلاق الأول؛ حيث قرنت بالقرآن الكريم، فهي هنا تعنى: ما أُثر عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو غير ذلك من الاصطلاحات التي سنذكرها -إن شاء الله.

فالإطلاق الثاني أخص من الأول؛ حيث إنَّه يجعل السنة خاصة بما أُثر عن النبي صلى الله عليه  وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، وبهذين الاصطلاحين -يعني: الاصطلاح الذي يشمل كل تعاليم الإسلام، والاصطلاح الذي السنة في مقابلة القرآن- عرفت كلمة “السنة” في الرعيل الأول، في المفهوم الإسلامي، في عصر الرسول صلى الله عليه  وسلم وعصر الصحابة والتابعين.

3. معنى السنة في اصطلاح المحدّثين والفقهاء والأصوليين:

عندما بدأ تدوين العلوم بدأت نظرات العلماء تختلف في مدلول السنة؛ وكأن مدلول السنة مر بمرحلتين: مرحلة في عصر الصحابة والتابعين؛ كانوا يفهمون أنَّ السنة هي ما وافق القرآن وفعل النبي صلى الله عليه  وسلم وقوله وتقريره، السنة تشمل كل التعاليم الإسلامية.

أما بعد عصر تدوين العلوم: فالسنة لها مدلول آخر، تبعًا لاختلاف الموضوع الذي يبحث فيه كل فريق من العلماء. وسنذكر تعريف كل طائفة من هؤلاء:

السنة عند المحدِّثين:

إن هدف المحدثين هو معرفة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه  وسلم في أقواله، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته الخُلقية، والخلقية، وكل ما نُسب إليه صلى الله عليه  وسلم باعتباره قدوة حسنة، فقالوا:

“السنة هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه  وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خِلقية أو خُلقية، أو سيرة، سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها”.

هذا تعريف المحدثين للسنة، فالمحدثين يبحثون في كل أحوال النبي صلى الله عليه  وسلم قبل بعثته وبعدها. والسنة بهذا المعنى مرادفة للحديث، وقد استمد المحدثون هذا الاصطلاح من تفسير السلف للسنة.

السنة في اصطلاح الفقهاء:

لما كان موضوع علم الفقه البحث عن حكم الشرع في أفعال العباد، من حيث الوجوب، والندب، والإباحة، والحرمة، والكراهة، إلى غير ذلك من أقسام الحكم الشرعي- عرفوا السنة تعريفًا يتفق وموضوع علمهم، قالوا: “السنة هي الطريقة المتبعة في الدين من غير افتراض ولا وجوب”.

ومعنى “الطريقة المتبعة في الدين” يعني: ما واظب عليه النبي صلى الله عليه  وسلم ولم يتركه إلا نادرًا، أو ما واظب عليه الصحابة رضي الله  عنهم كصلاة التراويح مثلًا؛ فهذه يسميها الفقهاء: “سنة”، فهي الطريقة المتبعة في الدين من غير افتراض ولا وجوب، يعني: ليست فرضًا، وليست واجبة.

وقيل في تعريف السنة عند الفقهاء: “ما في فعله ثواب، وفي تركه عتاب لا عقاب”.

وخلاصة هذه التعريفات: أنَّ السنة عند الفقهاء تعني ما طلبه الشارع طلبًا غير جازم.

ولذا روي عن علي رضي الله  عنه أنه قال: “السنة: وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة” يعنى: هذا مطلوب طلبًا غير جازم فهو سنة.

السنة عند علماء الأصول:

لما كان الأصوليون يبحثون في الدليل الشرعي من حيث إفادته للأحكام الشرعية إجمالًا؛ فقد عرّفوا السنة بما يتفق وهذا الغرض، فهم يبحثون عن حياة رسول الله صلى الله عليه  وسلم باعتباره المبلغ عن ربه -جلّ وعلا، والمشرِّع الذي يضع القواعد للمجتهدين من بعده، ويبين للناس دستور الحياة، ولذلك فالتعريف المشهور عند جمهور علماء الأصول للسنة: ” أنَّها ما صدر عن النبي صلى الله عليه  وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، مما ليس بقرآن”.

وهناك تعريفات أخرى للسنة عند علماء الأصول، تختلف اختلافًا قليلًا في لفظها، لكنها تتداخل تداخلًا كبيرًا، وهذا الخلاف -يعني في تعريف السنة عند الأصوليين- مبنيٌّ على خلاف آخر، وأنَّ بعض العلماء قال: يمكن الاقتصار في تعريف السنة على الأفعال؛ لشمولها الأقوال، باعتبار أن الأقوال من أفعال اللسان، وكذلك التقرير؛ لأنه فعل، كما أن الهم فعل القلب والإشارة المفهمة فعل الجوارح؛ لذلك بعض أهل العلم يقول:

“السنة هي أفعال النبي صلى الله عليه  وسلم” ويجعل الأقوال، والتقريرات، والهم، والإشارة، داخلة في الأفعال.

error: النص محمي !!