من ألفاظ الموصول الاسمي المشترك (ذو)، و(ذا)
(ذو): اسم موصول عند طيْءٍ خاصّة، والمشهور عنهم: بناؤها على سكون الواو. وقد تُعرب بالحروف الثلاثة إعراب (ذو) بمعنى: صاحب، وخصَّ ابن الضائع ذلك بحالة الجرّ، فإنه المسموع، كقول الشاعر:
فإمَّا كرامٌ مُوسِرُون لقيتُهُم | * | فحسبي مِن ذي عندَهم ما كفانِيا الخالي |
فيمن رواه بالياء، وهو أبو الفتح ابن جنّي في كتابه (المحتسب).
والمشهور عنهم أيضًًا: إفرادُها -وإن وقعت على مثنّى أو جمْع- وتذكيرها، -وإنْ وقعت على مؤنث- كقول الشاعر:
فإنَّ الماءَ ماءُ أبي وَجَدِّي | * | وبئري ذو حَفَرْتُ، وذو طَويْتُ الخالي |
فأتى بـ(ذو) مفردة مذكّرة، مع أنها واقعة على (البئر)، وهي مؤنثة، ويحتمل أنه راعى معنى (القلِيب)، وهو مذكّر. وقد تُؤنَّث، وتُثنّى، وتُجْمع، عند بعض طَيء، فتقول في المذكر: (ذو قام)، وفي المؤنث: (ذاتُ قامت)، وفي مثنّى المذكّر: (ذوَا قاما).
وفي مثنّى المؤنث: (ذوَاتا قامتَا)، وفي جمْع المذكّر: (ذَوُو قاموا)، وفي جمع المؤنث: (ذَوِاتُ قُمْنَ)؛ حكاه ابن السراج في كتابه (الأصول) عن جميع لغة طيء على الاطلاق، وتَبعهُ ابن عصفور في (المُقرب)، ونازع في ثبوت ذلك ابنُ مالك.
وحُكِيَ عن بعض طيء: (ذاتُ) للمفردة، و(ذوات) لجمعها مضمومتيْن على أنهما موصولان مستقلان مرادفان لـ(التي) و(اللاتي)، ومثال ذلك قولُ رجل مِن طيء: (بالفضل ذو فَضَّلكمُ الله به، والكرامةُ ذاتُ فَضَّلكم الله به)؛ فبنى (ذاتُ) على الضّم، وكأنه يُشير إلى قوله تعالى: {وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ فِي الْرّزْقِ} [النحل: 71]، ونحو قول الشاعر أيضًًا:
جَمَعْتُها مِنْ أَيْنُقٍ مَوَارِقِ | * | ذواتُ يَنْهَضْنَ بغيرِ سائقِ |
فبنى (ذواتُ) على الضمِّ.
وحُكيَ في (ذات)، و(ذوات) إعرابُهُما بالحركات إعراب (ذاتٍ)، و(ذواتٍ) بمعنى: صاحبةٍ، وصاحباتٍ.
وأما (ذا)، فشرط موصوليّتها ثلاثة أمور:
أولًا: ألاّ تكون للإشارة؛ لأنها حينئذٍ تدخل على المفرد، نحو: (مَن ذا الذاهبُ؟)، و(ما ذا التَّواني؟). والمفرد لا يصلح أن يكون صلة لغيْر (أل).
ثانيًا: ألاَّ تكونَ ملغاة، وذلك بتقديرها مركّبة مع (ما) في نحو: (ماذا صنعت؟)؛ فيصيران اسمًًا واحدًًا مِن أسماء الاستفهام في محلّ نصب على المفعوليّة المقدّمة بـ(صنعتَ).
والتقدير: أيَّ شيءٍ صنعت؟. كما قدَّرها كذلك مَن قال: (عمَّاذا تسأل؟)، والتقدير: عن أي شيءٍ تسألُ؟ فأثبت الألف مِن (ما) لتوسّطها في اسم الاستفهام بالتركيب، ولولا ذلك لحذفت الألف؛ لأنّ (ما) الاستفهاميّة إذا دخل عليها جارّ حُذفت ألفُها لتطرّفها، نحو: {عَمّ يَتَسَآءَلُونَ } [النبأ: 1]، فرْقًًا بين (ما) الاستفهاميّة والموصولة، نحو قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ عَمّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100].
ويجوز الإلغاء عند الكوفيِّين، وابن مالك على وجْه آخر، وهو تقديرها زائدة، بيْن (ما) ومدخولها، كأنك قلت: (ما صنعت؟)، والبصريون لا يجيزون زيادة الأسماء.
ثالثا: أنْ يتقدّمها استفهام بـ(ما) باتّفاق، أو (مَن) على الأصحّ؛ فالأوّل كقول لبيد:
أَلاَ تسألاَنِ المَرْءَ ماذا يُحَاوِلُ | * | أَنَحْبٌ فَيُقضَى أم ضَلاَلٌ وبَاطِلُ الخالي |
والثاني كقول الشاعر:
ألا إنَّ قلبي لدَى الظاعنِينَ | * | حَزِينٌ فمن ذا يُعزِّي الحَزِينَا |
والكوفي لا يشترط في موصوليّة (ذا): (مَن)، ولا (ما) الاستفهاميَّتيْن، واحتج بقول الشاعر:
عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عليك إمارةٌ | * | أَمِنْتِ وهذا تَحمِلين طليقُ |
فـ(هذا): اسم موصول، ولمْ يتقدّم عليه (ما)، ولا (مَن). وجملة (تحمِلين): صِلته، والعائد محذوف. و(طليق) بمعنى: مطلق: خبر المبتدأ. والتقدير: والذي تحملينه طليقٌ.
وعند البصريِّين: (هذا): اسم إشارة على أصله؛ لأنّ (ها) التنبيه لا تدخل على الموصولات، وهو: مبتدأ. و(طليق): خبره. وجملة (تحملين): حال مِن فاعل (طليق) المستتِر فيه، مقدّمةً على عاملها. أي: وهذا طليقٌ محمولًًا لَكِ.