Top
Image Alt

موافقة مسلم البخاري على ما عنده إلا ثمانمائة وعشرين حديثًا، وأقوال العلماء في ذلك

  /  موافقة مسلم البخاري على ما عنده إلا ثمانمائة وعشرين حديثًا، وأقوال العلماء في ذلك

موافقة مسلم البخاري على ما عنده إلا ثمانمائة وعشرين حديثًا، وأقوال العلماء في ذلك

قد وافق مسلمُ البخاري على تخريج ما فيه، إلّاثمانمائة وعشرين حديثًا، وجملة ما في (صحيح مسلم) -بإسقاط المكرّر-: نحو أربعة آلاف.

قال الحافظ العراقي: “وهو يزيد على البخاري بالمكرّر، لكثرة طُرقه”. قال: “وقد رأيت عن أبي الفضل أحمد بن سلمة: أنه اثنا عشَر ألْف حديث”.

وقال الميانجي: “ثمانية آلاف”. قال الحافظ ابن حجر: “وعندي في هذا نظر. ثم إن الزيادة في الصحيح عليهما تُعرف من كتب “السُّنن” المعتمَدة، كسُنن: أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وغيرها، منصوصًا على صحته فيها. ولا يكفي وجوده فيها إلّا في كتاب مَن شَرَط الاقتصار على الصحيح، كابن خزيمة، وأصحاب “المستخرجات”.

قال الحافظ العراقي: “وكذا لو نصّ على صحته أحد منهم، ونُقل عنه ذلك بإسناد صحيح، كما في (سؤالات أحمد بن حنبل)، و(سؤالات ابن معين)، وغيرهما”. قال: “وإنما أهمل ذلك ابن الصلاح بناءً على أن اختياره: أنه ليس لأحد أن يُصحّح في هذه الأعصار، فلا يكفي وجود التصحيح بإسناد صحيح، كما لا يكفي وجود أصل الحديث بإسناد صحيح”.

واعتنى الحافظ أبو عبد الله الحاكم في (مستدركه) بضبط الزائد عليهما، ممّا هو على شرْطهما أو شرْط أحدهما، أو هو صحيح وإن لم يوجد شرْط أحدهما، معبِّرًا عن الأوّل بقوله: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخيْن، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم”، ومعبِّرًا عن الثاني بقوله: “هذا حديث صحيح الإسناد”. وربما أورد فيه ما هو في “الصحيحيْن”. وربما أورد فيه أيضًا ما لم يصحّ عنده، مُنبِّهًا على ذلك.

والحق، فهو متساهل جدًّا في التصحيح. وقد وُجدتْ في (مستدركه) بعض أحاديث كثيرة حُكِم عليها بالوضع.

قال النووي في (شرح المهذّب): اتفق الحفّاظ على أنّ تلميذه البيهقي أشدّ تحريًا منه. وقد لخّص الذّهبي (مستدركه)، وتعقّب كثيرًا منه بالضّعف والنكارة، وجمع جزءًا فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة، فذكَر نحو مائة حديث. قال أبو سعيد الماليني: “طالعت (المستدرك) الذي صنّفه الحاكم من أوّله إلى آخِره، فلم أرَ فيه حديثًا على شرطهما”.

وقال الذهبي: “هذا إسراف وغلوّ من الماليني، وإلّا ففيه جملة وافرة على شرطهما، وجملة كثيرة على شرْط أحدهما، لعلّ مجموع ذلك نحو نصف الكتاب. وفيه نحو الربع ممّا صحّ سندُه، وفيه بعض الشيء أو له علة. وما بقي وهو نحو الربع، فهو مناكير أو واهيات لا تصحّ، وفي بعض ذلك موضوعات”.

قال شيخ الإسلام ابن حجر: وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سوّد الكتاب لينقِّحه، فأعجلتْه المنيّة”. قال: “وقد وجدتُ في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من (المستدرك): “إلى هنا انتهى إملاء الحاكم”، ثم قال: “وما عدا ذلك من الكتاب لا يُؤخذ عنه إلّا بطريق الإجازة. فمِن أكبر أصحابه وأكثر الناس له ملازمة: البيهقي، وهو إذا ساق عنه في غير المملَى شيئًا لا يَذْكره إلّا بإجازة”. قال: “والتساهل في القَدْر المُملَى قليل جدًّا بالنسبة إلى ما بَعْده. فما صحّحه الحاكم ولم نجد فيه لغيره من الأئمة المعتمَدين تصحيحًا ولا تضعيفًا، حَكمْنا بأنه حَسَن، إلّا أن يظهر فيه علّة توجب ضعفه”.

وقال البدر بن جماعة: “والصواب أنه يُتتَبّع ويُحْكم عليه بما يليق بحاله مِن الحُسْن، أو الصِّحّة، أو الضّعف”.

ووافقه العراقي وقال: “إنّ حُكمه عليه بالحُسن فقط تَحكّم”. قال: “إلّا أنّ ابن الصلاح قال ذلك بناءً على رأيه: أنه قد انقطع التصحيح في هذه  الأعصار، فليس لأحد أن يُصحِّحه؛ فلهذا قطَع النظر عن الكشف عليه. والعجب من النووي كيف وافقه، مع مخالفته له في المسألة المبنيّ عليها، كما سيأتي ذلك.

وقوله: “فما صحّحه” احتراز ممّا خرّجه في الكتاب ولم يُصرِّح بتصحيحه، فلا يُعتمد عليه.

ويقارب (مستدرك الحاكم) في حُكمه (صحيح أبي حاتم ابن حبّان). قيل: إن هذا يُفهم ترجيحَ كتاب الحاكم عليه، والواقع خلاف ذلك.

قال العراقي: “وليس كذلك، وإنما المراد: أنه يقاربه في التّساهل. فالحاكم أشدّ تساهلًا منه”.

قال الحازمي: “ابن حبّان أمكن في الحديث من الحاكم”. قيل: “وما ذُكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح، فإنّ غايته أنه يسمي الحَسَن صحيحًا. فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحَسَن في كتابه، فهي مُشاحّة في الاصطلاح. وإن كان باعتبار خفّة شروطه، فإنه يُخرِّج في الصحيح ما كان راويه ثقة، غير مدلس، سمِع من شيخه، وسمع منه الآخذ عنه، ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع، وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل، وكان كلّ من شيخه والراوي عنه ثقة، ولم يأت بحديث منكَر، فهو عنده ثقة. وله في كتاب (الثقات) كثير ممّن هذه حالُه، ولأجل هذا ربّما اعتُرض عليه في جعْله ثقات من لم يُعرف حاله، ولا اعتراض  عليه، فإنه لا مشاحة في ذلك. وهذا دون شرط الحاكم، حيث إنّ شرْط الحاكم: أنْ يُخرّج عن رواة أخرج لمثلهم الشيخان في “الصحيح”.

فالحاصل: أنّ ابن حبان وفّى بالتزام شروطه، ولم يُوفِّ الحاكم.

وأمّا عن (صحيح ابن حبّان)، فإنّ ترتيبه مخترع، فهو ليس على الأبواب، ولا على المسانيد، ولهذا سمّاه: (التقاسيم والأنواع)، وسبب ذلك: أنه كان عارفًا بالكلام والنحو والفلسفة، ولهذا تُكُلِّم فيه ونُسب إلى الزندقة، وكادوا يحكمون بقتْله، ثم نُفي من سجستان إلى سمرقند. والكشف في كتابه عسِرٌ جدًّا. وقد رتّبه بعض المتأخِّرين على الأبواب، وعمِل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافًا، وجرّد الحافظ الهيثمي زوائده على “الصحيحيْن” في مجلد.

وأمّا عن (صحيح ابن خزيمة)، فهو أعلى مرتبة من (صحيح ابن حبّان)، لشدة تحرِّيه، حتى إنه يتوقّف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد، فيقول: “إن صحّ الخبر”، أو “إن ثبت كذا”، ونحو ذلك.

وأمّا عن (موطأ الإمام مالك)، فقد صرّح الخطيب وغيره بأنّ (الموطأ) مقدّم على كلّ كتاب من “الجوامع” و”المسانيد”؛ فعلى هذا، هو بعد (صحيح الحاكم). وهو روايات كثيرة، وأكبرها: رواية القعنبي.

وقال العلائي: “روى (الموطأ) عن مالك جماعاتٌ كثيرة، وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير، وزيادة ونقص. ومِن أكبرها وأكثرها زيادات: رواية أبي مصعب.

قال ابن حزم: في (موطأ أبي مصعب) هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث.

وأمّا ابن حزم، فإنه قال: “أوْلى الكتب: “الصحيحان”، ثم (صحيح ابن السّكن)، و(المنتِقى) لابن الجارود، و(المنتقَى) لقاسم بن أصبغ. ثم بعد هذه الكتب: كتاب أبي داود، وكتاب النسائي، و(مصنّف قاسم)، و(مصنّف الطحاوي)، و”مسانيد”: أحمد، والبزار، وابني أبي شيبة: أبي بكر، وعثمان، وابن راهويه، والطيالسي، والحسن بن سفيان، والمسندي، وابن سنجر، ويعقوب بن شيبة، وعلى بن المديني، وابن أبي غرزة، وما جرى مجراها، التي أُفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صِرْفًا. ثم بعدها: الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره. ثم ما كان فيه الصحيح فهو أجلّ مثْل: (مصنّف عبد الرزاق)، و(مصنّف ابن أبي شيبة)، و(مصنّف بقيّ بن مخلد)، وكتاب محمد بن نصر المروزي، وكتاب ابن المنذر، ثم (مصنّف حماد بن سلمة)، و(مصنّف سعيد بن منصور)، و(مصنّف وكيع)، و(مصنّف الفريابي)، و(موطأ مالك)، و(موطأ” ابن أبي ذئب)، و(موطأ ابن وهب)، و”مسائل” ابن حنبل، و”فقه” أبي عبيد، و”فقه” أبي ثور، وما كان من هذا النمط مشهورًا، كـ”حديث” شعبة، وسفيان، والليث، والأوزاعي، والحميدي، وابن المهدي، ومسدّد، وما جرى مجراها. فهذه طبقة (موطأ مالك) بعضُها أجمع للصحيح منه، وبعضها مثْله، وبعضها دونه.

قال: “ولقد أحصيتُ ما في “حديث” شُعبة من الصحيح، فوجدتُه: ثمانمائة حديثًا ونيفًا مسندًا ومرسلًا يزيد على المائتيْن. وأحصيت ما في (موطأ مالك) وما في “حديث” سفيان بن عيينة، فوجدتُ في كلّ واحد منهما من المسنَد: خمسمائة ونيفًا مسندًا، وثلاثمائة مرسلًا ونيفًا. وفيه نيف وسبعون حديثًا قد تَرك مالك العمل بها، وفيها أحاديث ضعيفة وهّاها الجمهور من العلماء”.

error: النص محمي !!