من أغراض علم اللغة: الوقوف على حقيقة الظواهر اللغوية، ووظائفها، والعلاقة بينها، واختلافها
تدرس أغراض علم اللغة في ضوء تزاوج اللونين من الدراسة: اللون العربي القديم بضوابطه ومعاييره، واللون الغربي الحديث بنظرياته وأساليبه.
فمن أغراض علم اللغة:
الوصول إلى حقيقة وكنه الظواهر اللغوية ومكوناتها، والأسس التي تقوم عليها، وتصنيفها وبيان وظائفها.
والظواهر اللغوية هي:
ظاهرة الإبدال، وظاهرة القلب المكاني، وظاهرة المعاقبة الصوتية، وظاهرة الإدغام، وظاهرة الإظهار.
تعريف الإبدال:
هو تغير صوت إلى آخر في كلمة ما بتأثير البيئة اللغوية المحيطة -المحيطة بهذا الصوت- أو هو في أغلب صوره: إقامة حرف مقام حرف آخر يقاربه في المخرج أو في الصفة أو فيهما معًا، مع اشتراك الكلمتين في المعنى وفي باقي الحروف. مثل: خَبن، وغَبن، وعصيكَ، وعصيتَ، والجدس، والجدث.
تعريف المعاقبة الصوتية:
تبادل كل من الواو والياء لغير علة تصريفية، مع اشتراك الكلمتين في المعنى وفي باقي الحروف. مثل ماذا؟ مثل: كَنَوْته وكَنَيْته -يعني بالواو وبالياء- كنوًا وكنيًا: جعلت له كنية.
تعريف الإدغام:
النطق بحرفين حرفًا واحدًا مشددًا، أو تذويب الحرف الأول في الحرف الثاني فننطق بالحرفين حرفًا واحدًا.
وسبب الإدغام:
هو ثقل النطق بالحرفين بينهما فاصل؛ ولذلك طلب التخفيف، بحذف الحركة ثم الإدغام.
مثلًا: شَدَدَ، أو غضض، نقول: اغضض من صوتك. حرفان هنا في “غضض” ضاد، ومثلها ضاد أخرى؛ وبين الحرفين الحركة؛ فعندما نأتي بالحرفين يكون هنا ثقل. اللسان ينطق بالحرف الأول ثم يترك الحرف الأول إلى موضع الحركة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الحرف مرة ثانية؛ إذًا فيه ثقل على اللسان؛ إنما لما نسكن الحرف الأول.
وندخل الحرف الأول في الحرف الثاني؛ فننطق بالحرف حرفًا واحدًا، وينبو اللسان عن الحرفين -الحرف المشدد- نبوة واحدة –أي يفارقه مرة واحدة- يحصل التخفيف؛ إذًا الإدغام هنا أتى لتخفيف -أو لترك- هذا الثقل.
شروط الإدغام: للإدغام ثلاثة شروط:
الشرط الأول: التلاصق بين الحرفين دون حاجز، أي: عدم وجود فاصل بين الحرفين.
الشرط الثاني: التماثل أو التقارب أو التجانس بين الحرفين؛ فالتماثل: حرفان متماثلان دال ودال، نحو: ودَّ، والتقارب يعني: تقاربًا في المخرج، مثل: دال وسين {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: 1]، والتجانس مثلًا دال وتاء {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت: 38].
الشرط الثالث: عدم ذهاب الإدغام ببعض الصفات، يعني عندما ندغم حرفًا في حرف لا بد أن يبقى هذا الحرف الأول بصفاته، يعني لا يذهب من صفاته شيء، فعندنا الطاء والتاء: الحرف الأول طاء والحرف الثاني تاء؛ لا ندغم الطاء في التاء؛ لماذا؟ لأن الحرف الأول هو الذي يذوب في الحرف الثاني؛ فلا بد أن يكون الحرف الأول أضعف من الحرف الثاني، ويكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا فندغم التاء في الطاء هذا صحيح؛ ولكننا لا نفعل العكس، يعني: لا ندغم الطاء في التاء؛ لأن الطاء أقوى من التاء؛ فلا تدغم الطاء في التاء؛ لأن الطاء فيها إطباق؛ والإطباق صفة ليست موجودة في التاء؛ الطاء فيها تفخيم وهذا ليس موجودًا في التاء.
والإدغام والإظهار لهجتان فاشيتان في اللغة العربية: الإدغام لغة تميم، وعلى لهجتهم جاء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ} [المائدة: 54] والإظهار لغة الحجازيين، وعلى لهجتهم {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] ، {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19].
فالتميميون أدغموا للتخفيف؛ لأن النطق بحرفين ثقل، فلثقل النطق أدغموا؛ طلبًا للخفة. والحجازيون أظهروا –يعني: فكوا الإدغام- لبيان الأصل؛ أي: لنعرف أصل الكلمة.
إذن: علم اللغة عندما يتناول الظاهرة؛ يعرّف الظاهرة -حقيقة الظاهرة-، ويعرف العناصر أو الأسس التي تقوم عليها الظاهرة، وشروط الظاهرة، وأبعاد هذه الظاهرة.