Top
Image Alt

من فروع علم اللغة النظري : علم الأصوات

  /  من فروع علم اللغة النظري : علم الأصوات

من فروع علم اللغة النظري : علم الأصوات

ينقسم “علم اللغة” إلى قسمين:

القسم الأول: “علم اللغة النظري” وهو العام.

القسم الثاني: “علم اللغة التطبيقي”.

أولًا: “علم اللغة النظري” وفروعه هي:

1. علم الأصوات؛ لأننا قلنا بأن “علم اللغة” هو دراسة اللغة من جميع جوانبها، أول جانب هو الجانب الصوتي، ودراسة الأصوات لها علمٌ خاصٌّ هو علم الأصوات يندرج تحت “علم اللغة النظري”، وعلم الأصوات يمكن أن نقسمه إلى قسمين: دراسة مخارج الأصوات وصفاتها وكيفية صدورها، وعلم الفونيمات.

علم مخارج الأصوات:

ويدرس الأصوات من حيث مخارجها؛ يعني أن صوت الدال مثلًا من حيث إنتاجه هو صوت مجهور، وصوت صامت ليس صائتًا؛ لأن عندنا الأصوات الصائتة هي ما تسمى في العربية بالحركات.

وهي أصوات المد واللين، يعني الحركات: الفتحة والضمة والكسرة، وعندما تكون قصيرة -فتحة ضمة وكسرة- نسميها أصوات لين قصيرة، والألف والواو والياء عندما تكون طويلة، يعني: الفتحة عندما تمدّ تصبح صوت لين طويل، والضمة عندما تمد تصبح صوت لين طويل، والكسرة عندما تمد تسمى صوت لين طويل، عندنا مثلًا فتحة نقول: “بَ” “بَ” “بَ” يعني صوت الفتحة صوت لين قصير، لكن عندما نقول: “با” صوت لين طويل، “بَ” فتحة زائدة يتولد عن الفتحة ألف، مثلًا: “ضربَ” نقول: “ضارب”؛ إذن الفتحة تولد عنها الألف فأصبحت ألفًا عندنا، ومثلًا: “قال” “قا” صوت لين طويل، “قال” مد طبيعي بمقدار حركتين، و”يقول” مددنا الضمة فتولد عنها واو “يقولوا” قال – يقول، والياء “يَقيل” أو “يُقيل” إذن مد الكسرة تولد عنها ياء، نقول: “قال” الفتحة تولد عنها ألف، “يقو” الضمة تولد عنها واو “يقول”؛ لأننا لو قلنا: “لم يقل” فإن الضمة هي ضمة فقط “حركة قصيرة”، لكن “يقول” ضمة تولد عنها  صوت لين طويل “يقول” واو، و”يقيل” فكسرة تولد عنها ياء؛ إذن هناك أصوات لين قصيرة وأصوات لين طويلة.

وهي الحركات: الفتحة والضمة والكسرة، وعلم الأصوات يبحث هذه الأصوات، أي يقول: إن هذه الحركة تمد بمقدار حركة واحدة هي الفتحة والضمة والكسرة؛ إنما عندما تكون صوت لين طويل تمد بمد طبيعي بمقدار حركتين. لكن عندنا في التجويد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] تمد صوت اللين أربعة أو ستة.

فعلم الأصوات هو علم يبحث في الأصوات من حيث مخارجها، ولمعرفة مخرج الصوت: ننطق الصوت ساكنًا وقبله إما همزة مفتوحة وإما همزة مكسورة، وعند سيبويه همزة مكسورة، نقول: مخرج الباء “إِبْ”، أو عند الخليل همزة مفتوحة، نقول:  “أَبْ”.

وعندما نتذوّق صوتًا من الأصوات، نقول: “أقْ” “أبْ” “أتْ” “أجْ”، نتعرف على مخرجه عندما نقول: “أدْ” أو “إدْ” طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا “أدْ”. وعندما نقول: “أجْ” وسط اللسان مع ما يقابله من الحنك الأعلى، فمخرج الصوت هو نقطة التقاء العضوين أو نقطة تقارب العضوين، يعني: التقاؤهم التقاءً محكمًا أو التقاء غير محكم؛ في حالة التقاء المحكم نقول: الصوت شديد، وفي حالة الالتقاء غير المحكم نسميه صوتًا رخوًا عندما نقول: “إذْ” “إشْ”، وعندما نقول: “إجْ” التقاء محكم، صوت شديد، عندما نقول: “إقْ” “أكْ” التقاء محكم نسميه صوتًا شديدًا. نبحث في الصوت من حيث المخرج ومن حيث الصفات، يعني: صوت شديد، صوت رخو، صوت مجهور.

والصوت المجهور يعني: أنه يهز الأوتار الصوتية، وعندنا الأوتار الصوتية هنا أو الحبال الصوتية هما رباطان مرنان يمتدان أفقيًًّا من الخلف إلى الأمام يلتقيان عند البروز الحنجري المسمى بتفاحة آدم، هذان الرباطان المرنان يسميان الأحبال الصوتية أو الوتران الصوتيان، عندما يكون الصوت مجهورًا يقتربان من بعضهما ويحدث فيهما اهتزاز، فنسمي الصوت نتيجة لهذا الاهتزاز صوتًا مجهورًا، أما إذا خرج الصوت ولم يؤثِّر في الأوتار الصوتية باهتزاز بأن ابتعد الوتران عن بعضهما فنسميه صوتًا مهموسًا.

والأصوات المهموسة مجموعة في: “سكت حثه شخص”، والقاف والطاء عند المحدثين؛ لأن الطاء والقاف في الدراسات الحديثة وجد أنهما لم يؤثِّرا في الأوتار الصوتية بالاهتزاز. 

أما سيبويه فقال بأن الطاء والقاف صوتان مجهوران، ويجوز أن تكون الطاء والقاف قد تطورتا، فكانا ينطقان قديمًا بحيث إنهما يؤثران في الأوتار الصوتية، أما حديثًا فلا يؤثران في الأوتار الصوتية.

فعلم الأصوات علم يدرس مخارج الأصوات، يقول بأن صوت الدال يخرج من نقطة التقاء العضوين،  موضع التقاء عضوي النطق هو مخرج نسميه مخرج الصوت، يعني: “إدْ” طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، “إجْ” وسط اللسان مع ما يقابله من الحنك الأعلى، “إقْ” أقصى اللسان مع ما يقابله من الحنك الأعلى، “إكْ” أقصى اللسان مع ما يقابله من الحنك الأعلى، مما يلي الفم.

إذن فبحث صحيح الصوت أو المادة الأصلية للصوت، هي النفَس، يخرج من الرئتين أولًا، ثم يذهب من الرئتين إلى الحنجرة، والأوتار الصوتية هي الأساس في مصدر الصوت، ومصدر الصوت هو الحنجرة، والحنجرة متسعة مكونة من أربطة وعضلات وفيها الوتران الصوتيان.

ولذلك لو أن شخصًا أجرى عملية وشاهدناها فطبعًا سينقطع الصوت؛ لأن صوت الوترين الصوتيين هما أساس الصوت؛ ولذلك نقول: مصدر الصوت الإنساني هو الوتران الصوتيان أو نقول: الحنجرة؛ لأن الحنجرة هي التي بها الوتران الصوتيان.

وأول شيء ندرسه في فروع “علم اللغة” هو علم الأصوات، علم الأصوات من حيث المخارج، يعني: إنتاج الصوت، ومن حيث الصفات، يعني: هذا الصوت مجهور، هذا الصوت مهموس، هذا الصوت رخو، هذا الصوت شديد،…  إلى آخره.

علم الفونيمات:

أيضًا ندرس من فروع “علم اللغة النظري” “علم الفونيمات”، والفونيم هو: صوت أصيل نشأ منه صوتان أو أكثر دون أن يكون للاختلاف أثر في المعنى، يعني عندنا القاف نقول: “قال”، ونقول في اللهجة البدوية أو في لهجة الأرياف هنا في القاهرة: “آل”، وفي أرياف مصر: “جال” و”قال”، وفي السودان: “غال”، فتتحوّل القاف في اللهجة الدارجة إلى غين فيقولون في “قد”: “غد”؛ إذن القاف فونيم، القاف الأصيلة صوت أصيل نشأ منه صوتان أو أكثر، فالقاف والجاف والغاف أصوات نسميها في علم الأصوات متغيرات صوتية، نشأ من صوت القاف صوتان أو أكثر دون أن يكون للاختلاف أثر في المعنى.

وعندنا الجيم الفصيحة فونيم، فنطقها فصيح، وفي سوريا وفي لبنان يقولون: “ﭼﺎء” يعطشونها أكثر، وفي القاهرة يقولون: “جاء” الجيم وﺍﻟﭼﻳﻡ والجيم الفصيحة، الصوت الأصيل هو الجيم، هو الفونيم الفصيح، نشأ منه صوتان: الجيم –المعطشة-، ونشأ صوت الجيم – القاهرية-؛ إذن الفونيم هو صوت أصيل نشأ منه صوتان أو أكثر دون أن يكون للاختلاف أثر في المعنى.

ونعني بالفونيم: المتغيرات الصوتية، وهي طبعًا تتصل بالقراءات القرآنية، فعندما نقول مثلًا في قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23] نقول: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} الإشمام هو -عند حمزة والكسائي- فونيم، وهو أن أنطق الصوت بين الصاد والزاي أو بالزاي المفخمة؛ فهذا فونيم، يعني: متغير صوتي، تغير صوت الصاد إلى زاي مفخمة.

إذن علم الفونيمات: هو علم يبحث في الفروق الوظيفية بين الأصوات؛ فيتناول الوحدات الصوتية -الوحدات النطقية- والمتغيرات الصوتية. قلنا: الفونيم صوت أصيل نشأ منه صوتان صوت أصيل هي وحدة نطقية؛ فالباء وحدة نطقية، والقاف وحدة نطقية، وأيّ حرف من حروف الهجاء وحدة نطقية، وصوت القاف مثلًا له متغيرات هي “جاف” أو يقولوا فيها: “قاف”، تتغير الأصوات بحسب اللهجات، فالقاف عندنا في الفصحى وتتغير في السودان إلى غين، وتتغير في القاهرة إلى همزة فيقولون في “قال”: “آل”، هذا التغير إلى الهمزة يسمى: “متغير صوتي”.

إذن علم الفونيمات هو علم يبحث في الفروق الوظيفية بين الأصوات، فيتناول الوحدات الصوتية، وهي الحروف -أي الأصوات-: الباء الدال الجيم القاف… إلى آخره، والمتغيرات الصوتية، أي: صوت الجيم -الجيم الفصيحة- والجيم القاهرية، والجيم في اللهجة السورية وهكذا نسميها متغيرات صوتية.

علم الأصوات الفيزيائي:

أيضًا يدخل تحت “علم اللغة النظري” علم الأصوات الفيزيائية، ويبحث هذا العلم في الظواهر الصوتية، واختلاف درجات الصوت، وتعدد الدرجات، ونوعها، واشتقاقها، وانتقالها إلى الأذن، والعوامل المؤثرة، يعني نبحث في صوت المرأة، فصوت المرأة صوت حاد؛ لأن ذبذباته كثيرة، أكثر في الثانية، بينما صوت الرجل غليظ أو عميق؛ لأن الذبذبات قليلة؛ لأن الوترين الصوتيين في الرجل يكونان طويلين فيهما ارتخاء.

أما المرأة فالوتران الصوتيان قصيران ومشدودان وبالتالي الذبذبات تكثر، وأنت عندما تشد الطبلة في الشمس يقصر الوتران الصوتيان، وعندما يقصر الوتران الصوتيان في الإنسان تكون عدد الذبذبات كثيرة وهذا عند المرأة. أما في الرجل فيكون الوتران الصوتيان مرتخيين.

والطفل كذلك؛ لأن الطفل أيضًا يكون الوتران الصوتيان لديه قصيرين ومشدودين؛ لكن عندما يصل الطفل إلى مرحلة البلوغ يطول الوتران الصوتيان، ويتضخمان ويرتخيان، وصوت الطفل يغلظ ويصبح من الرجال؛ إذن لدى الأطفال والنساء عدد الذبذبات الصوتية أكثر؛ ولذلك نسميه صوتًا حادًا، أما صوت الرجل فعدد الذبذبات أقل؛ ولذلك نسميه صوتًا عميقًا.

إذن علم الأصوات الفيزيائي يبحث في شدة الصوت، وانتقاله إلى الأذن، ويبحث في الأذن، مكونة من صيوان الأذن، ومن صماخ الأذن، ومن الأذن الداخلية،… وهكذا؛ إذن ندرس في علم الأصوات الفيزيائي الصوت، وانتقال الصوت أيضًا من فم الإنسان إلى الأذن، ونقول: إن انتقال الصوت من فم الإنسان إلى الأذن غالبًا عبر الهواء، وفي غير الغالب كأن تنادي على شخص من خلف جدار فيسمعك فينتقل برده الصوت في وسط صلب، أيضًا قد يكون الناقل غازي الوسط؛ لكن الغالب هو الهواء.

علم الأصوات الوصفي:

ويقابله علم الأصوات المعياري، وعلم الأصوات الوصفي أو الدراسة الوصفية أننا ندرس الصوت من حيث وصف هذا الصوت، من حيث ما هو كائن -أي موجود-، أما عندما ندرس الصوت دراسة معيارية فندرس الصوت من حيث ما ينبغي أن يكون عليه الصوت، يعني القاف مثلًا لا بد أن ننطق هذا الصوت كما ينطق قديمًا، ننطق الدال والراء أيضًا كما كانت تنطق قديمًا، أي أننا ننطق الصوت كما يجب أن ينطق.

أما عندما ندرس علم الأصوات الوصفي فننطق الصوت كما هو أو نَصِفُه كما هو، فمثلًا “ثعبان” نقول في اللهجة القاهرية: “تعبان” فنحول الثاء إلى تاء، وهذه طبعًا دراسة وصفية؛ لكن أنا أقول: إنه إفلاس علمي؛ فلا بد أن ننطق الصوت كما يجب ولا بد أن نعلل لماذا نُطِقَ هكذا.

علماؤنا القدامى: الخليل بن أحمد، وسيبويه، وابن جني،… وما إلى ذلك، كانوا يدرسون اللغة، وكانوا يعللون ويحللون؛ يقول: كذا لكذا، عندما نجد قاعدة من القواعد يعللون لها اسمها “الدراسة المعيارية”، يعني: أنه يعلل، وأنه يأتي بالصوت كما ينبغي أن يكون. إنما الدراسة الوصفية: وصف الصوت كما هو موجود لا كما ينبغي أن يكون؛ ولذلك نقول فيه: نحو وصفي، ونحو معياري، فدراسة الأصوات أيضًا دراسة وصفية ودراسة معيارية، ووصفي يعني: يصف الصوت كما هو، لهجة القاهرة تقول كذا، إذن ننطقها كدراسة وصفية دون أن نعلل أو أن نفسر، أما الدراسة المعيارية فننطق الصوت كما ينبغي أن يكون الصوت ونعلل.

إذن الدراسة الوصفية هي دراسة الصوت كما هو؛ لذلك نجد بعض المستشرقين يدرس اللهجات الدارجة وأصل هذه اللهجات كان اللغة العربية الفصحى ثم انحرف؛ فهناك فرق بين الدراسة الوصفية والدراسة المعيارية.

ودراسة علمائنا الأعلام -جزاهم الله خيرًا- كانت دراسة معيارية؛ يعلل ويفسر. أما الدراسة التي جاءت لنا عن طريق المستشرقين بوصف هذا الصوت فهذه الدراسة سطحية، يدرس الأصوات من حيث وجودها الآن، يعني في الكلام العادي يصف الأصوات كما هي في الكلام واللهجات المحلية، إنما نحن في الدراسة المعيارية: الأصوات كما ينبغي أن تكون؛ لأننا نحافظ على اللغة العربية؛ لأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وكما قال أبو عمرو بن العلاء: “علم العربية هو الدين بعينه”.

علم الأصوات التاريخي:

كما يدخل معنا من فروع “علم اللغة النظري” علم الأصوات التاريخي، كما نتكلم عن صوت الطاء والقاف، وصوت الطاء وصفه سيبويه والخليل بأنه صوت مجهور، ثم أصبحت الآن مهموسة، يعني بإدخالها في المعامل الصوتية أصبح صوت الطاء مهموسًا لا يهز الأوتار الصوتية.

ولكن عند سيبويه كان صوتًا مجهورًا، أي: يهز الأوتار الصوتية، أيضًا صوت القاف كان قديمًا مجهورًا  تطور إلى أن أصبح صوتًا مهموسًا.

error: النص محمي !!