من هو المدعو؟
المدعو هو الركن الثالث في الدعوة، فهناك داعية ومدعو وهناك شيء يدعو إليه، فالذي يدعو إليه هو دين الله -عز وجل-.
والإنسان المدعو -أيُّ إنسان كان- هو المدعو إلى الله تعالى؛ لأن الإسلام رسالة الله الخالدة، بعث الله به محمدًا -صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، وهذا العموم بالنسبة للمدعوّين لا يُستثنى منه أيُّ إنسان مخاطب بالإسلام ومكلف بقبوله والإذعان له، وهو الإنسان البالغ العاقل مهما كان جنسه ونوعه ولونه ومهنته وإقليمه وكونه ذكرًا أو أنثى، إلى غير ذلك من الفروق بين البشر.
ولذلك كان ممن آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم العربي كأبي بكر، والحبشي كبلال والرومي كصهيب، والفارسي كسلمان، والمرأة كخديجة، والصبي كعلي بن أبي طالب، والغني كعثمان بن عفان، والفقير كعمار، وعلى هذا فالدعوة إلى الله -عز وجل- عامة لجميع البشر، وليست خاصة بجنس دون جنس أو طبقة دون طبقة أو فئة دون فئة؛ ولهذا يُخاطب القرآن الكريم البشر بصفتهم الآدمية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ويقول سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وعلى الداعي أن يفقه عموم دعوته إلى الله، ويحرص على إيصالها لكل إنسانٍ يستطيع الوصول إليه، وهذا لا يناقض ابتداء الداعي بالأقربين إليه، فيدعوهم قبل البعيدين؛ لأن لكل إنسانٍ الحق في إيصال الدعوة إليه، فليس الأبعد بأولى من الأقرب، بل الأقرب أولى لسهولة تبليغه واحتمال صيرورته داعيًا أيضًا بعد إسلامه، فيسهل إيصال الدعوة إلى البعيدين، ولهذا جاء في القرآن الكريم قول رب العالمين لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء: 214]، وهذا وإن كان خطابًا له -صلى الله عليه وسلم ولكنه يشمل معناه الدُّعاة إلى الله، فعلى الدعاة أن ينذروا الأقربين إليهم مبتدئين بأفراد أسرهم وأقاربهم ومن يعرفونهم، بل إن دعوة الأهل وأفراد الأسرة أوجب من غيرهم؛ لأن الداعي إن كان رب أسرة فإنه مسئول عنهم كما في الحديث: ((كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل في بيته راعٍ وهو مسئول عن رعيته)) وهذه المسئولية تشمل القيام بشئونهم المادية من توفير الطعام والشراب والسكن ونحو ذلك من الأشياء المادية، كما تشمل شئونهم الدينية بتعليمهم ما يلزمهم من أمور الإسلام ودعوتهم إليه، قال الله تعالى مثنيًا على أحد رسله الكرام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 55] وقال لعباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] ووقايتهم من النار تكون بدعوتهم إلى الإسلام، وطاعة أوامر الله، وترك نواهيه.
ومن حق المدعو أن يؤتى ويدعى؛ أي: إن الداعي يأتي المدعوّ، ويدعوه إلى الله تعالى، ولا يليق بالداعية أن يجلس في بيته وينتظر مجيء الناس إليه، فقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم يأتي مجالس قريش ويدعوهم، ويخرج إلى القبائل في منازلها في موسم قدومها مكة، ويدعوهم ويذهب إلى ملاقاة من يقدم من مكة ويدعوه، فقد جاء في (سيرة ابن هشام) قال: “فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت على قبائل العرب، يدعوهم إلى الله، ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتى يبلّغ رسالة الله -عز وجل-، كان يقول: ((يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي وتمنعوني حتى أبلِّغ رسالة ربي)) وكان -صلى الله عليه وسلم لا يسمع بقادم إلى مكة من العرب له اسمٌ وشرف إلا تصدَّى له، فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده”، ولم يكتفِ -صلى الله عليه وسلم بأهل مكة ومن كان يأتيها، وإنما ذهب إلى خارجها، ذهب إلى الطائف يدعو أهلها، والقصة في ذلك مشهورة.
والذي يدقق النظر في القرآن الكريم يجد أن الله تعالى جعل الناس جميعًا ثلاثة أقسام: مؤمنين وكافرين ومنافقين، وأن الكافرين أقسامٌ: أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، ومشركون وهم العرب الأمّيُّون، وقد جمع الله تعالى بين أهل الكتاب والمشركين في أكثر من آية، فقال -عز وجل-: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة} [البينة: 1] وحكم عليهم جميعًا بالخلود في النار إذا لم يؤمنوا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [البينة: 6]، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم جميعًا إلى الإسلام، فقال -عز وجل-: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد} [آل عمران: 20]، وقد أمر الله تعالى الناس جميعًا بعبادته فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون} [البقرة: 21، 22] فكل إنسان بالغ عاقل ذكرًا كان أو أنثى مكلف بعبادة الله وبما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم، والذي يدقّق النظر في القرآن الكريم يجد أن كل صنفٍ من الأصناف التي ذكرناها أخذ مساحةً واسعةً من القرآن في الحوار والجدال بالتي هي أحسن والدعوة إلى الإيمان بالله وبمحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.