مقارنة بين تعليم اللغة الأم، أو اكتسابها، وتعليم اللغة الثانية
إن الطفل -أي طفل- يستطيع تعلم لغته الأصلية في وقت مبكر من حياته، وفي فترة زمنية قصيرة، وما نظريات التعلم العامة، وتعلم اللغة بشكل خاص إلا محاولات من قبل العلماء تهدف لفهم هذا التعلم ومعرفة حقائقه، غير أن تعلم لغة أخرى وخصوصا خارج بيئتها الطبيعية لا يكون بهذه السهولة، ومن هنا فقد انصبت جهود العلماء والمختصين على دراسة هذه الظاهرة، ومحاولة معرفة طبيعتها وأسبابها وظواهرها، والفرق بينها وبين تعلم اللغة الأصلية نظرا للصعوبات التي تواجه تعلم اللغات الأخرى، أو اللغات الأجنبية.
إن أوجه الاختلاف والتشابه بين الوضعين تتعلق بالظروف التي يتم فيها تعلم اللغة الأجنبية، وبسن المتعلم، والهدف من التعلم، ومخرجات هذا التعلم.
يمتاز تعلم اللغة الأصلية عن تعلم اللغة الأجنبية بأنه يتم في ظروف طبيعية، فالطفل يتعلم هذه اللغة في سن مبكرة كجزء لا يتجزأ من نموه ونضوجه المعرفي والعقلي والاجتماعي والنفسي، وللتعامل مع مجتمعه والانخراط فيه، والنتيجة الحتمية لذلك هي أن الطفل يتقن لغته أيما إتقان، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للغة الأجنبية وتعلمها، فدارس اللغة الأجنبية يكون قد تعلم لغته الأصلية أولًا؛ ولذلك فإن اللغة الأجنبية ليست جزءًا أساسيا من عمليات نموه ونضجه.
وقد اختلفت الآراء حول أثر هذا على تعلم اللغة الأجنبية، ولكن الرأي السائد أن هذا الوضع من شأنه أن يفيد طالب اللغة الأجنبية من حيث:
أولًا: إكسابه مرونة في التفكير، وفي بعض قدراته المعرفية اللغوية، ولكن المهم أن هذا هو أحد العوامل التي تؤثر على تعلم اللغة الأخرى في أثناء أو بعد تعلم اللغة الأم.
ثانيًا: أن تعلم اللغة الأجنبية يتم في العادة في ظروف رسمية داخل المدرسة، أما اللغة الأصلية فيتم تعلمها بصورة طبعية، ونتيجة ذلك أن الطالب لا ينال القدر نفسه من التعرض للغة واستخداماتها ووظائفها، وهذا يؤثر على عوامل أخرى مثل الدافع لتعلم اللغة الأجنبية، والاستمرار في هذا التعلم.
ثالثًا: أوجه الاختلاف والتشابه بين اللغة الأم واللغة الأجنبية أمر لا ينكر، فالتشابه موجود والاختلاف موجود، فاللغة الإنجليزية والعربية تتشابهان من حيث كونهما تستخدمان صيغا لغوية كالأسماء والأفعال والجمل، وتؤديان وظائف متشابهة كالوصف والطلب وغير ذلك شأنهما في ذلك شأن جميع اللغات الإنسانية الأخرى، ولكن أوجه الاختلاف في النظام الصوتي والصرفي والنحويا والدلالي كبيرة جدا، مما ينبغي النظر فيه عند تعلم اللغة الإنجليزية بوصف كونها لغة أجنبية من قبل الطلبة العرب، فهذا يؤثر على تعلم اللغات الأجنبية، أعني أن التداخل بين اللغات بسبب التباين بينها يؤثر على هذا التعلم، وهو ما لا يعاني منه الطفل عند تعلم لغته الأم.
رابعًا: إن عامل السن الذي يتم عنده تعلم اللغة الأجنبية من العوامل المهمة في التأثير على سير هذه العملية، والطريقة التي تتم بها، ومدى التمكن الذي يحققه المتعلم في اللغة الأجنبية، وفي تعلم اللغات دار جدل حول ما إذا كان هناك ما يسمى بالمرحلة الحرجة لاكتساب اللغة، أي: مرحلة محددة من العمر يكون اكتساب اللغة فيها أسهل ما يكون، ويصبح هذا الاكتساب بعدها أكثر صعوبة.
ومن العوامل التي ينظر إليها أيضا عند محاولة تفسير نجاح تعلم اللغة الأجنبية أو فشله الدافع، والدافع هو: الحافز والمثير الداخلي عند الإنسان لتعلم اللغة الأجنبية، وهناك عوامل تعليمية وفردية واجتماعية ينظر إليها على أنها تؤثر في زيادة الدافع أو الحد منه، ومن بين هذه العوامل الذكاء والاستعداد والمثابرة، واستراتيجيات التعلم، والتقويم الذاتي.
إن الدافعية ترتبط في الأساس بالهدف من تعلم اللغة الأجنبية، وهناك ما يسمى بالدوافع الوسيلية، وهي تشير إلى كون هذه الدوافع وسيلة لتحقيق أهداف محددة، كتحسين الوضع الوظيفي أو الدراسي أو قراءة المواد العلمية والتقنية والتخصصية أو الترجمة أو غير ذلك، وهناك ما يسمى بالدوافع التكاملية، وهي تشير إلى رغبة متعلم اللغة الأجنبية في الاندماج في ثقافة اللغة الأجنبية، واعتبار نفسه عضوا كامل العضوية في المجتمع الذي يستخدم تلك اللغة الأجنبية لغة أصلية له.