Top
Image Alt

مناقشة تعريف الخطابي للحديث الحسن

  /  مناقشة تعريف الخطابي للحديث الحسن

مناقشة تعريف الخطابي للحديث الحسن

قال الخطَّابيُّ في تعريفه:

هو: ما عُرف مَخرجُه، واشتهر رجالُه؛ وعليه مدار أكثر الحديث، ويقبله أكثرُ العلماء، واستعمله عامَّةُ الفقهاء.

قال السُّيوطي: للنَّاس في تعريف الحَسن عباراتٌ، منها: هذا الَّذي قلناه، وهو قول الخطابي: هو ما عُرف مَخرجه، واشتهر رجالُه. فأخرجَ بهذا الكلامِ: المنقطعَ؛ فإنَّه لا يُعرف مخرجُه، وحديثَ المدلِّس قبل بيانه، يعني: قبل أن يُصرِّح بالسَّماع إن كان له سماعٌ من شيخه.

قال ابن دقيق العيد: وهذا الحدُّ صادقٌ على الصَّحيح أيضًا، فيدخل في حدِّ الحسن.

وكذا قال ابن الصلاح في علومه أو في مقدِّمته، وصاحبُ المنهل الروي، وهو ابن جماعة.

وأجاب التبَّريزيُّ بأنه سيأتي أنَّ الصحيح أخصُّ منه، ودخول الخاصِّ في حد العامِّ ضروريٌّ، والتقييد بما يُخرجه أو بما يُخرج الخاص مُخِلٌّ للحد.

وقال التَّبريزيُّ في شرح تعريف الخطابي: قولُه: ما عُرف مخرجُه: احترازٌ عن المنقطع الذي لم يُعرف مخرجه.

وقوله: واشتُهر رجالُه: احترازٌ عن حديث المدلِّس، قبل أن يتبيَّن تدليسُه.

أمَّا الطَّيبي في (الخلاصة) وهو كتاب مطبوع، قال: قوله: واشتهر رجاله أي: بالصِّدق.

وقال الزَّركشي في (النُّكت على ابن الصلاح): المراد بـالاشتهار: السَّلامة من وصمة التَّكذيب. وقيل: إنَّ عبارة الخطَّابي ليست ما اشتُهر رجاله وإنما عبارته: واستقر حالُه؛ كذا ذكر ابن رشيد أنه رآه بخطِّ الحافظ أبي عليٍّ الجياني، وردَّه الحافظ أبو الفضل العراقي، لأنَّ الموجود في النسخ الصَّحيحة من معالم السُّنن ما نُقل عنه أولًا: واشتهر رجاله، قال: وليس للثَّاني كبيرُ معنىً.

قال ابنُ دقيق العيد:

ليس في عبارة الخطَّابي كبيرُ تلخيص. قال ذلك في الاقتراح، وأيضًا فالصَّحيح قد عُرف مخرجه واشتهر رجاله؛ فيدخل الصَّحيحُ في حدِّ الحَسن، قال: وكأنه يُريد ممَّا لم يبلغ درجة الصَّحيح.

وهذا صحيحٌ من ابن دقيق العيد، لأنَّ الخطَّابي إذا كان يتكلَّم على أقسام الحديث، وذكر الصحيح وحدََّه، فعندما يذكر حدَّ الحسن، فكأنَّه يُريدُ بهذا الحدِّ: ممَّا لم يبلغ درجة الصَّحيح، باعتبار أنه قسمٌ آخرُ من أقسام الحديث.

وقد سبق أن ذكرنا قول التَّبريزيِّ: أنَّ الصَّحيح أخصُّ من الحسن، ودخول الخاص في الحدِّ العامِّ ضروريٌّ، والتقييد بما يخرجه عنه مخلٌّ بالحدِّ، يعني: لا ينبغي أن نُقيّد عبارة الخطابي، ونقول: إنَّ هذا مما لم يبلغ درجة الصَّحيح فيخرج الصَّحيح من حدِّ الحسن؛ بل هو داخلٌ فيه باعتبار أنَّ الحسن عامٌّ يشمل الصَّحيح والضعيف.

وقال الحافظ أبو الفضل ابن حجر متعقِّبًا عليه: بين الصَّحيح والحسن خصوصٌ وعمومٌ من وجه.

يعني: كلٌّ منهما يدخل مع الآخر في جهة، وكلٌّ منهما يفترق عن الآخر في جهة، وليس كلُّ صحيحٍ حسنًا، ولا كلُّ حسنٍ صحيحًا.

قال ابن حجر: وذلك بيِّن واضح لمن تدبَّره؛ فلا يردُّ اعتراضُ التَّبريزيِّ، إذ لا يلزم من كون الصحيح أخصَّ من الحسن من وجه، أن يكون أخصَّ منه مطلقًا، حتى يدخل الصَّحيح في الحسن.

وقال الحافظ صلاح الدِّين العلائيِّ:

إنَّما يتوجَّه الاعتراض على الخطَّابي، أن لو كان عرَّف الحسن فقط، أمَّا وقد عرَّف الصحيح أولًا، ثم عرَّف الحسن، فيتعيَّن حمْل كلامه على أنَّه أراد بقوله: ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله ما لم يبلغ درجة الصحيح. ويُعرف هذا من مجموع كلامه.

قال الحافظ ابن حجر:

وعلى تقدير تسليم هذا الجواب الذي أجاب به صلاح الدين العلائي، وبيَّنَ أن الصحيح خارجٌ عن هذا الحد، فهذا القدر غير منضبط، كما أنَّ القربَ الذي في كلام ابن الجوزي الآتي، غيرُ منضبط.

قال ابن الجوزي، في تعريف الحسن:هو الَّذي فيه ضعفٌ قريبٌ محتمل.

يقول ابن حجر:  إنَّ تعريفَ الخطَّابي غيرُ منضبط، كما أنَّ القُربَ الَّذي في كلام ابن الجوزيِّ عندما قال: ضعفٌ قريبٌ محتمَلٌ، غيرُ منضبط. فصحَّ ما قال ابنُ دقيق العيد أنه على غير صناعة الحدود والتَّعريفات، أي: لم يُعرِّف الحسن تعريفًا دقيقًا.

قال ابنُ جماعة: يَردُ على هذا الحدِّ: ضعيفٌ عُرف مخرجه بالضَّعف، لأنَّ الخطابي قال: عرف مخرجه فقط.

وأجاب الطَّيبيُّ بأنَّ مراد الخطابي: أنَّ رجاله مشهورون عند أرباب هذه الصناعة بالصدق، يعني اشتهر رجاله بالصدق وبنقل الحديث ومعرفة أنواعه، لأن إطلاق الشهرة في عُرفهم دل على خلاف ما فهم من الضعيف.

خلاصة ما قيل في تعريف الخطابي:

أولًا: معنى ما عُرف مخرجه يعني ليس فيه انقطاع. واشتهر رجاله يعني: كما هو في عُرف المحدِّثين، يعني: اشتهروا بالصدق وبنقل الحديث، يعني: بطلب الحديث ومعرفة أنواعه، لأن إطلاق الشهرة في عُرفهم دلَّ على خلاف ما فُهم من الرَّاوي الضَّعيف.

وما يردُ على تعريف الخطابي قد أجاب عليه العلماء، أو على أقلِّ تقدير: هو مختلف فيه، وسيخلص لنا حدُّ الحسن فيما بعد، حينما نستعرض تعريفه عند الترمذي وغيره.

لكنَّ الذي ينبغي أن نقوله: إنَّ الخطَّابي بالسِّياق الذي ذكر فيه تعريف الحَسن، وأنه ذكره في معرض تقسيم الصَّحيح والحسن والضَّعيف، يجعلنا نقول: إنه يُريد بالحسن شيئًا آخر غير الصَّحيح وغير الضعيف.

وينبغي أن نفهم تعريفه على هذا النَّحو، وعلى أنَّه إذا كان التَّعريف يُمكن أن يدخل فيه حدُّ الصَّحيح، إلا أنه وهو يريد بالحسن شيئًا آخر غير الصحيح، ينبغي أن يُحمل كلامُه على حدٍّ للحسن يُميِّزه من الصَّحيح، ويُميِّزه من الضَّعيف. والله تعالى أعلم.

error: النص محمي !!