مكونات عملية التدريس
أجمعت الكتابات والأدبيات ذات الصلة بالمجال، أن لعملية التدريس وأن لحدوث التعلم عدة مكونات، ومكونات عملية التدريس أربعة، تتمثل في تساؤلات أربعة ينبغي أن نجيب عليها، قبل أن نقوم بالتنفيذ لعملية التدريس، والتخطيط، والإعداد لها، وهي: لماذا نعلم؟ وماذا نعلم؟ وكيف نعلم؟ وما مدى ما تحقق من تعلم؟ كما أن هناك مكونات لعملية التدريس، من وجهة نظر خبراء التربية وعلم النفس، حيث يرى “جانييه” أن أي موقف تدريسي، لا بد أن يشمل على عناصر أساسية، لضمان حدوث عملية التعلم، وهذه العناصر الأساسية تمثل إجراءات تعليمية، يقوم بها المعلم داخل الفصل الدراسي، وتشمل تلك العناصر ما يلي:
العنصر الأول: جذب الانتباه؛ أي لفت نظر التلاميذ للدرس، وكذلك لفت نظر التلاميذ للمعلم، و حث التلميذ على الاهتمام والإنصات والتفاعل، والمشاركة في عملية الشرح والإجابة عن الأسئلة، وقد يتم عرض مجموعة من المثيرات السمعية والبصرية الثابتة والمتحركة، أو قد يستخدم المتعلم الإيحاءات والإشارات والتلميحات، من خلال التمثيل أو عروض الفيديو، وعروض التلفزيون، أو سرد عدد من القصص أو الأشياء، التي تؤدي إلى جذب انتباه التلاميذ وتشويقهم. ويشمل جذب الانتباه ما يلي:
أ. إعلام التلاميذ بهدف الدرس: فمن الملائم أن يتم تهيئة التلميذ للدرس، حتى يستطيع أن يتعلم تعلما جيدا، ومن الملائم أن يخبر المعلم تلاميذه بصورة تقريرية، بموضوع الدرس وأهدافه من خلال مقدمة شاملة، تشعر التلميذ بقيمة التعليم وبأهمية موضوع الدرس، ومراحل الدرس التي يتم من خلاله، اكتساب أهداف معينة، سواء أكانت معرفية، أو مهارية، أو وجدانية.
ب. الخبرات السابقة للمتعلمين: والتي تشكل الأساس الذي يبني عليه المعلم درسه، ويتعرف المعلم على خبرات التلاميذ السابقة، من خلال المناقشة أو الاختبار أو المقابلة، وبما يمكن من ربطها بالتعلم الجديد، فمن الأهمية بمكان ربط التعلم القديم بالتعلم الجديد، الذي يقوم المتعلم بعرضه داخل الحصة أو داخل الفصل الدراسي.
والعنصر الثاني من مكونات عملية التدريس من وجهة نظر “جانييه“: هو عرض محتوى الخبرة وشرحها؛ وذلك باستخدام الألفاظ والرموز، والصور، والأشكال، والخرائط، والأجهزة التكنولوجية التفاعلية، وإجراء التجارب والعروض العملية، إلى غير ذلك من الأسباب، ومن الأساليب والوسائل والمعينات التي تساعد المعلم داخل الفصل الدراسي، على تيسير وتسيير عمليات التعلم وإحداثها.
والمكون الثالث: هو تزويد التلاميذ بالإرشادات المناسبة: حيث تعمل هذه الإرشادات كموجهات للسلوك التعليمي، وبما يساعد التلميذ على تحقيق الأهداف، وقد يكون ذلك من خلال تجسيد المفاهيم المجردة، أو توضيح الأفكار الغامضة، أو تبسيط المهارات، أو حلول المشكلات، وتأخذ الإرشادات أشكالًا مختلفة، مثل: إعطاء التعليمات، أو الجداول، أو الأشكال.
أما المكون الرابع: استدعاء أداء التلاميذ وخبرتهم، حيث يعمل المعلم على استعادة واستدعاء خبرات المتعلمين، من خلال الحوار والمناقشة أو حل المسائل الرياضية، أو تفسير ظاهرة طبيعية، أو الأعمال التي تحدث وتؤثر في خبرة التلاميذ أو المتعلمين. والمكون الخامس: هو تزويد المتعلم بالتغذية الراجعة؛ وذلك من خلال إعلام المتعلم بنتيجة أدائه، بعد أن يكون قد تعرض لاختبارات يومية، وشهرية، وفصلية، ويتعرف التلاميذ من خلال إخبارهم بنتائج تنص على مواطن القوة، ومواطن الضعف في أدائهم، مما يساهم في العمل على تلافي هذه الأخطاء، وتؤدي أو تعطي التغذية الراجعة إلى حدوث مؤشرات، توجه أداء التلاميذ لاحقا، ويؤثر هذا في النهاية على تحقيق الجودة والكفاءة بالنسبة للعملية التعليمية ومخرجاتها، والتي يعد من بينها: مدى أو جودة ومستوى التلميذ أو المتعلم.
المكون السادس: هو تقويم أداءات المتعلمين؛ ويتم ذلك من خلال الحكم على مدى تحقق الأهداف المرغوبة، ومدى نجاح المعلم وعملية التدريس، في مساعدة التلاميذ على التعلم، ومن أبرز ما يستخدم في تقويم أداءات المتعلمين الآن ما يسمى: ملفات الأداء، أو ملفات الإنجاز، أو ملفات التقويم، أو سجلات الأداء، ويطلق عليها مصطلح:port value.
والمكون السابع والأخير من وجهة نظر “جانييه” هو التطبيق العملي: فمن خلال تجسيد ما تم تعلمه من خبرات، بصورة وظيفية واقعية، ينبغي تجسيد عملية التعلم، وتطبيق المتعلم لما قام بتعلمه في الواقع العملي، فمثلًا: في حصة العلوم، يمكن للمتعلم أن يقوم بإجراء تجربة كيميائية داخل المعمل، من خلال ما درسه في الجانب النظري، وغيرها من المقررات، أيضًا يمكن للمتعلم عندما يتعرف داخل الحصة النظرية على مكونات كائن ما، أو على الأجهزة الدقيقة داخل جسم الإنسان، أن يرسم صورة واضحة يبين عليها أجهزة الجسم المختلفة، ووظيفة كل جهاز منها، أو يقوم المتعلم بعملية تشريح مثلًا، إلى غير ذلك من المهارات العملية، التي ينبغي أن يقوم المتعلم بتجسيدها، وتطبيقها في الواقع العملي.
ويمكن أن نصنف طرق التدريس إلى عدة طرق؛ فطرق التدريس تقوم على أساس الأدوات والأجهزة، مثل: طريقة استخدام الكتاب المدرسي، والمعمل، والأجهزة التعليمية المختلفة، وهناك طرق تدريس تقوم على الأسلوب المتبع فيها في تناول الحقائق، مثل: الطريقة اللفظية، والتمثيل البياني، والطرق الاستقرائية، والطرق القياسية. وهناك طرق تدريس تقوم على أساس تنظيم مادة الدرس، مثل: التنظيم الزمني، والتنظيم السيكولوجي، والتنظيم المنطقي. وهناك طرق تقوم على أساس الغرض من التدريس، مثل: طرق التدريب والتمرين والتفكير. وهناك طرق تقوم على أساس غرض التعلم، مثل: طريقة حل المشكلات، وطريقة المشروعات. وهناك طرق تقوم على التعلم والعلاقة المتبادلة بين التلاميذ، مثل: طرق التعلم الفردي، وطرق التعلم التعاوني، وطرق اللجان.
كما أن هناك طرقًا للتدريس تقوم على أساس درجة مشاركة المتعلم في العملية التربوية، مثل: المشاركة المنظمة، والتسميع الجمعي. وهناك طرق تقوم على استقلالية الفكر، مثل: الطرق التسلطية، وطرق الاستنتاجات الأولية، والطرق التجريبية. وهناك طرق تقوم على أساس الأسلوب المتبع في المراجعة والفحص، مثل: التسميع الشفوي وطرق التقارير المكتوبة، وطرق الاختبارات المكتوبة. وهناك طرق تعتمد على أساس الحواس الخارجية، سواء كانت حاسة سمعية، أو بصرية، أو كذلك الحواس التي تعتمد على الحركة. وهناك طرق تعتمد على التفكير العام، مثل: الطرق الحسية العقلية، والطرق التركيبية، والطرق التحليلية. وهناك طرق قديمة، مثل: الإلقاء، والحوار والمناقشة، والتسميع. وهناك طرق ملاحظة: كالملاحظة المباشرة، والملاحظة غير المباشرة. وهناك طرق حديثة، مثل: التعيينات، والمشكلات، والمشروعات، والوحدات، وأسلوب النظم.
ولقد نسمع أحيانًا مصطلحات عديدة، حول عملية التعليم والتعلم وكذلك التدريس، فأحيانا نقول: طرق التدريس، وأحيانًا نسمع فقط: استراتيجيات التدريس. ويقصد بالاستراتيجية بصفة عامة: فن استخدام الإمكانات والوسائل المتاحة بطريقة مثلى، تحقق الأهداف المرجوة على أفضل وجه ممكن، ويرى البعض أن استراتيجية التدريس: مجموعة تحركات المعلم، التي تحدث بشكل منتظم ومتسلسل داخل الصف. وإذا كان الهدف من وراء العمل التعليمي، إحداث تغيير في معارف التلاميذ واتجاهاتهم، ومعتقداتهم، ومهاراتهم؛ فإن هذا يعني أننا ندرس من أجل أن نحقق ما يلي: أن يعرف التلميذ أكثر مما كان يعرف سابقا، وأن يعرف شيئا لم يكن يفهمه من قبل، وأن يشعر التلميذ بطريقة ما حول موضوع لم يكن يشعر به في السابق، وأن يتكون لدى التلميذ إحساس بالتقدير والإعجاب لم يكن لديه سابقا، أو أن يتم تنمية مهارة لم تكن موجودة لدى التلميذ فيما سبق. وهناك أنواع متعددة من طرق التدريس، لعل من أشهر هذه الأنواع، الأنواع التالية:
طريقة المحاضرة، وطريقة المناقشة، وطريقة التعليم المبرمج. أما طريقة المحاضرة: وهي أن يعرض المدرس المعلومات والحقائق الخاصة بالموضوع عرضا شفويا مستمرا في الغالب، ودون أن يتوقف لمناقشة أو تساؤل حتى ينتهي من محاضرته. ومحور هذه الطريقة: هو المعلم، ويقتصر دور الطلاب على الاستماع، والتلقي، والتلقين فقط. ولعل هذه الطريقة هي الشائعة في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية، ومن الصفات التي تجعل طريقة المحاضرة طريقة جيدة للتعليم:التأني في الإلقاء. تقسيم الموضوع إلى عناصر متميزة. وكتابة هذه العناصر على السبورة. والإعداد الجيد والتنظيم الجيد لها. والسماح للطلاب بالمناقشة والاستيضاح، بعد الانتهاء من كل عنصر وقبل الدخول في العنصر الذي يليه. وكذلك استخدام وسائل الإيضاح المناسبة. وأن يفحص المحاضر من وقت لآخر، درجة انتباه الطلاب، ومتابعتهم عن طريق الأسئلة. وأن يتقيد ويلتزم المحاضر بالوقت المخصص للمحاضرة.
ولهذه الطريقة مميزات وعيوب، من مميزاتها: أنها توفر الوقت، ويستطيع المحاضر أن يلقي المحاضرة، ويكون ويعطي فيها معلومات وحقائق أكثر من الطرق الأخرى، أما من عيوبها: هي قلة مشاركة الطلاب للمعلم الذي يحاضر. والطريقة الثانية وهي: طريقة المناقشة؛ وتعتبر المناقشة واحدة من طرق الشرح، كما أنها تستخدم كطريقة لمراجعة المادة، يشترك فيها كافة الحضور، وتمتاز بما يلي: أنها طريقة تدريس تحث الطلاب على التفكير، وتعمل على ترتيب فهم المادة، كما أنها تساعد الطلاب على التفكير المنطقي والتقييم، وعلى تجويد وتطبيق ما تعلموه، كما أنها تساعد الطلاب على المقارنة بين ما يتعلمونه في الفصل الدراسي، وبين ما يرونه في المعمل أو عند التطبيق العملي، كما أنها تنمي قدرات الطلاب على الدراسة المستقلة، والثقة بالنفس.
وهناك بعض القواعد التي ينبغي مراعاتها في طريقة المناقشة، ومنها على سبيل المثال: يجب أن يدير هذه المناقشة بين الطلاب المعلم بنفسه، كما يجب على المعلم أن يعطي كل طالب الفرصة المناسبة للنقاش. ولهذه الطريقة عيوب: أنها تحتاج إلى مدرس أو معلم، يمتلك المهارات اللازمة لإدارة النقاش، وتحتاج إلى وقت أكثر من الطرق الأخرى. أما طريقة التعليم المبرمج، و هو تعليم بالآلة، التي تُزوَّد بكم هائل من المعلومات والموضوعات بعد أن تبرمج، كالحاسب الآلي مثلا، أو الأجهزة قارئة الكتب الإلكترونية، أو غيرها من المستحدثات التكنولوجية، ومعنى برمجة المعلومات: أن يقسم المنهج، إلى عدة موضوعات مناسبة في حجمها أو إلى عدة أجزاء، ثم يلي كل موضوع عدة أسئلة مختلفة المستوى، ومتنوعة وشاملة لكل الموضوع، بحيث إذا أجاب الطالب عنها إجابة صحيحة، كان ذلك مؤشرا لمدى استيعابه لهذا الموضوع.
ولا تسمح الآلة التكنولوجية للطالب -ولا البرنامج التكنولوجي- بالانتقال من سؤال إلى آخر، حتى تكون إجابته صحيحة بالنسبة للسؤال الذي قبله. ومما يلاحظ على طريقة التعليم المبرمج: أن الآلة قد حلت محل المعلم في عرض المعلومات، التي يطلب من الطالب أن يتعلمها وأن يفهمها، كما حلت الآلة محل المعلم في تقييم وتحصيل الطالب، وقد تغير دور المعلم في ذلك، فأصبح من مجرد محور العملية التعليمية، إلى مجرد ميسر أو مسهل أو مستشار أو خبير، كما أصبح التعليمتعليما ذاتيا أو تعلما ذاتيا؛ لأن التلميذ يعلم نفسه بنفسه.