مناهج المحدثين في باقي أقطار الإسلام
وممن جمع الحديث بمكة: عمرو بن دينار؛ سمع من ابن عباس وابن عمر وجابر وأنسٍ وغيرهم، وحدث عنه قتادة والزهري وغيرهما ممن معهم أو بعدهم، قال لسفيان بن عيينة: مثلك حفظت العلم –أي: حفظه صغيرًا كما حفظه سفيان بن عيينة صغيرًا، وقصته في ذلك مشهورة.
وقيل لمسعر: من رأيت أشد تثبتًا في الحديث ممن رأيت؟ قال: ما رأيت مثل القاسم بن عبد الرحمن وعمرو بن دينار، وكان شعبة لا يقدم عليه أحدًا، ويقول: جلست إلى عمرو بن دينار خمسمائة مجلس؛ فما حفظت منه سوى مائة حديث، في كل خمسة مجالس حديثًا.
وكان ابن عيينة يقول: سمعت من عمرو ما لبث نوح في قومه -يريد ألفًا إلا خمسين حديثًا.
وقال ابن عيينة: كان عمرو إذا بدأ بالحديث جاء به صحيحًا مستقيمًا، وإذا سئل عن حديث استلقى وقال: بطني، بطني –أي: لا يحب أن يروي الحديث بناء على الطلب منه؛ ولكن يحب أن يحدث في انشراحه ومن غير طلبٍ منه.
وقال ابن عيينة أيضًا: ما كان عندنا أحدٌ أفقه من عمرو بن دينار, ولا أعلم ولا أحفظ منه –أي: بمكة- وقال ابن أبي نجيح: ما رأيت أحدًا قط أفقه من عمرو بن دينار؛ لا عطاء ولا مجاهدًا ولا طاوسًا, ولم يكن بأرضنا أعلم من عمرو بن دينار ولا في جميع الأرض، وقيل لإياس بن معاوية: أي أهل مكة رأيت أفقه؟ قال: أسوؤهم خلقًا –أي: الشديد في معاملته لمن يريد تحصيل الحديث منه- عمرو بن دينار، الذي إذا سألته عن حديث يقلع عينه –أي: لا يخرج منه إلا بمشقة شديدة وصعوبة.
وقال شعبة: ما رأيت في الحديث أثبت من عمرو بن دينار، وقال ابن عيينة: كان يحدث بالمعنى وكان فقيهًا، ما كان أثبته، وقيل: إنه إذا جاءه رجل يريد أن يتعلم منه لم يحدثه، وإن جاءه زائرًا مازحه وحدثه وانبسط إليه.