مقدمة أساسية لخطوات البحث
أيّ بحث علْمي يتكوّن من مجموعة من الخطوات، لا بد أن نتخيّلها في أذهاننا، وأن نتصوّرها تصورًا؛ حتى نسير على هدْيها؛ وهي تُشبه أن تكون خريطة، كالخريطة التي تكون في يد السائح، أو ملخّصًا للأعمال التي سيقوم بها إنسان مكلَّف في مهمّة عمليّة.
وهذه الخطوات هي:
أولًا: اختيار موضوع البحث، وبيان أسباب هذا الاختيار.
ثانيًا: اختيار عنوان البحث، والشروط التي يلزم أن تتحقّق في هذا العنوان.
ثالثًا: وضْع خطّة أوّليّة للبحث، تظهر فيها أبواب البحث، وفصوله، ومباحثه، وموضوعاته الرئيسة.
رابعًا: تجهيز قائمة أوّلية لمصادر البحث ومراجعه.
خامسًا: العمل في تجهيز المادة العلمية التي سيتكوّن منها البحث، وجمع هذه المادة العلْمية، وكيفيّة توزيعها على أبواب البحث وفصوله وموضوعاته.
سادسًا: الكتابة الأوّلية للبحث، وكيفية الصياغة، وطرق الاقتباس من المصادر والمراجع التي سيرجع الباحث إليها.
سابعًا: استكمال القراءة على ضَوْء ما يظهر من نقص في المادة العلْمية في أثناء الكتابة الأوّلية، أو استجابة لتوجيهات الأستاذ المشرف على الموضوع.
ثامنًا: الكتابة الثانية التي يستفيد فيها من كلّ ما وُجِّه إليه من الملاحظات.
تاسعًا: عرض القراءة على المشرف، وتلقِّي ملاحظاته وتوجيهاته وإضافاته، وتنفيذ هذه الملاحظات.
عاشرًا: الكتابة النهائية للصورة التي سوف يكون البحث عليها. وفي هذه المرحلة تُكتب المقدّمة، ثم الخاتمة التي تذكر فيها النتائج التي توصّل الباحث إليها في بحثه. ثم نختم ذلك كلّه بكتابة المصادر والمراجع والفهارس بالطريقة الفنية التي يدلّنا عليها علماء المناهج. وهكذا يكون لدينا عدد من الخطوات لا بدّ أن تتوفّر في كلّ بحث علميّ.
وقد نضيف إلى ذلك مرحلة المناقشة، ثم الملاحظات والتعليقات التي يقولها الأساتذة، وكيف تُطبّق. ويمكن أن نتطرّق لمثْل هذا الأمر عندما نصل إلى هذه النقطة من نقاط البحث الذي نتحدّث عنه.
المفروض: أن الطالب يحفظ هذه الخطوات، ويدرّب نفسه على الانتقال من خطوة إلى الخطوة التالية لها، وأن يتمّ ذلك بطريقة طبيعية مرتّبة ومنظّمة. ولا يصحّ إغفال خطوة والذهاب المباشر إلى الخطوة التي تليها؛ لأن الباحثَ لو فعل ذلك سيضطرّ اضطرارًا إلى معاودة النقطة التي عبَرها دون أن يقوم بها. فلا بدّ من مراعاة هذه الخطوات بدقّة، والانتقال التدريجي المتسلسل؛ حتى يقوم البحث على ترابط منطقيّ وتسلسل طبيعيّ، ولا يكون فيه فجوات أو عثرات؛ لأنه إذا عبَر خطوة قبل أن يقوم بها، فسيضطرّ اضطرارًا إلى العودة إليها، إمّا لأن مقتضيات البحث تُلزمه بذلك، وإمّا أن الأستاذ المشرف سيكتشف بالفعل -نتيجةً لخبرته الطويلة- أنه قد عبر بعض هذه الخطوات دون أن يقوم بها.
وعلينا ألا ننظر إلى هذه الخطوات على أنها صعبة أو معقّدة أو أنها عسيرة التحقيق؛ لأن الأمر يبدو في أوّله على هذا النحو من بعض الصعوبة، ولكن بالتّدرّب والمعايشة لموضوع البحث وتَكرار القيام بالبحوث، تكون المسألة واضحةً تمامًا.
ويمكن لنا أن نشبّه مثل هذه المسألة في أنها تكون صعبة في بداية الأمر، ثم تسهل بعد ذلك، بموقفنا عندما نتدرّب على قيادة السيارات مثلًا، أو التدرّب على الكتابة على “الكمبيوتر”، أو اكتساب أيّة مهارة جديدة لا نكون على علْم بها؛ إننا في أوّل الأمر نكون واعِين تمامًا بكلّ خطواتنا.
فالذي يتدرّب على قيادة السيارة يلاحظ نفسه في أوّل الأمر أنه على دراية بكل التّفصيلات؛ لأنه يريد أن يُتقنها وأن يتمهّر فيها وأن يكون قادرًا على إجادتها، ولكن بمرور الوقت يستطيع الإنسان أن يقود السيارة دون أن يلاحظ تحرّك رجليْه أو تحرّك يديْه للضغط على مؤشّر الإشارات أو مؤشّر الضوء.
وهكذا تُكتسب الأمور بالتدريج، ولا يكون في الأمر صعوبة. فعلينا أن لا ننظر إلى هذه المسائل على أنها صعبة أو كثيرة، ولكنها بمرور الوقت تتمّ بطريقة آلية، وتصبح كأنها جزء من الطبيعة العقلية للباحث؛ وهذا أمر مجرَّب ومعروف، وقد تعلّمه وأتقنه عشرات الآلاف من الباحثين، بل مئات الآلاف من الباحثين في كلّ مكان من العالَم.
ونحن -إن شاء الله- بمعرفة هذه الخطوات، وبالتدرب عليها، سنكتسب هذه المهارات، ويكون الأمر علينا يسيرًا وسهلًا عندما نُكلَّف بإجراء البحوث العلْمية في أي مستوًى من مستوياتها.