من مؤرخي القرن الثالث الهجري: الخطيب البغدادي، ابن كثير، وابن عساكر
أولًا: الخطيب البغدادي:
هو: أحمد بن علي بن ثابت البغدادي أبو بكر، المعروف بالخطيب البغدادي. ولد عام اثنتين وتسعين بعد المائة الثالثة من الهجرة، وتوفي عام ثلاثة وتسعين بعد المائة الرابعة من الهجرة النبوية.
معيشته وإقامته:
ولد البغدادي في قرية في منتصف الطريق بين الكوفة ومكة، ولكن منشأ الخطيب البغدادي ووفاته كان في بغداد، ومن ثم كان تأثره ببغداد وكتابته عن بغداد ذلك السِّفر العظيم الذي عرف باسم (تاريخ بغداد).
الرحلة في حياة الخطيب البغدادي:
إنَّ الرحلة في حياته كان لها أثر ووقع عظيم عند البغدادي، فنجده رحل إلى مكة، وسمع بالبصرة والكوفة، وغير ذلك من البلاد، ثم عاد إلى بغداد، وهناك في بغداد قريبه ابن مسلمة وزير القائد العباسي، وعرف قدره ومكانته.
ولكن حدثت مجموعة من الأمور والتصرفات أودت بأن يتحرك الخطيب البغدادي خفيةً، وأن يستتر في بلاد الشام، فأقام مدة في دمشق وانتقل إلى صور وطرابلس وحلب، وكان هذا عام اثنتين وستين قبل المائة الرابعة؛ أي: قبل وفاته بعام واحد.
وعند وفاته كانت له مواقف يجب أن نشير إليها، وأن نلحظها؛ منها: أنَّه فرَّق جميع أمواله في هذه اللحظة، ولم يترك شيئًا من هذه الأموال، كل هذا تركه في وجوه البِر على مختلف صورها، وكذلك فرق جميع كتبه التي كان يملكها على أهل العلم وأهل الحديث. وكان مما امتاز به البغدادي أنه فصيح اللهجة، عارف بالأدب والشعر، ومغرم بالمطالعة والتأليف.
نتاجه التاريخي:
تعددت مؤلفات البغدادي فهي كثيرة، منها كتاب (البخلاء)، (الكفاية في علم الرواية) كتابه في مصطلح الحديث في (الفوائد المنتخبة)، (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)، (تقييد العلم)، (شرف أصحاب الحديث)، وله (الأسماء والألقاب) و(الأمالي) و(تخليص المتشابه في الرسم) و(الرحلة في طلب الحديث) و(السابق واللاحق في تباعد وفاة ما بين الراويين عن شيخ واحد). كل هذه مؤلفات البغدادي، وكان لها وقع عظيم ومكانة عظيمة في حضارتنا الإسلامية.
في أي شيء تخصص الخطيب البغدادي؟
كان البغدادي من الحفاظ المتقنين والعلماء المتبحرين.
ما سنعرضه الآن من (وفيات الأعيان) لابن خلكان، وهو المتعرض لموضوع التخصص عند الخطيب البغدادي، وقلنا: إنَّه كان معروفًا في الحديث والحفظ، غير أنه عرف واشتهر في التاريخ، ومن يطلع على هذا النتاج يشعر أنه كان على اطلاع عظيم، حيث صنف قريبًا من مائة مصنف -كما أشرنا قبل ذلك في مصنفاته- وفضله أكبر من أن يوصف، وحمل الفقه عن أبي الحسن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وغيرهما، وكان الأصل فيه الفقه، ولكن الذي غلب عليه التاريخ والحديث، معنى ذلك أن عالمنا هذا كان يجمع الكثير من العلوم والمعارف والفنون، وأنه لم يكن متخصصًا بمادة علمية واحدة، وهي علم التاريخ مثلًا، ولكنه تبَّحَر في مجموعة من العلوم والمعارف والفنون -كما ذكرنا- وأصبح عَلَمًا فيها.
وأشهر ما كتبه هو (تاريخ بغداد) وهذا الكتاب من الكتب العظيمة التي لها أثر عظيم في الكتابة التاريخية، فهو يتناول تاريخ البلدان، وهذا نوع من التخصص ظهر إبان كتابة تدوين التاريخ عند المسلمين، وهي الكتابة عن البلدان، كما ظهرت الكتابة عن الأنساب، والكتابة عن الأحداث التاريخية، والكتابة بالسنين، والكتابة بالحوليات.
كل هذه أنواع من أنواع الكتابة التاريخية التي ظهرت إبان حركة التدوين التاريخي عند المسلمين، فهذا الكتاب نستطيع أن نقيمه من هذا المنطلق، وهو أنَّه كتاب يدور حول تاريخ البلدان.
وعندما ننظر إلى (تاريخ بغداد) نجده قد استوفى كل ما هو متعلق بمدينة بغداد، منذ التفكير في إنشائها على يد الخليفة الثاني من خلفاء الدولة العباسية في عصرها الأول، وهو أبو جعفر المنصور حتى حياة وموت الخطيب البغدادي.
فقد استوفى كل ما هو متعلق بهذه المدينة، من أسوار المدينة، وطريقة البناء، والإنفاقات التي أنفقت فيها، وأنهار المدينة وأسواقها، ودروبها وشوارعها، وأهم الأعلام والشخصيات، كل ما هو متعلق بهذا نستطيع أن نقول: إنَّ الخطيب البغدادي استوفاه تمامًا من خلال هذا الكتاب.
وتناول أيضًا العلوم والعلماء والتراجم لأهم الشخصيات التي سكنت بغداد والتي عاشت فيها وأثرت فيها.
ومن ثم نستطيع أن نقول: إنَّ كثيرًا من المؤلفات التي ظهرت بعد ذلك في عصورنا الحديثة كانت تعتمد على كتاب (تاريخ بغداد)؛ لأن الكتاب كان مملوءًا بالمادة العلمية القيمة المتعلقة بتلك البلدة العزيزة على كل مسلم.
وعند وفاة الخطيب البغدادي كان الشيخ إسحاق الشيرازي من جملة من حَمَلَ نعشه؛ لأنه انتفع به وكان يراجعه في تصانيفه، ومن المعروف أن الخطيب البغدادي كان يطلق عليه “حافظ المشرق” من حفاظ الحديث وحملة علم الحديث، وكان أبو عمر يوسف بن عبد البر يطلق عليه صاحب المغرب، وهو صاحب كتاب (الاستيعاب). والغريب هنا أنهما -حافظ المشرق وحافظ المغرب- ماتَا في سنة واحدة.
وهناك قصة لا بأس من ذكرها، وهي أنَّ الخطيب البغدادي من ورعه وتقواه عند موته طلب أن يدفن بجوار قبر بشر الحافي – أحد الزهاد العاملين الورعين، وعُرف بهذا- وحاول أهل الحديث في بغداد في تلك المرحلة أن يوفروا له هذا الطلب، وأن ينفذوا له هذه الوصية؛ لأنَّها وصية متوفى، فبذلوا جهدهم حتى تمكنوا من أن يحققوا له هذه الأمنية الغالية.
ثانيًا: ابن كثير:
هو: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضو بن درع القرشي الدمشقي، وهو معروف بأبي الفداء وعماد الدين، هذا الاسم ذكره صاحب كتاب (الأعلام) الزركلي، وقد أشار الزركلي إلى أننا إذا طالعنا كتاب (البداية والنهاية)، فسنجد أن ابن كثير نفسه يذكر عن نفسه أن اسمه إسماعيل بن كثير بن ضو القرشي الشافعي، ولكن في كتاب آخر وهو (الدرر الكامنة) يذكر أن اسمه إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضو بن كثير القيسي أو العبسي، وهذه مسميات مختلفة، ولكننا نعتمد على المسمى الذي ذكره صاحب (الأعلام)؛ لأنه ترجم له بعد جهد جهيد في الحصول على الاسم وهو الزركلي.
ولد عام واحد بعد المائة السابعة من الهجرة، وتوفي عام أربعة وسبعين بعد المائة السابعة من الهجرة النبوية.
وُلِدَ ابن كثير في قرية من قرى الشام وانتقل مع أخ له إلى دمشق، وكان هذا عام ستة بعد المائة السابعة من الهجرة، رحل في طلب العلم، وهو شخصية معروفة ولها مكاناتها وتناقل الناس التصانيف -تصانيف ابن كثير- في حياته.
نتاجه التاريخي:
من المعروف أن أهم مؤلفات ابن كثير التاريخية هي (البداية والنهاية) – وسوف نؤجل الحديث عن (البداية والنهاية)؛ حتى نعطي فكرة سريعة لأهم المؤلفات التي عرفت عنه، والتي تناقلها العلماء والطلاب عنه، وما زال لها دورها ومكانتها ابن كثير- وكتب في شرح (صحيح البخاري)، ولكنه لم يكمله وكتب في طبقات الفقهاء الشافعية وكتب في تفسير القرآن.
وتفسير ابن كثير من التفاسير الشهيرة ولا يوجد بيت مسلم يخلو من هذا التفسير العظيم، وهو تفسير مختصر وطيب، كذلك له كتاب (الاجتهاد في طلب الجهاد)، و(جامع المسانيد)، و(اختصار علوم الحديث)، و(رسالة في المصطلح)، وله كتاب في السيرة فيه اختصار لمواد السيرة النبوية، و(رسالة في الجهاد)، و(التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل)، وهذا الكتاب خمس مجلدات في رجال الحديث.
لقد بذل ابن كثير جهدًا طيبًا بالنسبة لخدمة المادة العلمية في ظل الحضارة الإسلامية، فجزاه الله خير الجزاء وأوفاه.
ما تخصص فيه ابن كثير:
يعد ابن كثير شخصية موسوعية، يعني: أنه حوى الكثير من العلوم والمعارف والفنون، واطلع اطلاعات ضخمة جدًّا، وله كتابات قيمة تتناول مختلف العلوم، فنعتبره شخصية موسوعية، فهذا الرجل كان مقرئًا ومتقنًا لعلوم القراءة، كما كان راوية من رواة الحديث ومن حفظة الحديث، وموثوقًا، ومن الرواة الذين لهم مكانتهم في رواية الحديث، بالإضافة إلى أنه كان مفسرًا ومؤرخًا، وكان معروفًا في علوم التاريخ، ويطلق على مثل هؤلاء العلماء أنهم علماء موسوعيون، ونستطيع أن نجد هذه الصورة في كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير.
وهذا الكتاب مطبوع في أربعة عشرة مجلدًا على نسق (الكامل في التاريخ) لابن الأثير، وكلنا يعرف كتاب (الكامل).
وكتاب ابن كثير هذا انتهى فيه إلى حوادث عام سبعة وستين بعد المائة السابعة من الهجرة النبوية، وأرخ فيه للدول الإسلامية حتى زمانه.
أقسام الكتاب:
يقسم ابن كثير هذا المصنف الكبير إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يورد فيه بدء الخليقة، وبعضًا من تواريخ الأمم الغابرة حتى يبلغ تاريخ العرب في الجاهلية، ونشأة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يتحدث عن الوحي وظهور هداية الإسلام حتى الهجرة إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا القسم نجد أن ابن كثير يعتمد على القرآن الكريم والسنة الشريفة.
وكذلك نجده يعتمد على كبار المؤرخين، من سبقه ممن كتبوا في التاريخ يعتمد على ابن عمر الواقدي، ويعتمد على الطبري يعتمد على مختلف الرواة الذين أسهموا بجهد وافر، وكانت لهم سلسلة مهمة من الأسانيد يعتمد عليهم وعلى معلوماتهم بأسانيدها، ومَن يراجع ابن كثير سوف يجد هذا.
القسم الثاني: يؤرخ فيه للعهد الراشدي، ثم الدولة الأموية فالدولة العباسية وما تفرع عنها من ممالك ودويلات أيام انحطاطها وتدهورها، وإلى ما بعد أن قضى عليها المغول ويستمر في أحداثه حتى وفاته سنة أربعة وسبعين بعد المائة السابعة من الهجرة النبوية.
القسم الثالث: فهو ذكر للآخرة، ومظاهر قرب الساعة، وعلامات ذلك، ووعظ ديني لمخافة الله، وهذه الموضوعات شغلت الجزءَ الأخير فقط من كتابه العظيم (البداية والنهاية).
ميول ابن كثير، وطرق إسناده:
بعد هذا العرض نقول:
إن ميول ابن كثير كانت متوازية، لا نستطيع أن نجد عند ابن كثير اتجاهات معينة أو ميولًا معينة اتجاه فرقة أو جماعة أو فكر آخر، فهو معروف أنه محدث، وأنه يميل لفكر السنة والسلف.
وهذا أمر لا يخفى علينا، وبهذه الصورة ستكون كتاباته لها قيمتها من هذا المنطلق.
كذلك من هذا المنطلق نفسه نستطيع أن نتحدث عن الإسناد، ونقول: كان له اهتمام بالأسانيد، لكن الأسانيد في عصره كانت قد استقرت وأخذت شكلًا واحدًا معروفًا؛ فمثلًا: الإسناد عند الواقدي معروف، والإسناد مثلًا عند أبي مخنف معروف، هكذا أصبحت سلسلة الرواة معروفة، فكان ينقل مادته العلمية عمن ينقل إليه بسنده، فينقل عن الشخصية التي ينقل عنها بسندها المذكور والمعروف عنها، وبهذه الصورة اعتمد ابن كثير على الإسناد، ولكنه اعتمد على هذه الصور التي كانت مستقرة وثابتة في عصره، وإذا عدنا إلى النصوص فسوف نجد هذا واضحًا وبينًا هذا بالنسبة للحديث عن ابن كثير.
ثالثًا: ابن عساكر:
هو: الحافظ أبو القاسم علي بن أبي محمد الحسن بن هبة الله أبي الحسن بن عبد الله بن الحسين، المعروف بابن عساكر الدمشقي، الملقب بثقة الدين، هذا بالنسبة لاسم ابن عساكر. ولد عام تسعة وتسعين بعد المائة الرابعة من الهجرة، وتوفي عام واحد وسبعين بعد المائة الخامسة من الهجرة.
دُفِنَ في مقابر الباب الصغير، وفي دمشق، وصلى عليه أحد العلماء العظام المعروفين في عصره، وهو الشيخ النيسابوري، وصلى عليه المجاهد البطل المؤمن العظيم صلاح الدين الأيوبي.
ما تخصص فيه ابن عساكر، وأهم رحلاته:
عرف ابن عساكر بالحافظ والفقيه والمؤرخ، أي: أنه اشتغل بعلوم الحديث، وعلوم الرواية، ونقل الحديث، وهو من رواة الحديث، كذلك عمل في علوم الفقه، وكان له باع في هذا العلم -علم الفقه- وكذلك كان علمًا من أعلام التاريخ.
وهذه النقاط نقاط مهمة بالنسبة لشخصية الحافظ ابن عساكر.
وأيضًا هذا يدل على أنه كان من العلماء الموسوعيين، فلم يكن عالمًا قصَرَ فكره وعمله على توجه معين أو على علم معين، ولكنه كان علمًا من الأعلام وله باع في أكثر من علم، وأكثر من معرفة.
كذلك نستطيع أن نقول: إن ابن عساكر الرحلة كانت لها أثر في حياة ابن عساكر، ولها اهتمام في حياة ابن عساكر، فهو رحل في طلب العلم وتنقل في كثير من البلاد من أجل ذلك، فنقول: إنه رحل وطاف وجاب البلاد ولقي المشايخ، وكان رفيقًا لبعض هؤلاء العلماء مثل ابن السمعاني في الرحلة، وكان حافظًا دينًا جمع بين معرفة المتون والأسانيد، وسمع في بغداد من أصحاب البرمكي والتنوخي والجوهري، ثم رجع إلى دمشق، ثم رحل إلى خرسان، ودخل نيسابور وهراة وأصبهان والجبال، وصنف التصانيف المفيدة، وخرّج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث، محظوظًا في الجمع والتأليف.
أهمية كتاب (تاريخ دمشق):
إن هذا الكتاب انتهج فيه ابن عساكر نهج الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)، وهو شبيه بكتاب (تاريخ بغداد)، ومَن يعود -كما ذكرنا- لهذه الكتب سوف يجد كل المعلومات المتعلقة بهذه المدن؛ فهذه الكتب تقيم من منطلق تاريخ البلدان؛ لأنها تدور في إطار تاريخ البلدان، وهذه الكتابات التاريخية من تاريخ البلدان -حقيقة- تعد كتابات جامعة وشاملة؛ لأنها تحوي كلَّ ما يتعلق بهذه البلدة من الأماكن والبقاع، والتوسعات، والنشأة والتطور، والأنهار والبيوتات، والأعلام الذين عاشوا وتخصصاتهم المختلفة، والكتب التي ألفوها، كل هذه المعلومات التي تدور حول هذه البلدة سوف نجدها في مثل هذا الكتاب، وهو كتاب ضخم واسع المعرفة، مليء بمثل هذه المعلومات القيمة.
وقد جرَى حديث بين ابن خلكان -الذي ننقل عنه هذه المعلومات عن الحافظ ابن عساكر من خلال الجزء الثاني من كتابه والمعروف باسم (وفيات الأعيان)، وبين أحد علماء هذا العصر حول تاريخ ابن عساكر -(تاريخ دمشق)- قال فيه هذا العالِم لابن خلكان: ما أظن هذا الرجل -ابن عساكر- إلا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم أن عقل نفسه.
يعني: لا بد أن يكون قد بدأ في التأليف في مثل هذا الكتاب من يوم أن عقل من يوم أن استشعر وأدرك، وبدأ يؤلف هذا الكتاب، لماذا؟ وذلك لضخامة هذا المؤلف، وعظم المادة العلمية المذكورة في هذا المؤلف، فلا يمكن أن يكون ألفه إلا من يوم أن بدأ يدرك ويحس بحياته.
ونقول: إنه شرَعَ في الجمع من ذلك الوقت؛ لأن عمر الإنسان يقصر عن أن يكتب مثل هذا الكتاب، لأن حياة الإنسان متنوعة فيها اهتمام بالبيت والمنزل والأسرة وأمور أخرى والنوم، والتحرك إلى آخر كل هذا، فمن أين يجد الوقت لكتابة مثل هذا الكتاب العظيم والطويل؟!
وحقيقة هذه مقولة حق لا يعرفها إلا مَن اطلع على هذا الكتاب، فيقول ابن خلكان: متى يتسع للإنسان الوقت حتى يضع مثل هذا الكتاب! وما صح له هذا الكتاب إلا بعد مسودات لا يكاد ينضبط حصرها، فكلنا نكتب الكتب ولا يمكن أن نكتب كتابًا إلا بعد أن نضع مسودات لهذا الكتاب، فيقول: لا بد أن عظم المسودات التي كتبها حتى يكتب هذا المسودات كانت كثيرة ومملوءة بالصورة، التي قد تضطره إلى أن يَحدث شيء في الكتاب من الالتباس، أو الخلط؛ نظرًا لعظم وكبر هذه المسودات التي تخص هذا الكتاب.
اعتمد ابن عساكر أيضًا على كتابات سابقة كانت قد أسندت مثل كتابات الطبري، وكتابات الواقدي، وغيرهم، فهو يعتمد على معلومات من كتب سابقة منذ عصور سابقة، فأخذ المادة العلمية بوضعها، وما غير فيها.