Top
Image Alt

مقاصد وغايات رواية الحديث مرسلًا

  /  مقاصد وغايات رواية الحديث مرسلًا

مقاصد وغايات رواية الحديث مرسلًا

ومن العلماء من يكتب الحديث مسندًا ويرويه مرسلًا على معنى المذاكرة والتنبيه؛ ليطلب الإسناد المتصل ويسأل عنه:

قال الخطيب: وربما أرسلوا الحديث اختصارًا وتقريبًا على المتعلم لمعرفة الحكم الوارد فيه, كما يفعل الفقهاء الآن -أي: في عصره- في تدريسهم؛ فإذا أريد استعمال الحكم احتيج إلى بيان الإسناد، قال: ألا ترى إلى عروة بن الزبير لما أنكر على عمر بن عبد العزيز تأخير الصلاة, وأرسل له خبر أبي مسعود الأنصاري -أي: رواه مرسلًا- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة جبريل؛ استثبته عمر بن عبد العزيز لحاجته إلى استعمال الخبر، وقال له: اعلم ما تقول يا عروة؟ فأبان له إسناده وقطع بذلك عذره، وكان ابتداء عروة عمر بالخبر على سبيل المذاكرة أو التنبيه؛ ليسأل عمر عنه، فلما احتيج إلى استعماله استثبته عمر فيه فأسنده له.

فالعلماء إذا رووا الحديث المرسل يروونه لمقاصد وغايات, تتصل برواية الحديث أو باستنباط الأحكام منه أو لغير ذلك من الأمور؛ لكنهم يعملون على التثبت من الإرسال، وأن الساقط فيه لا يؤثر في الحكم على الحديث.

وقد أرسل التابعون للأحاديث التي لا تدخل تحت الحصر، وكان من بينهم من ذكرناه؛ كابن المسيب والحسن وسعيد بن جبير ومن يطول الكلام بذكرهم, ولم تكن روايتهم لها -كما قال الطبري- إلا للعمل بها؛ وإلا فلو كانت لغوًا لا تفيد شيئًا ولا يحتج بها لأنكرها عليهم العلماء, وبينوا أن إرسالهم الحديث يقتضي التوهين له وعدم الاحتجاج به؛ فما أنكر عليهم نظراؤهم ولا من فوقهم, وإنما أنكر عليهم من جاء بعدهم، قال الطبري: ولم يزل الناس على العمل بالمرسل وقبوله حتى حدث بعد المائتين القول برده. وهذا من الطبري حماية للمرسل ودفاع عنه, لكنه كان عليه أيضًا أن يشكر من قاموا بنقد المرسل بعد ذلك؛ لأن التشدد في مجال الرواية مطلوب، ولأن الإنكار على راوٍ في بعض مراسيله لا يعني إسقاط جميع المراسيل؛ وإنما يُراد التنبيه إلى مزيد العناية عندما يحتاج الأمر إلى تبين اتصال المرسل عن ثقة، أو وجود حديث متصل يسانده، وقد قرر ذلك الإمام الشافعي فيما اشترطه لقبول المرسل؛ فلا يخفى اشتراط سلامة السند إلى المرسِل, وعدم مخالفة المرسل لما هو أقوى منه وأرجح.

ومن وصله الحديث مرسلًا؛ فعليه أن يرويه على ما وصله، ثم يعلق ببيان الساقط من الإسناد إذا تيسر له ذلك، ولا يسند هذا الوصل إلى من أرسل الحديث فيرويه متصلًا عنه, ولم يروَ متصلًا عنه.

وقد ذكر الحسن البصري -كما سبق- من أسباب الإرسال الخطرَ الحاصلَ بسبب الرواية عن بعض الصحابة أو من دونهم؛ لأن ذلك يؤدي إلى سوء الظن عند الحكام، وقد ينتهي بالراوي إلى العقوبة؛ فإذا روى الحديث مرسلًا مع تأكده من ثقة من رواه له أو أنه صحابي؛ نجا من مثل هذا الاتهام، وبعضهم أرسل عن الراوي ما وصل إليه عنه من طرق كثيرة، كما ذكر إبراهيم النخعي في روايته عن عبد الله بن مسعود، وأن إرساله عنه أقوى من اتصال الرواية عنه.

error: النص محمي !!