Top
Image Alt

منهج المفسرين بالرأي

  /  منهج المفسرين بالرأي

منهج المفسرين بالرأي

1. معنى التفسير بالرأي:

والمقصود به: تفسير القرآن بالاجتهاد بعد أن يَعرف المفسرُ كلامَ العربِ، ومناحيهم في القول، ومعرفته بالألفاظ العربية ووجوه دلالتها، واستعانته في ذلك بالشعر الجاهلي، ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، وغير ذلك مما يحتاج إليه المفسر.

2. مصادر التفسير بالرأي:

أولًا: الرجوع إلى القرآن نفسه، بالنظر فيه نظرة الفاحصٍ المدقِّقٍ، وأن يجمع الآيات في موضع واحد، ثم يُقارن بعضها ببعضها الآخر.

ثانيًا: النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الاحتراز عن الضعيف والموضوع.

ثالثًا: الأخذ بما صحَّ عن الصحابة في التفسير، وأن لا يغترّ بكل ما يُنسب لهم من ذلك؛ لأن في التفسير كثيرًا مما وضع على الصحابة كذبًا، واختلاقًا؛ فإن وقع على قول صحيح لصحابي في التفسير، فليس له أن يهجرَه، ويقولَ برأيه؛ لأنه أعلم بكتاب الله سبحانه وتعالى.

رابعًا: الأخذ بمطلق اللغة؛ لنزول القرآن بلسان عربي مبين.

خامسًا: التفسير بالمقتضى من معنى الكلام، والمقتضى من قوة الشرع، وهذا ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس؛ حيث قال: ((اللهم فَقِّهه في الدين وعلمه التأويل))، والذي عنَاه عليّ رضي الله عنه بقوله: حين سُئل: هل عندكم عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم شيء بعد القرآن، فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فَهم يؤتيه الله عز وجل رجلًا في القرآن.

3. أهم كتب التفسير بالرأي:

أ. (مفاتيح الغيب)، للرازي:

 اهتم الرازي في تفسيره ببيان المناسبات لبعض آيات القرآن وسوره، واهتم بالعلوم الرياضية والفلسفية، وهو سُني يرى ما يراه أهل السنة؛ ولذلك لا يدع فرصة تمرّ دون أن يعرض لمذهب المعتزلة بذكر أقوالهم، والرّدّ عليه ردًّا لا يراه البعض كافيًا.

كذلك لا يكاد يمر بآية من آيات الأحكام، إلا ويذكر مذاهب الفقهاء ويروج لمذهب الشافعي، الذي يقلّده بالأدلة والبراهين.

ويستطرد كذلك لذكر المسائل الأصولية، والمسائل النحوية، والبلاغية، وإن كان لا يتوسع في ذلك، توسعه في مسائل العلوم الكونية، والرياضية.

وكان مولعًا بكثرة الاستنباطات والاستطرادات في تفسيره، والذي يقرأ مقدمة تفسيره لا يسعه إلا أن يحكم على الفخر هذا الحكم، أي: أنه نقل في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير؛ ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير.

ب. (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، للبيضاوي:

اختصر البيضاوي، تفسيره من (الكشاف)، للزمخشري، ولكنه ترك ما فيه من اعتزالات، وإن كان أحيانًا يذهب إلى ما يذهب إليه صاحب الكشاف، كما وقع فيما وقع فيه صاحب (الكشاف) من ذكره في نهاية كل سورة حديثًا في فضلها، وما لقارئها من الثواب والأجر عند الله، ومعروف أن هذه الأحاديث موضوعة باتفاق أهل الحديث، لكن البيضاوي اغترّ به فرواها، وتابع الزمخشري في ذكرها.

استمدّ البيضاوي تفسيره من التفسير الكبير، المسمى بـ (مفاتيح الغيب)، للرازي، ومن تفسير الراغب الأصفهاني، وضمّ لذلك بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، كما أنه أعمل فيه عقله فضمّنه نكتًا بارعةً، ولطائف رائعة، واستنباطات دقيقة، كل هذا في أسلوب رائع موجز، وعبارة تظهر أحيانًا، وتخفى إلا على ذي بصيرة ثاقبة، وفطنة نيرة، ويهتمّ البيضاوي أحيانا بذكر القراءات، لكنه لا يلتزم المتواتر منها؛ فيذكر الشّاذّ.

كما أنه يعرض للصناعة النحوية، لكن دون توسّع واستفاضة، كما أنه يتعرّض عند آيات الأحكام لبعض المسائل الفقهية، دون توسّع منه في ذلك، وإن ظهر أنه يميل غالبًا لترجيح مذهبه السُّنِّيِّ.

وبالجملة: فإن هذا التفسير اختصر من تفسير (الكشاف)، ولُخص منه.

جـ. تفسير أبي حيان:

تغلبت الصنعة النحوية في تفسير أبي حيان، لكنه مع ذلك لم يُهمل ما عداها من النواحي التي لها اتصال بالتفسير؛ فنراه يتكلّم على المفردات، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات الواردة مع توجهيها، كما أنه لا يغفل الناحية البلاغية في القرآن، ولا يهمل الأحكام الفقهية عندما يمر بآيات الأحكام، مع ذكره لما جاء عن السلف، ومَن تقدمه من الخلف في ذلك.

هذا، وينقل في تفسيره كثيرًا من تفسير الزمخشري، وتفسير ابن عطية، خصوصًا مسائل النحو ووجوه الإعراب، كما أنه يتعقبهما كثيرًا بالرد والتفنيد.

وكثيرًا ما نجده يعتمد في أكثر نقول كتابه هذا -كما يقول- على كتاب (التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير)، من جمع شيخه الصالح جمال الدين المقدسي، المعروف بالنقيب؛ إذ هو أكبر كتاب صنَّفَ في علم التفسير؛ يبلغ في العدد مائة سفر أو يكاد.

ونهاية القول: فإن أبا حيان قد غلبت عليه في تفسيره الناحية النحوية، التي غلبت عليه.

د. (غرائب القرآن ورغائب الفرقان)، للنيسابوري:

يختصر النيسابوريُّ كلامَ الفخرِ الرازي، فهو كثير النقل عن (الكشاف)، فيقول: في (الكشاف) كذا وكذا، أو قال جار الله: كذا، وقد ينقل ما ذكره صاحب (الكشاف)، وما اعترض به عليه الفخر الرازي، ثم يُنصِّبُ نفسَهُ حَكَمًا بين الإمامين، ويُبدي رأيه.

ومنهجه في التفسير، أنه يُبِيِّنُ معاني الآيات بأسلوب بديع، يشتمل على إبراز المقدرات، وإظهار المُضمرات، وتأويل المتشابهات، وتصريح الكنايات، وتحقيق المجاز، والاستعارات، وتفصيل المذاهب الفقهية، مع توجيه أدلة كل مذهب، وما حملت عليه الآية القرآنية؛ لتكون مؤيدة لمذهب من المذاهب، أو غير متعارضة معه، ولا منافية له، فمثلًا عند تفسيره لقوله تعالى: {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوَاْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، إلى آخر الآية؛ يقول: “واعلم أن الكلام في السرقة يتعلق بأطراف المسروق، ونفس السرقة، والسارق”.

ثم يمضي فيتكلم عن هذه النواحي الثلاث من الناحية الفقهية، بتفصيل واسع، وتوجيه للأدلة، وأيضًا يخوض في المسائل الكلامية، فيذكر مذهب أهل السنة، ومذهب غيرهم مع ذكره لأدلة كل مذهب، وينتصر لمذهب أهل السنة، ويؤيّده ويرد على المخالفين في ذلك.

ومن منهجه: الخوض في المسائل الكونية والفلسفية؛ فإذا مرَّ بآية من الآيات الكونية تعرض لها بتفصيل، كما نلاحظ عليه النزعة الصوفية، فبعد انتهائه من تفسير الآية وتأويلها، يتعرّض للتفسيرات الإشارية للآيات القرآنية، التي يفتح الله بها على عقول أهل الحقيقة من المتصوفة.

والحقيقة: أن النيسابوري، ليس في تفسيره ما يدل على تشيّعه، فلم يمل في تفسيره إلا إلى مذهب أهل السنة.

هـ. (تفسير الجلالين)، لجلال الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي:

أولًا: فسّر جلال الدين المحلّي جزأه بعبارة موجزة محرّرة في غاية الحسن، ونهاية الدقة، وتابعه الجلال السيوطي على ذلك، ولم يتوسّع؛ لأنه التزم بأن يتمّ الكتاب على النمط الذي جرى عليه جلال الدين المحلي، كما أوضح هو ذلك في مقدّمته، وذكر في خاتمة سورة “الإسراء” أنه ألّف الجزء الذي ألّفه في قدر ميعاد الكليم، وهو أربعون يومًا، كما ذكر في هذا الموضع نفسه، أنه استفاد في تفسيره من تفسير جلال الدين المحلّي، وأنه اعتمد عليه في الآي المتشابهة، كما أنه اعترف جازمًا بأن الذي وضعه جلال الدين المحلي في قطعته، أحسن مما وضعه هو بطبقات كثيرة.

وهذا التفسير غاية في الاختصار والإيجاز، ومع هذا فالكتاب قيّم في بابه، وهو من أعظم التفاسير انتشارًا، وأكثرها تداولًا ونفعًا.

و. (السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير)، للخطيب الشربيني:

يتميز تفسير (السراج المنير)، للخطيب الشربيني، بسهولة المأخذ، وأنه ممتع العبارة، ليس بالطويل المملّ، ولا بالقصير المخلّ، وقد نقل فيه صاحبه بعض تفسيرات مأثورة عن السّلف.

كما أنه يذكر أحيانًا أقوال من سبقه من المفسرين؛ كالزمخشري، والبيضاوي، والبغوي، وقد يوجّه ما يذكره من هذه الأقوال ويرتضيه، وقد يناقشها ويردّ عليها.

لم يذكر الخطيبَ الشربيني من القراءات إلا ما تَوَاتر منها، وهو يهتمّ بالنكت التفسيرية، ومشكلات القرآن، يقول: فإن قيل كذا أجيب بكذا، كما أنه شديد العناية بذكر المناسبات بين آيات القرآن، ويستطرد إلى ذكر الأحكام الفقهية، ومذاهب العلماء وأدلّتهم، وإن كان مقلًّا؛ فلا يتوسّع ولا يكثر من ذكر الفروع.

ولم يخل تفسير الخطيب من بعض القصص الإسرائيلي الغريب، وذلك دون أن يتعقّبه بالتصحيح، أو التضعيف؛ وهذا لا شكّ عيب.

ز. (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)، لأبي السعود:

ويعتمد صاحبه، على تفسير (الكشاف)، والبيضاوي وغيرهم ممن تقدّمه، غير أنه لم يغترّ بما جاء في (الكشاف) من الاعتزالات؛ ولهذا لم يذكرها إلا على جهة التحذير منها، مع جريانه على مذهب أهل السُّنة في تفسيره، ولكنه قد وقع فيما وقع فيه صاحب (الكشاف)، وصاحب (أنوار التنزيل)، من أنه ذكر في آخر كل سورة حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها، وما لقارئها من الأجر عند الله، مع أن هذه الأحاديث موضوعة باتفاق أهل العلم.

وتفسيره كثير العناية بسبك العبارة وصوغها، مُولع كل الولوع بالناحية البلاغية في القرآن، فهو يهتمّ بأن يكشف عن نواحي القرآن البلاغية، وسرّ إعجازه في لفظه وأسلوبه، وبخاصة في باب الفصل والوصل، والإيجاز والإطناب، والتقديم والتأخير، والاعتراض والتذييل، كما أنه يهتمّ بإبداء المعاني الدقيقة التي تحملها التراكيب القرآنية بين طياتها، مما لا يكاد يظهر إلا لمن أوتي حظًّا وافرًا من المعرفة بدقائق اللغة العربية، ويكاد يكون أبو السعود هو أول المفسرين البارزين في هذه الناحية، كما يهتم بإبداء وجوه المناسبات بين الآيات، ويعرض أحيانًا لذكر القراءات، ولكن بقدر ما يُوضّح به المعنى، ولا يتوسع كما يتوسّع غيره.

وهو مقلّ في سرد الإسرائيليات، غير مُولع بذكرها، وإن ذكرها أحيانًا فإنه لا يذكرها على سبيل الجزم بها والقطع بصحّتها؛ بل يبدأ الراوية، بقوله: روي، أو قيل، مما يشعر بضعفها، وإن كان لا يعقّب عليها بعد ذلك.

وقد تعرض أبو السعود أيضًا في تفسيره لبعض المسائل الفقهية، ولكنه مقلّ جدًّا، ولا يكاد يدخل في المناقشات الفقهية، والأدلّة المذهبية؛ بل يسرد المذاهب في الآية، ولا يزيد على ذلك.

ونلحظ عليه، أنه يعرض أحيانًا للناحية النحوية؛ إذ كانت الآية تحتمل أوجهًا من الإعراب، وينزل الآية على اختلاف الأعاريب، ويرجّح واحدًا منها، ويدلّل على رجحانه.

حـ. (روح المعاني)، للألوسي:  

إن الألوسي، سلفيّ المذهب، سُنّي العقيدة؛ ولهذا كثيرًا ما يُفنّد آراء المعتزلة والشيعة وغيرهم من أصحاب المذاهب المختلفة، كما أن الألوسي جامع لخلاصة كل ما سبقه من التفاسير، فنراه ينقل عن تفسير ابن عطية، وتفسير أبي حيان، وتفسير الكشَّاف، وتفسير أبي السعود، وتفسير البيضاوي، وتفسير الرازي، وغيرهم من كتب التفسير المعتمدة، وهو إذا نقل عن تفسير أبي السعود، يقول غالبًا: قال شيخ الإسلام، وإذا نقل عن تفسير البيضاوي، يقول غالبًا: قال القاضي، وإذا نقل عن تفسير الرازي، يقول غالبًا: قال الإمام.

وهو إذ ينقل عن هذه التفاسير، يُنصّب نفسَه حكمًا عدلًا بينها، ويجعل من نفسه نقّادًا مدقّقًا، ثم يُبدي رأيه فيما ينقل، وإذا استصوب رأيًا انتصر له، ورجَّحَهُ على ما عداه.

 ويستطرد إلى الكلام في الأمور الكونية، كما يذكر كلامَ أهل الهيئة، وأهل الحكمة، ويقرّ منه ما يرتضيه ويفنّد ما لا يرتضيه، كذلك يستطرد إلى الكلام في الصناعة النحوية، ويتوسّع في ذلك أحيانًا إلى حدٍّ يكاد يخرج به عن وصف كونه مفسرًا، والتفسير لا يكاد يخلو موضع منه من ذلك، وكذلك حينما يتكلّم عن آيات الأحكام، فإنه لا يمرّ عليها إلا إذا استوفى مذاهب الفقهاء وأدلّتهم مع عدم تعصّب منه بمذهب بعينه.

ومنهج الألوسي في تفسيره: أنه شديد النقد بالإسرائيليات والأخبار المكذوبة، التي حشا بها كثيرٌ من المفسرين تفسيرهم، وظنّوها صحيحة مع سخرية منه أحيانًا.

وكان يعرض لذكر القراءات، لكنه لا يتقيّد بالمتواتر منها، كما أنه يعنى بإظهار وجه المناسبات بين السور، كما يعنى بذكر المناسبات بين الآيات، ويذكر أسباب النزول للآيات التي أنزلت على سند.

وهو كثير الاستشهاد بأشعار العرب، على ما يذهب إليه من المعاني اللغوية، ويلاحظ على الألوسي في تفسيره (روح المعاني)، أنه تكلّم عن التفسير الإشاري، بعد أن فرغ من الكلام عن كل ما يتعلّق بظاهر الآيات؛ ومن هنا عدّ بعض العلماء تفسيره هذا، ضمن كتب التفسير الإشاري. فتفسير الألوسي موسوعة تفسيرية قيمة، جمعت جُلّ ما قاله علماء التفسير الذين تقدّموا عليه، مع النقد الحرّ.

error: النص محمي !!