مواقف علمية لبعض مفكِّري الحضارة الإسلامية
سوف أختار نموذجيْن من نماذج الفكر الإسلامي، أو علَميْن من أعلام الفكر الإسلامي كممثِّليْن للنهضة العربية في هذا الفرع من الفروع: علْم المناهج.
من المعروف تاريخيًّا: أنّ الفلسفة اليونانية تتّخذ المنطق مدخلًا لها ومقدّمة لها، بمعنى: إذا أردت أن تقرأ في الفلسفة، فعليك أن تبدأ بقراءة المنطق لتعرف دلالة الألفاظ، ولتعرف القياس وأنواع القياس، وأشكال القياس، وتعرف ما يُسمّى بالحدّ أو التعريف: متى يكون التعريف جامعًا مانعًا؟ وما هي شروطه؟ إلى آخره .
باختصار شديد، جعلوا دراسة المنطق مقدّمة طبيعية لدراسة الفلسفة؛ وهذا ما اتّفق عليه الفلاسفة قديمًا.
أ. ابن تيمية:
هذا النموذج الذي أختاره للإمام ابن تيمية بالذات، لماذا؟ لأنّ هذا الرجل قد ظُلم كثيرًا من قارئيه، سواء كان قرّاؤه محبِّين له أو كارهين له. فالذين أحبّوه ظلموه ظلمًا فادحًا حين اقتصروا في قراءتهم له على الجوانب الفقهية، وبعض فتاوى المناسبات، وأغفلوا تمامًا الجوانب المنهجية والجوانب العلمية في تراث ابن تيمية. أمّا الذين أبغضوه فقرءوه قراءة ممزوجة بأحكام مُسبَقة؛ فكانت قراءتهم له قراءة مُغرضة، فلم يُنصفوه.
تراث هذا الرجل يَنطق بعقلية ناقدة من مستوى راقٍ جدًّا. لقد تناول هذا الرجل في تراثه العقلي المنهج العلمي بوضوح كامل، وكان من أبرز القضايا التي تناولها بالنقد والتمحيص والتحليل: الفلسفة اليونانية، ومن أوائل ما تناوله في الفلسفة اليونانية: المنطق.
لقد هاجم ابن تيمية الفلسفة الأرسطية المتمثِّلة في تراث الفارابي وابن سينا، كما هاجم الغزالي والرازي في الجوانب التي تأثّروا فيها بهذا المفكِّر أيضًا. وفي منهجه النقدي لهؤلاء وأولئك، كان يوظِّف المنهج العلمي توظيفًا كاملًا. فكان يعتمد على الاستقراء الكامل لرأي مخالفيه في المشاكل الفلسفية المتعدّدة، فيجمع العناصر الفرعية لآرائهم كلّ على حِدة، ثم يربط بينها ويستنتج منها الحلول والأحكام التي يُصدرها على هؤلاء وأولئك. هذا المنهج سلَكه ابن تيمية في موقفه من الفلاسفة، ومن المتكلِّمين، ومن الصوفية.
لكن الذي يهمّنا هنا بالتحديد هو: موقف ابن تيمية من منطق “أرسطو” بالذات، لماذا؟ لأن هذا المنطق كانت تتعبّد به أوربا إلى العصور الوسطى، وكانوا يعتبرونه أزهى وأنضج ما أنتجته العقلية اليونانية، وفي نفس الوقت يعتبرون قراءته مقدّمة ضرورية لكلّ من أراد أن يقرأ فلسفة “أرسطو”؛ لكن ابن تيمية كان له وجهة نظر أخرى في منطق “أرسطو” بصفة عامة، وخاصة في أهم مبحثيْن لهذا المنطق، هما: مبحث الحدّ أو التعريف، ومبحث القياس.
نرى ابن تيمية في موقفه من منطق “أرسطو” بالذّات قد وضع كتابيْن مهميْن جدًّا؛ هذان الكتابان هما: (الرد على المنطقيِّين)، والكتاب الآخَر أسماه: (نقْض منطق أرسطو). نقْض -بالضاد- بمعنى: هدْم منطق “أرسطو”. وكشف ابن تيمية في هذيْن الكتابيْن عن قواعد منهجية كبرى، وجدناها مطبّقة تطبيقًا حرفيًّا فيما بعد لدى مفكِّري أوربا في القرن السابع عشر.
فعلى سبيل المثال: لقد نقض ابن تيمية الفكرة التي سادت في أوربا عصورًا طويلة وهي القائلة بأنّ منطق “أرسطو” هو الأداة أو المنهج العلمي الذي يجب تحصيله كشرط أساسي لكسب المعرفة في شتى مجالاتها، في مختلف فروع الدراسة. وبعد أن استقرأ ابن تيمية هذا المنطق وجد: أنّ الحاذقين -وهذه عبارة ابن تيمية، أيها الإخوة- في العلوم الطبيعية والطبية والفلَك والرياضيات قبل “أرسطو” لم يستعينوا بهذا المنطق، ولم يعرفوه ولم يوظِّفوه، حتى إنّ أبا الطب “أبقراط” له كلام في الطب مقبول من جميع الأطباء، ولم يستخدم هذا المنطق ولم يوظّف قضاياه ولم يتعرّف عليه. وقد وجدنا مصداق ذلك بالتجارب، ومع ذلك فإن أحدًا من هؤلاء العلماء لم يستخدم منطق “أرسطو”؛ فكيف يقال: إنّ هذا المنطق شرط ضروري لكسب المعرفة أو لتحصيل المعرفة؟!
نقطة أخرى انتقل إليها ابن تيمية؛ حيث فطن إلى: أنّ منطق “أرسطو” ليس في الحقيقة إلا تحصيلًا لمعلومات موجودة في الذهن الإنساني؛ فهو لا يضيف علمًا جديدًا أبدًا، بل يأخذ المعارف من العقل الإنساني ويعيد تكرارها. وأحسن ما يُقدِّمه المنطق: أنه يُستخدم في عرْض المعلومات التي نكون قد اكتسبناها من قبل؛ فهل أضاف هذا المنطق معلومات جديدة إلى شخص العارف، إلى شخص الإنسان؟ أبدًا.
ثم يقرِّر ابن تيمية: أنّ علماء الطب والحساب والنحو والهندسة وأهل العلوم المختلفة لم يستعن واحد منهم في مؤلّفاته بالحدود المنطقية، وأنّ القياس الأرسطي الذي وضعوه وحدّدوه لا يُعلم بمجرّده شيء من العلوم الكلية الثابتة في الخارج. ثم ينتهي ابن تيمية إلى تقرير حقيقة منطق “أرسطو” حيث يقول: “أما بعد، فإني كنت دائمًا أعلم أنّ المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به الغبي”: هذا حُكم ابن تيمية على منطق “أرسطو”. ثم يشرح كيف أن هذا المنطق لا يُضيف علمًا جديدًا إلى الشخص. فهو يوقف حركة التقدم العلمية، ولا يدعو إلى تقدّم العلوم، لأنّ جوهر منطق “أرسطو” قائم على ما يُسمَّى بالقياس، والقياس هذا له أشكال متعدِّدة. فإذا أخدنا قضية منطقية مثل: “كل الطّلبة ناجحون”: هذه تسمَّى قضية كلية. هذه القضية الكلية إذا كانت صادقة فكيف أعلم أنّ هذه القضية صادقة في ذاتها: “كلّ الطّلبة ناجحون”؟! لكي أتأكّد من صدْق هذه القضية، لا بد أن أستقرئ أفراد الطلاب فردًا فردًا طالبًا طالبًا: أسأل هذا وهذا وهذا هل نجحت؟ فيقول: نعم. هل نجحت؟ يقول: نعم. هل نجحت؟ يقول: نعم، لأصِل في النهاية إلى أن أحْكم على الجميع بهذا الحُكم: “كل الطلبة ناجحون”. فإذا تخلّف واحد منهم ولم يكن ناجحًا، فإنّ القضية الكلية لم تكن صادقة.
وهنا يطرح ابن تيمية سؤالًا يفنِّد به هذا القياس: هل صِدْق القضية الكلية القائلة بأنّ “كل الطلبة ناجحون” ذاتيّ فيها؟ أم متوقف على استقراء أفرادها؟ هذا هو السؤال. في الحقيقة نجد أنّ صدْق القضية الكلية متوقّف على صدق القضايا الجزئية -قضايا الأفراد- فإذا تخلّف فرد واحد لم تكن القضية الكلية صادقة. ويخرج ابن تيمية من هذا التحليل إلى القول بأنّ صدق القضايا الكلية في منطق “أرسطو” ليس ذاتيًّا فيها، وإنما متوقّف على القضايا الجزئية. والنتيجة الموجودة في القياس، حين أقول: “كلّ الطلبة ناجحون”، ومحمد طالب، تكون النتيجة إذن: “محمد ناجح”؛ إذًا نجاح محمد هذا هل هو علم جديد؟ هل هي إضافة علمية إلى العقل؟ أم أنّ نجاح محمد متضمّن في قولنا: “كل الطلبة ناجحون”؟ بالتأكيد حين أقول: “كل الطلبة ناجحون” فإن هذا الحكم يشمل فيما يشمل محمدًا؛ إذن كأن النتيجة التي أخرُج منها في هذا القياس لا تضيف علمًا جديدًا؛ ولذلك قال ابن تيمية: إن منطق “أرسطو” منطق عقيم لا يضيف علمًا جديدًا، وإنما يُكرّر معلومات مختزنة في الذهن. فإذا صدقت القضايا الجزئية صدقت القضية الكلية، وصدْق القضية الكلية ليس ذاتيًّا فيها، وإنما هو مستمد من القضية الجزئية؛ ولذلك قال: إن هذا المنطق لا يستفيد منه الذكي.
موقف ابن تيمية من هذا المنطق تُرجم إلى اللغات اللاتينية، ووقف الفلاسفة -خاصة فلاسفة الشك “ديفيد هيوم”، “جون ستيوارت ميل”- وقفوا على موقف ابن تيمية، أو فهموا موقف ابن تيمية من منطق “أرسطو”، وعرفوا ما فيه، وبدءوا يوجِّهون سهام النقد إلى منطق “أرسطو” بعد أن وقفوا على رأي ابن تيمية في هذا المنطق، حتى إننا لنجد -كما صرَّح بذلك بعض من أرَّخوا لتاريخ الفكر العربي والفكر الفلسفي. قالوا: إننا نجد قضايا ابن تيمية وربما أحيانًا ألفاظ ابن تيمية مكتوبة بحروف لاتينية عند فلاسفة الشك.
وبدأت حركة النقد لمنطق “أرسطو” من هذا التاريخ؛ حيث تخلّصت أوربا من سيطرة منطق “أرسطو” على فكرها الذي كانت تتعبّد به، وبدأت تظهر في الحضارة الأوربية وفي تاريخ الفلسفة الأوربية أسماء لمنطق جديد، كالمنطق الرياضي، المنطق الشكلي، المنطق الصُّوري، على حساب أو على أنقاض منطق “أرسطو”.
هذا موقف لفيلسوف أو لمفكَّر، ربما لا يُعرف ابن تيمية في دوائر الفكر الإسلامي إلا أنه مفكِّر دينيّ أو مفكِّر سلفيّ، وللأسف الشديد، تغافل الشباب أو تغافل المسلمون عن قراءة هذا الجانب في تراث ابن تيمية.
إذا تركنا موقف ابن تيمية من منطق “أرسطو” لِنرى ما يقول “ديكارت” في القرن السابع عشر عن هذا المنطق، لم نجد لديه جديدًا أكثر ممّا قاله ابن تيمية قبل ذلك بثلاثة قرون؛ لقد قال “ديكارت”: إن القياس يُستخدم بالأحرى لكي يُفسِّر المرء للآخَرين الأشياء التي يعلمونها، بدلًا من أن يكشف لهم عن معلومات يجهلونها، أو يكشف لهم عن تلك التي يجهلونها؛ ولذلك فمن واجب المفكِّرين أن يقلعوا عن استخدام القياس على النحو الذي كان يفعله أتباع “أرسطو” في القرن السابع عشر. هذا ما قاله “ديكارت” عن منطق “أرسطو” بعد ما قاله ابن تيمية بثلاثة قرون عن هذا المنطق. و”أوجست كونت” عالِم الاجتماع المشهور كان يردِّد ما قاله ابن تيمية عن منطق “أرسطو”.
أما في القرن الثالث عشر الذي كانت علوم العرب ما زالت تغزو فيه أوربا، فإننا نجد مفكرًا كبيرًا وعالِمًا من علماء الرياضيات مثل: “روجر بيكون” يدعو معاصريه ألا يصبّوا لعناتهم على علوم الرياضة، ولا علوم الطبيعة، ولا الملاحظات والتجارب، بدعوى أنها علوم عربية إسلامية. أخي القارئ الكريم، اقرأ هذه العبارة مرة ثانية ماذا يقول “روجر بيكون”؟ إنه يدعو العلماء في عصره، يدعو معاصريه وتلامذته ألا يصبّوا لعناتهم على الرياضة، ولا على علوم الطبيعة، والملاحظات والتجارب. لماذا يلعنونها؟ بدعوى أنها علوم عربية وإسلامية. بل عليهم أن يفسحوا المجال لها، إيمانًا بأن ذلك هو الطريق إلى منهج جديد تنهض به أوربا. هذا ما قاله “روجر بيكون” في القرن الثالث عشر عن العلوم العربية والإسلامية التي انتقلت إلى أوربا. وعلينا أن نعلم: أن “روجر بيكون” هذا هو الذي لقبه “رينان” بأنه الأمير الحقيقي للفكر الأوربي، عالِم الرياضيات المشهور. هذا ما صرّح به “روجر بيكون” عن العلم العربي والعلوم الإسلامية، وموقف أوربا من هذه العلوم حين كانوا يلعنونها بدعوى أنها علوم عربية.
ب. ابن خلدون:
إذا انتقلنا إلى عالِم آخَر كابن خلدون مثلًا، فبالإضافة إلى أنّ الكلّ يعلم أنّ ابن خلدون أوّل مَن أسس علْم الاجتماع، أسّسه على منهج علمي سليم قائم على الاستقراء، استقراء أحوال البلاد، وظروف البلاد الطبيعية والثقافية والحضارية، فإن ابن خلدون بالإضافة إلى ذلك قد اهتدى إلى أنّ هناك نوعيْن من الاستقراء: أحدهما أسماه: الاستقراء الفطري، والآخّر أطلق عليه اسم: الاستقراء العلْمي. وهذه الفكرة نفسها قد وجدناها مطبّقة تطبيقًا حرفيًّا عند “كلود برنارد” في القرن التاسع عشر.
وشرح كلّ من ابن خلدون و “كلود برنارد” هذيْن النوعيْن من الاستقراء شرحًا يكاد يكون حرفيًّا عند هذيْن العالِمين. فرغم اختلاف الاستقراء الفطري عن الاستقراء العلمي كما هو معروف، إلا أنّ كلًّا من هذيْن النوعيْن من الاستقراء يُعتبر منهجًا صحيحًا لكسب المعلومات الجديدة التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق القياس الأرسطي.
يرى ابن خلدون -وهو يشرح الاستقراء الفطري: أن هذا الاستقراء عبارة عن المعاني التي نستخدمها في حياتنا العملية، دون أن نشعر بها أو نحسّ بأنها إحدى خطوات المنهج العلمي، أو نشعر بأنها من المعاني التي اكتسبناها عن طريق الخبرة الزمنية. وهذه المعاني لا تبعد عن الشعور، ولا نلتفت إليها بشيء من التعمق، بل كلّها تدرَك بالتجربة وبها تستفاد، التي هي عبارة عن الخبرة الزمنية التي يكتسبها الواحد منا، أو التي عبّر عنها المثل المصري المعروف: “أكبر منك بيوم، يعرف أكثر منك بسنة”. الخبرة الزمنية المكتسبة عند الإنسان هي عبارة عن معانٍ جزئية تتعلّق بالمحسوسات، وصدْقها وكذبها يظهر قريبًا من الواقع الذي نعيش فيه. وعن طريق تكرار هذه المواقف يومًا بعد يوم، نكوِّن لأنفسنا معارف يقينية، دون أن نحسّ بها أو دون أن نقصدها أو نسعى إليها. هذا يسميه ابن خلدون بالقياس الفطري.
وفي هذا النص الذي أشار إليه ابن خلدون هو نفس الخطوات تقريبًا التي نجدها مطبّقة في المنهج الاستقرائي الذي أشار إليه “كلود برنارد” وهو يُبيِّن لنا خطوات المنهج الاستقرائي الفطري؛ حيث يجمع المرء الوقائع الجزئية عن طريق التجارب اليومية، ثم يضع فروضًا تكاد تكون غير شعورية، ثم يتحقّق من صدْقها أو كذبها بالواقع المعيش، ليس عن طريق القصد وإنما عن طريق المعايشة اليومية. وما سمّاه ابن خلدون بالاستقراء الفطري هذا هو ما أطلق عليه “كلود برنارد” أو ما سمّاه “كلود برنارد” بالخبرة العملية غير الشعورية، التي يكتسبها المرء بمباشرة الأشياء في حياته اليومية، ومع ذلك فمن الضروري أن تكون هذه المعرفة المكتسبة بهذا الطريق مصحوبة بلون من التفكير الغامض الذي يحسّه المرء أحيانًا، ولا يحسّ به أحيانًا أخرى. هذه خطوات للمنهج الاستقرائي الفطري الذي وجدناه عند ابن خلدون وعند “كلود برنارد”. كل ما في الأمر: أن ابن خلدون أسماه: استقراءً فطريًّا، و”كلود برنارد” أسماه: خبرة عملية غير شعورية، نفس المعنى عند الاثنيْن.
هذه بعض النماذج التي طرحْتُها على حضراتكم من مواقف علمية لبعض مفكِّري الحضارة الإسلامية والحضارة العربية. وهناك الكثير والكثير التي تمتلئ بها بطون الكتب عن فضل العرب على الحضارة الأوربية المعاصرة. وينبغي أن نعلم: أن انتقال الحضارة العربية والإسلامية إلى أوربا ارتبطت به النهضة الأوربية المعاصرة.
ومن المفيد أن نعلم: أنّ مفكِّرًا أو فيلسوفًا كبيرًا كابن رشد كانت أوربا تسمِّي علْمه بالعلْم الشيطاني. وهو كان طبيبًا، وعالِم فلَك، وفيلسوفًا، ومفكرًا كبيرًا. وترجمة الحضارة الإسلامية إلى اللغات اللاتينية المختلفة في العصور الوسطى كان بداية طبيعية لنهضة أوربية؛ يعيش العالَم كلّه هذه النهضة ويَجنى ثمرتها إلى الآن؛ فمن الجحود أن نُنكر فضل العرب. وليس من المنهج العلمي ولا من الإنصاف: أن نُنكر أثر الحضارة الإسلامية والحضارة العربية على أوربا كلّها. وإذا وجدنا من يردَّد هذه الأمور، أو يكرر ذلك من المستشرقين، فينبغي أن نعلم أنّ هناك أيضًا نوعًا آخَر من المستشرقين فضّلوا الإنصاف، وفضّلوا أن يقرءوا التراث العربي بعين موضوعية وبروح علمية جادة، فأنصفوا العرب، وأنصفوا تاريخ المسلمين، وأنصفوا الحضارة الإسلامية ممّا شانها من دعاوى هؤلاء المستشرقين.