مميزات وعيوب طريقة التبويب الفقهي
هذه الطريقة -طريقة التخريج عن الطريقة الفقهية عن طريق النظر في الحديث، ثم البحث في موضوع فقهي في كتب الحديث- لها مميزات ولها عيوب، تمتاز هذه الطريقة بما يلي:
1. أنها لا تحتاج إلى مفاتيح من الكتب، تعين الباحث في الوصول إلى حديثه، بل يكفي الحديث فقط، بدون شيء زائد من كتب المفاتيح، ولكن لا بُدّ أن يكون عند الباحث حاسّة فقهية، من خلالها يعرف أين يوجد ذلك الحديث في بابه الفقهي.
2. أنها توفر على الباحث وقت بحثه في المفاتيح لمعرفة موطن حديثه، وكذلك توفر عليه جهدًا كبيرًا في البحث في المفاتيح.
3. هذه الطريقة تربّي في الباحث ملكة فقه الحديث؛ إذ عندما يعمل بهذه الطريقة كثيرًا، يتولّد عنده فكر، وهو أنه يعرف أين يوجد هذا الحديث، وأين يكون موضوعه في الفقه.
4. هذه طريقة توقف الباحث على حديثه والأحاديث التي في موضوعه، وهذا يساعد على التدقيق في المسألة، ويترك عند الباحث علمًا غزيرًا، وكمًّا كبيرًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالموضوع الواحد.
لكن لها عيوب، هذه الطريقة من أهم عيوبها:
1. أن معنى الحديث قد لا يصل إليه الباحث، فليس كل باحث عنده الذوق الفقهي، الذي يوصّله إلى تحديد موضوع الحديث؛ لذا فلا يمكنه تخريج حديثه إلّا إذا كان ذكيًّا وفقيهًا وعنده ملكة فقهية.
2. إنّ رأي الباحث في الموضوع قد لا يتّفق مع مؤلف المرجع الحديثي، الذي يريد تخريج الحديث منه، فلا بد أن يتفق الباحث مع المؤلف في الذوق الفقهي في وضع الحديث في بابه الفقهي، وهذا عيب ليس من الممكن أن يتوافر كثيرًا، ولكن بممارسة وبدراسة كتب السنة، يتولد عند الباحث ملكة من خلالها يعرف منهج مؤلفي كتب السنة في تبويبها وترتيبها، وبذلك يتغلّب على هذين العيبين في هذه الطريقة من طرق تخريج الحديث النبوي الشريف.
المؤلفات في هذه الطريقة:
أكثر المؤلفات الحديثية مؤلّفة في هذه الطريقة؛ إذ أن أغلب كتب الحديث بل معظمها- مؤلّف على طريقة التبويب الفقهي، وهذه الكتب المبوّبة متنوعة، فكل مجموعة من الكتب تندرج تحت تخصص معين من فروع المعرفة، فمنها:
– كتب تخريج أحاديث عامة، مثل كتاب (كنز العمال).
– وكتاب تخريج أحاديث كتب معينة مثل كتاب (مفتاح كنوز السنة) -وسيأتي التعريف به إن شاء الله- وكذلك كتاب (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار) وهذا الكتاب سبق التعريف به.
– هناك كتب متخصّصة في تخريج أحاديث كتب الفقه، بل منها ما يتعلّق بالمذاهب، أي: بتخريج أحاديث تتعلق بمذهب معين، مثل كتاب (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية) وهو في الفقه الحنفي -وقد سبق التعريف به- وكتاب (التلخيص الحبير) وهو في تخريج أحاديث في الفقه الشافعي -وقد سبق التعريف به-.
– هناك كتب متخصصة في تخريج أحاديث الأحكام مثل (منتقى الأخبار من حديث سيد الأخيار) لمجدّد الدين بن تيمية، وكتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) لابن حجر العسقلاني، و(تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد) للحافظ العراقي.
– هناك كتب متخصصة في تخريج أحاديث الترغيب والترهيب، مثل كتاب (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري، وكتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيثمي، وهناك كتب متخصصة في تخريج الأحاديث الواردة في كتب التفسير، مثل (الأحاديث التي جاءت في الدر المنثور في التفسير بالمأثور) للسيوطي، وكتاب (فتح القدير في فن الرواية والدراية من علم التفسير) للإمام الشوكاني، وكتاب (تفسير القرآن العظيم) للإمام ابن كثير؛ إذ يأتي بالحديث ويخرّجه، وكتاب (الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) للحافظ ابن حجر العسقلاني.
– وهناك كتب متخصصة في تخريج أحاديث السيرة والشمائل مثل: (الخصائص الكبرى) للسيوطي، و(مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا) للسيوطي، و(سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن كثير)، والكتاب الفخم العظيم الضخم (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد) للشامي.
– وهناك كتب متخصصة في الأحاديث المتواترة مثل (الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة) للإمام السيوطي -وسنعرّف بهذا الكتاب إن شاء الله-.
– وهناك كتب متخصصة في الأحاديث القدسية، ومنها كتاب (الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية) للشيخ عبد الرءوف المناوي، وكتاب (الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية) للشيخ المدني، وكتاب (الأحاديث القدسية) جَمْع لجنة من علماء الأزهر.
جاء في أثناء كلامنا كلمة (الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية)، فلا بُدّ أن نعرف الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي:
الحديث القدسي: هو منسوب إلى القدس، إلى الذات العلية، والحديث النبوي منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي هو النسبة فقط، فما يتعلق بالشرع من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله من عند الله سواء كان قدسيًّا أو نبويًّا، قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]، لكن الأحاديث النبوية تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلها مواعظ وتشريعات، أمّا الأحاديث القدسية فمعظمها مواعظ فقط.
هناك فرق بين الحديث القدسي والقرآن، فالحديث القدسي: اللفظ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أما القرآن فاللفظ والمعنى من الله سبحانه وتعالى هذا هو الفرق، القرآن باللفظ والمعنى من عند الله، أمّا الأحاديث القدسية فالمعنى من عند الله، والألفاظ من عند النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هي مجرد النسبة فقط يُنسب إلى الذات العلية فيقال: قدسي، وما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال عنه: إنه حديث نبوي.
كما جاء في أثناء كلامي كلمة (المتواتر)، فما هو المتواتر؟ وما هو الآحاد؟
الحديث المتواتر: مأخوذ من اللغة من التواتر، أي: التتابع، من تواتر نزول المطر أي: تتابع نزوله، وفي الاصطلاح: الحديث المتواتر ما يرويه جمع عن جمع عن جمع، تحيل العادة تواطؤهم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقسم إلى قسمين:
متواتر لفظي: مثل حديث: ((مَن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)).
ومتواتر معنوي مثل قضية “رفع اليدين في الدعاء”، فلقد تواترت القضية ولم تتواتر في حديث خاص بعينه.
أمّا الآحاد: فهو ما يرويه واحد فأكثر ولا يصل إلى حدِّ التواتر، يرويه واحد فيكون غريبًا، يرويه اثنان فيكون عزيزًا، يرويه ثلاثة يكون مشهورًا، يرويه أكثر من ثلاثة أربعة مثلًا ولا يصل إلى حدِّ التواتر فيكون مستفيضًا، وهذه الأنواع الأربعة: الغريب والعزيز والمشهور والمستفيض، من أنواع حديث الآحاد.
كتاب (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة):
المؤلف الإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي.
وصف الكتاب:
جمع السيوطي الأحاديث التي توفّرت فيها شروط التواتر، ثم قام السيوطي بتركيب الأحاديث في هذا الكتاب على ترتيب الأبواب الفقهية، وأطلق على الكتاب اسم (الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة)، ثم اختصر الكتاب فحذف أسانيدَه، وذكر رواةَ الحديث من الصحابة، وذيّله بذكر مَن أخرجه من الأئمة، وسَمَّى هذا المختصر (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة)، وصل عدد أحاديث هذا الكتاب إلى مائة وثلاثة عشر حديثًا.
كيفية التخريج من هذا الكتاب:
على الباحث أن يعرف موضوع حديثه الفقهي، ثم يذهب إلى هذا الكتاب، فيقرأ الباب الفقهي الذي يُتوقّع أن يندرج الحديث المراد تخريجه تحته، فإذا عثر عليه فليرجِعْ إلى كتب السنة التي يشير إليها هذا الكتاب.
طبعات هذا الكتاب:
ظلّ هذا الكتاب محبوسًا في المكتبات، مخطوطًا لا يرجع إليه إلّا القليل، حتى يسر الله تعالى للقائمين على مجلة الأزهر الشريف بإعداد الكتاب ونشره، ووزِّع هدية لمجلة الأزهر الشريف مع عدد صفر سنة 1409 هجرية، وقدّم له وأتمّ ما رمز له من أحاديث، وما اختصر فيه فضيلة الشيخ أحمد حسن جابر رجب -جزاه الله خيرًا.
هذه الطريقة -طريقة الأبواب الفقهية- قلت لكم: إنها تعتمد على الكتب الستة: (الصحيحين) و(سنن أبي داود) و(سنن الترمذي) و(سنن النسائي) و(سنن ابن ماجه)، كما أنها تعتمد على (موطأ الإمام مالك)، و(مستدرك الحاكم)، و(سنن سعيد بن منصور)، و(سنن الدارمي)، و(سنن الدارقطني)، و(سنن البيهقي)، و(شرح السنة) للبغوي، و(جامع الأصول) لابن الأثير، و(صحيح ابن خزيمة)، و(صحيح ابن حبان)، و(مصنف عبد الرزاق)، و(مصنف ابن أبي شيبة)، و(مجمع الزوائد) للهيثمي، و(إتحاف الخيرة المهرة) للبوصيري، وكتاب (المطالب العالية) لابن حجر العسقلاني، وكتاب (كَنز العمال) للمتقي الهندي، وكتب كثيرة ألّفت بهذه الطريقة.