Top
Image Alt

من الآداب التي علمها القرآن للمؤمنين خلال الأحداث السابقة، ملاحظات على غزوة بني المصطلق

  /  من الآداب التي علمها القرآن للمؤمنين خلال الأحداث السابقة، ملاحظات على غزوة بني المصطلق

من الآداب التي علمها القرآن للمؤمنين خلال الأحداث السابقة، ملاحظات على غزوة بني المصطلق

نزل القرآن الكريم في هذا الأمر يُعلم المسلمين أن يلتزموا جانب الحق والصواب؛ يقول تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيم إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [النور: 14 – 18].

ثم تمضي الآيات وتتوعد أولئك الذين أشاعوا هذه الفاحشة في بيت رسول الله صلى الله عليه  وسلم؛ يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيم} [النور: 19، 20].

وهنا أقسم أبو بكر بعد هذا، وكان يحسن ويعطي مسطح بن أثاثة صدقات كان يعطيه إياها، فلما وقع ذلك منه في حق ابنته، وسعى فيه أقسم لا يعطيه أبدًا، فنزل قول الله عز وجل: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [النور: 22].

هنا نرى تأديب الإسلام وتأديب القرآن للمؤمنين، ينالهم ما ينالهم ولا يكون ردهم إلا خيرًا.

ب. ملاحظات على غزوة بني المصطلق:

أولاً: أن المنافقين -ولأول مرة- يكون لهم هذا الخروج بهذه الكثرة، وتحت هذه الزعامة المنافقة الكافرة، زعامة شيخهم عبد الله بن أبي بن سلول، فخرجوا في هذا السفر وكانوا من قبل في أُحد وفي الأحزاب، ففي الأولى رجعوا من الطريق ولم يكن لهم شرف المساهمة في هذه الموقعة التي كانت على حدود المدينة، وكذلك كان أمرهم بعدها شماتة في المسلمين وفيمن أصيب منهم، أما مصابهم في ذويهم من المؤمنين، فقد تلقوها بعدم التسليم لأمر الله وقبول الابتلاء، بخلاف تقبل المؤمنين لقضاء الله في أنفسهم وفي ذويهم، وآيات سورة آل عمران تشهد بهذا، وفي الأحزاب رأينا أمرهم في تسللهم وقولهم في أمر النبي صلى الله عليه  وسلم ووعده إياهم بالفتوح: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، إلى غير ذلك من الآيات التي بينت أمر هؤلاء، وأنهم لم يكن لهم نصيب في الخير.

أما هنا فقد خرجوا طمعًا في الدنيا، ولا نراهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه  وسلم بجمعهم هذا، وإنما خرجوا مع عبد الله بن أبي بن سلول.

ثانيًا: الكلام السيئ الذي سمعه زيد بن أرقم من عبد الله بن أبي بن سلول ، أو قالة السوء التي قالها في حق النبي صلى الله عليه  وسلم وحق المهاجرين، يدل على أنهم كانوا جميعًا معًا، لا يفارقون أنفسهم، ولا يدخل بينهم مؤمن؛ لأنه ما كان يمكن أن يتكلم ابن سلول هذا الكلام في حق المهاجرين وحق النبي صلى الله عليه  وسلم وبينهم رجل مؤمن، وهذا ما يدلنا على أنهم كانوا جميعًا مجتمعين معًا، ويسيرون ويتحدثون معًا، وما كان يظن هذا الرجل أن هذا الغلام صغير السن يمكن أن يلتقط كلامه وأن ينقله، ولكنه كان أُذن خير نقلت أمر هؤلاء للنبي صلى الله عليه  وسلم حتى تظهر الحكمة منه صلى الله عليه  وسلم حينما كان لا يحب خروجهم معه، وحينما كان يستأذنه بعضهم فيأذن له.

ثالثًا: أن خروجهم لم يكن إلا للدنيا، ولانتهاز الفرص التي توقع الفتنة بين المؤمنين، وقد رأينا كيف اجترأ هؤلاء على النبي صلى الله عليه  وسلم وقالوا قالة السوء فيه وفي المهاجرين، وكذلك ما قالوه كذلك في حق النبي صلى الله عليه  وسلم وفي حق عائشة.

وهنا نرى حلم رسول الله صلى الله عليه  وسلم على أمثال هؤلاء.

تقسيم الأسرى، وزواج النبي صلى الله عليه  وسلم من أم المؤمنين جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، وأثر ذلك في إطلاق المسلمين من بأيديهم من الأسرى:

أصاب رسول صلى الله عليه  وسلم سبيًا كثيرًا فقسمه في المسلمين، وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه  وسلم، وجاءت جويرية إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم بعد أن وقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها؛ لأنها بنت سيد في قومه، وجاءت للنبي صلى الله عليه  وسلم فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابتي، قال: ((فهل لك في خير من ذلك؟))،  قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: ((أقضي عنك كتابتك وأتزوجك))، قالت: نعم يا رسول الله، قالت: قال قد فعلت.

هكذا ساقها الله عز وجل في الأسر لتنال شرف أمومة المؤمنين.

وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم قد تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه  وسلموأرسلوا ما بأيديهم من السبايا والأسارَى، ولقد أعتق الله بتزويجه صلى الله عليه  وسلم من جويرية مائتي أهل بيت من بني المصطلق، تقول عائشة: فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها.

وهناك رواية تقول بأن أباها الحارث بن أبي ضرار جاء إلى النبي صلى الله عليه  وسلم بفداء ابنته، وقال: يا محمد، أصبتم ابنتي وهذا فداؤها، ثم لما دفع فداءها خطبها النبي صلى الله عليه  وسلم بعد أن أسلم الحارث وأسلم معه ابنان من أولاده، وناسٌ من قومه، وحسن إسلام هؤلاء، ودفعت إليه ابنته جويرية فأسلمت وحسن إسلامها، وخطبها النبي صلى الله عليه  وسلم إلى أبيها، فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم صلى الله عليه  وسلم.

error: النص محمي !!