Top
Image Alt

مفهوم النمو وأهداف دراسة النمو الإنساني

  /  مفهوم النمو وأهداف دراسة النمو الإنساني

مفهوم النمو وأهداف دراسة النمو الإنساني

. مفهوم النمو:

عرف علم نفس النمو: هو فرع علم النفس الذي يهتم بدراسة التغيرات التي تطرأ على سلوك الإنسان من المهد -بل وقبله- إلى اللحد.

ويعرِّفُ أحد الباحثين النمو بقوله: إنه مجموعة من المراحل تحدث فيها فترات من الراحة، تعقبها قفزات في النمو.والنمو المقصود هنا ليس زيادة  في الكمية، بل في الكيفية، وفي حدوث وظائف جديدة عند الطفل، والنمو وحدة ديناميكية تتم عبر مراحل متعددة، ينتقل فيها الطفل من حالات الضعف والتفكك إلى مرحلة الرجولة.

وفيما يتعلق بالتطور العقلي، هناك انبناء في كل مرحلة، وهذا الانبناء يتطور في المراحل التالية، وينتقل من حالة الغموض والتوازن الضعيف أو المختل إلى حالة الوضوح والتوازن المتكامل، فهناك الذكاء الحسي الحركي، وهناك الذكاء الحدسي، والذكاء المحسوس أو العملي، وأخيرًا الذكاء المجرد.

ويهتم معظم دارسي علم نفس النمو بوصف وتفسير هذه التغيرات التي تحدث للوليد الإنساني كلما تقدم في عمره الزمني، ويرون أن هذه التغيرات النمائية ما هي إلا سلسلة متدرجة من المراحل النمائية، كما أن البعض يُرجِع هذه التغيرات إلى أسباب سيكولوجية، ومنهم من يرجعها إلى أسباب بيئية، وفريق ثالث يرجعها إلى التفاعل بين الأسباب الوراثية والأسباب البيئية معًا.

وخلاصة القول:

فالنمو ليس عملية اعتباطية، بل هو عملية تنظيم الحياة الإنسانية وإعداد لتكاملها، وهو بذلك يخضع لمبادئ عامة أساسية، يشترك جميع الأفراد الإنسانيين في سلوكها؛ من بدء الحياة إلى ختامها، وهذه المبادئ تخضع في وجودها لعوامل طبيعية في السلالة البشرية.

2. أهداف دراسة النمو:

يمكن القول: إن لدراسة النمو هدفين أساسيين:

أولهما: الوصف الكامل والدقيق قدر الإمكان للعمليات النفسية عند الناس في مختلف أعمارهم، واكتشاف خصائص التغير الذي يطرأ على هذه العمليات في كل عمر.

وثانيهما: تفسير التغيرات العمرية الزمنية في السلوك، أي: اكتشاف العوامل والقوى والمتغيرات التي تحدد هذه التغيرات.

وفيما يلي وصف لأهم هذه الأهداف:

أ. وصف التغيرات السلوكية:

على الرغم من أن هدف الوصف هو أبسط أهداف العلم، إلا أنه أكثرها أساسيةً، فبدونه يعجز العلم عن التقدم إلى أهدافه الأخرى، والوصف مهمته الجوهرية أن يحقق للباحث فهمًا أفضلَ للظاهرة موضع البحث، ولذلك فالباحث في علم نفس النمو عليه أن يجيب أولًا على أسئلة هامة، مثل:

– متى تبدأ عملية نفسية معينة في الظهور؟

– ما هي الخطوات التي تسير فيها، سواء نحو التحسن أو التدهور؟

– وكيف تؤلف مع غيرها من العمليات النفسية الأخرى أنماطًا معينة من النمو؟

مثلًا: إننا جميعًا نلاحظ تعلق الرضيع بأمه، وأن الأم تبادل طفلها هذا الشعور، والسؤال هنا: متى يبدأ شعور التعلق في الظهور؟ وما هي مراحل تطوره؟ وهل الطفل المتعلق بأمه تعلقًا آمنًا يكون أكثر قدرةً على الاتصال بالغرباء؟ أم أن هذه القدرة تكون أكبر لدى الطفل الأقل تعلقًا بأمه؟

هذه وغيرها أسئلة من النوع الوصفي، ويجاب عن هذه الأسئلة بالبحث العلمي الذي يعتمد على الملاحظة، أي: من خلال مشاهدة الأطفال والاستماع إليهم، وتسجيل ملاحظاتنا بدقة وموضوعية.

ب. تفسير التغيرات السلوكية:

الهدف الثاني لعلم نفس النمو هو التعمق فيما وراء الأنماط السلوكية التي تقبل الملاحظة والبحث عن أسباب حدوثها، أي: هدف التفسير، والتفسير يعين الباحث على تعليل الظواهر موضعَ البحث من خلال الإجابة على سؤال: لماذا؟ بينما الوصف يجيب على السؤال: ماذا؟ وكيف؟

ومن الأسئلة التفسيرية: لماذا يتخلف الطفل في المشي؟ أو يكون أكثر طلاقةً في الكلام؟ أو أكثر قدرةً على حل المشكلات المعقدة بتقدمه في العمر؟ وإلى أي حد ترجع هذه التغيرات إلى الفطرة التي تشمل فيما تشمل الخصائص البيولوجية، والعوامل الوراثية، ونضج الجهاز العصبي، أو إلى الخبرة، أي: التعلم واستثارة البيئة؟

والإجابة على مثل هذه الأسئلة تتطلب من الباحث أن يسير في اتجاهين، أحدهما: يجيب على السؤال: لماذا تبدأ متوالية سلوكية معينة في الظهور؟ وثانيهما: لماذا تستمر هذه المتوالية السلوكية في النمو؟

وعادة ما تبدأ الإجابة بتقصي الدور النسبي للفطرة أي الوراثة، والخبرة أي البيئة. فمثلًا: إذا كان الأطفالُ متقدمين في الكلام في عمر معين يختلفون وراثيًّا عن المتخلفين نسبيًّا فيه، نستنتج من هذا: أن معدل التغير في اليسر اللغوي يعتمد -ولو جزئيًّا- على الوراثة، أما إذا كشفت البحوث عن أن الأطفال المتقدمين في الكلام يَلْقَوْنَ تشجيعًا أكثر على إنجازهم اللغوي، ويمارسون الكلام أكثرَ من غيرهم، فإننا نستنتج أن التحسن في القدرة اللغوية الحادث مع التقدم في العمر يمكن أن يُعزى -جزئيًّا على الأقل- إلى الزيادة في الاستثارة البيئية.

وفي الأغلب نجد أن من الواجب علينا لتفسير ظواهر النمو أن نستخدم المعارف المتراكمة في ميادين كثيرة أخرى من علم النفس وغيره من العلوم، مثل نتائج البحوث في مجالات التعلم والإدراك والدافعية، وعلم النفس الاجتماعي، وسيكولوجية الشخصية والوراثة، وعلم وظائف الأعضاء، والأنثربولوجيا، وعلم الاجتماع.

جـ. التدخل في التغيرات السلوكية:

الهدف الثالث لعلم نفس النمو هو التدخل في التغيرات السلوكية؛ سعيًا للتحكم فيها، حتى يمكن ضبطها وتوجيهها والتنبؤ بها، ولا يمكن أن يصل العلم إلى تحقيق هذا الهدف إلا بعد وصف جيد لظواهره، وتفسير دقيق صحيح لها من خلال تحديد العوامل المؤثرة فيها.

ومهمة علم نفس النمو: أن يقدم الفَهم الواضح، والتعليل الدقيق لظواهر النمو الإنساني.

error: النص محمي !!