Top
Image Alt

موضوع علم التخريج

  /  موضوع علم التخريج

موضوع علم التخريج

إن موضوع علم التخريج الذي يبحث فيه هو موضوع الحديث الشريف، ضرورة أنه الوسيلة للتعرف على موطنه من شتى مصادر السنة المعتبرة، فموضوع التخريج هو الأحاديث النبوية، والمراد بالأحاديث النبوية: هو كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه  وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلُقية أو خِلقية في الحركات في السكنات وفي اليقظة وفي المنام، وما أضيف إلى الصحابي على أنه حديث موقوف، وكذلك ما أضيف إلى التابعي من قول أو فعل ليس للاجتهاد فيه نصيب، وهو ما يعرف بالحديث المقطوع؛ فالحديث إذا رفع إلى رسول الله صلى الله عليه  وسلم كان مرفوعًا وإذا توقف عند الصحابي -أي: كان من كلام الصحابي وليس فيه مجال للرأي- يكون في حكم المرفوع؛ أما إذا كان كلامًا خاصًّا به فهو يكون حديثًا موقوفًا؛ وإذا كان من كلام التابعي يكون حديثًا مقطوعًا كما سبق أن بينا ذلك.

قال الشيخ حسن المدابغي في “حاشيته على فتح المبين” ما نصه: الموقوف لا يخلو، إما يكون ذلك الموقوف لا يقال مثله من قبل الرأي أو يقال؛ فإن كان الأول فهو في حكم المرفوع؛ فلا ريبَ في دخوله في الحديث؛ وإن كان الثاني فينبني ذلك على أن الحديث هل يطلق على الموقوف؟ وفيه خلاف معروف، والجمهور أنه لا يطلق إلا على المقيد، أي: أنه لا يطلق إلا مقيدًا.

أما منزلة علم التخريج: فهو من أشرف العلوم؛ إذ يتوصل به إلى معرفة الأحاديث ودرجتها، تلك الأحاديث التي هي الأصل الثاني للتشريع ومناط الأحكام وبها يعرف الحلال من الحرام، وهي التي تفجرت منها بحار العلوم الفقهية، وتزينت بجواهرها التفاسير القرآنية، والشواهد النحوية، والدقائق الوعظية، والعقيدة الإيمانية، وهي التي تسلك بصاحبها نهج السلامة، وتكون سببًا في إحلاله دار الكرامة، وهي مرجع الأصولي وإن برز في فنه، والفقيه وإن برز في فقهه.

وفائدة علم التخريج فائدة كبيرة ذكرنا سابقًا بعضها، ويقول الدكتور عبد الموجود عبد اللطيف في كتابه (كشف اللثام عن أسرار تخريج أحاديث سيد الأنام صلى الله عليه  وسلم): فائدة علم التخريج: هي وضع يد الباحث على الحديث الذي يريده بسرعة ويسر من مواقعه في مصادره المعتبرة المتنوعة عند أئمة الحديث، مع معرفة درجته التي قررها له العلماء؛ كما يساعده على الإحاطة بكثير من الأحاديث، وهي ذخيرة المحدث في هذه المصادر المختلفة، وبمعرفة مذاهب العلماء ومناهجهم فيها من حيث التأليف والحكم على الأحاديث بما يقتضيه من صحة أو حسن أو ضعف أو وضع بعد معرفة أحكامهم على الرجال، وغير ذلك من الأمور.

وبالجملة: فهو العلم الذي ينمي مدارك المحدث ويوسع آفاقه، ويجعله على معرفة قوية بكل ما يتصل بجوانب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم من علوم ومعارف.

هذا؛ وإن من تمام تخريج الحديث ذكر راويه الأعلى عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم عند تعدد رواته ثم بيان درجته، والصحابة الذين رووا حديث رسول الله صلى الله عليه  وسلم كثيرون وتفرقوا في الأمصار؛ فصار في كل بلد أحاديث ولكل أهل بلد مؤلفات؛ من أجل ذلك كانت الحاجة ماسة إلى تعلم هذا العلم وهو التخريج؛ حتى نخرج الحديث من مصادره، ومن شتى الكتب التي جاء فيها، ومن كل البلاد التي تفرق فيها الأصحاب.

ومن هم الأصحاب، أو من هو الصحابي؟

الصحابي: هو من رأى رسول الله صلى الله عليه  وسلم مسلمًا ومات على الإسلام، يعني: آمن وأسلم واستمر على إسلامه حتى مات؛ فإذا ارتد حبطت صحابيته ولا يعد من الصحابة؛ وإذا رجع إلى الإسلام بعد ردته ننظر هل رجع في حياة النبي صلى الله عليه  وسلم أم بعد وفاة النبي صلى الله عليه  وسلم إن رجع من ردته في حياة النبي صلى الله عليه  وسلم رجعت إليه الصحبة؛ أما لو رجع عن الردة عن الإسلام بعد موت النبي صلى الله عليه  وسلم فلا ترجع إليه الصحبة، ويكون من التابعين أو يكون من المخضرمين، وهم الذين عاصروا عصرين عصر الجاهلية وعصر الإسلام.

والتابعي: هو الذي رأى الصحابي مسلمًا ومات على الإسلام، والفرق بين الصحابي والتابعي: أن الصحابي من رأى الرسول صلى الله عليه  وسلم مسلمًا ومات على الإسلام، وأن التابعي من رأى الصحابي مسلمًا ومات على الإسلام.

تفرق الصحابة في الأمصار الإسلامية:

وهذا هو الذي دعانا إلى علم التخريج، تلقى المسلمون الأولون دعوة النبي صلى الله عليه  وسلم كما يتلقى الظمآن الماء الزلال؛ فما يكاد صلى الله عليه  وسلم يفعل فعلًا أو ينتهي من قول إلا وقد انطبع ذلك في نفوسهم، ووعته ذاكرتهم، وحفظته أذهانهم، ولا عجب في ذلك؛ فقد كان للعرب أمة يضرب بها المثل في الذكاء وصفاء الطبع، وحسبك أن تعلم أن رءوسهم كانت دواوين لشعرهم، وأن أذهانهم كانت سجل أنسابهم ووقائع أيامهم؛ فلما جاء الإسلام أرهف فيهم هذه القوى بما أفاد طباعهم من صقل، وقلوبهم من طهر، وعقولهم من إنارة وسمو؛ فكانوا على أوفر حظ من صفاء الذهن وقوة الحفظ؛ ولا سيما إذا كان ما يسمعونه هو أصدق الحديث وأحسنه كتابُ الله تعالى، أو ما يروونه أو يسمعونه من خير البرية صلى الله عليه  وسلم.

ومن البدهي أن علم تخريج الحديث ما كان لينمو إلا في ظل تدوين السنة المشرفة وتصنيفها؛ فلم يكن ليظهر في حياة المعصوم صلى الله عليه  وسلم ضرورة أن الدين لما يكتمل، وأن الوحي ما زال ينزل، كذلك ما كان له أن يظهر في تلك الفترة التي تلت وفاته صلى الله عليه  وسلم لأن الحديث عنه موزع بين الصحابة رضي الله  عنهم وما بين مكتوب في السطور أو محفوظ في الصدور، وكذلك فإن غالبيتهم قد رحلوا إلى أماكنَ شتى من أرض الله دعاةً وفاتحين؛ فكانوا بالجزيرة ومكة والطائف واليمامة واليمن والبحرين ومصر والشام والكوفة والبصرة وخُراسان والمدائن، كما كان منهم بأصبهان وبرقة وسمرقند وسجستان.

قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي المتوفى 327-: ثم تفرقت الصحابة رضي الله  عنهم في النواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البُلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام؛ فبث كل واحد منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم وحكموا بحكم الله عز وجل وأمضوا الأمور على ما سَنَّ رسول الله صلى الله عليه  وسلم وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله صلى الله عليه  وسلم عن نظائرها من المسائل، وجردوا أنفسهم مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله عز وجل.

وتبعًا لما أسلفنا؛ فإن هذا العلم ما كان له أن يظهر والحالة هذه؛ فقد أصبح في كل مصر منها الأحاديث ما قد تنفرد به عن غيرها من الأمصار، ضرورة أن الصحابة رضي الله  عنهم لم يكونوا في الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه  وسلم سواء؛ فكان منهم المكثر ومنهم المقل؛ نظرًا لاختلاف ظروفهم وأحوالهم، ولقد قال صلى الله عليه  وسلم: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين؛ وإنما أنا قاسم والله عز وجل يعطي)).

والدليل على أن كل بلد فيها علم غير البلد الأخرى، وأن الصحابة بعضهم عنده علم ليس عند الصحابي الآخر، وبعضهم عنده الكثير الكثير وبعضهم مقل: ما حدث من أبي جعفر المنصور عندما طلب من الإمام مالك بن أنس أن يؤلف كتابًا يوطئه للأمة؛ ليجمع الأمة على ذلك الكتاب، فقام الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فألف كتابه (الموطأ) وقدمه للمنصور؛ فأعجب به المنصور وهمَّ أن يحمل الأمةَ كلها على أن تعمل بذلك الكتاب، وأن تتمذهب بالمذهب المالكي نسبة إلى هذا الإمام مالك بن أنس، رفض الإمام مالك بن أنس هذه الرغبة من المنصور، وقال له: يا أمير المؤمنين، إن صحابة رسول الله صلى الله عليه  وسلم تفرقوا في البلاد والأمصار؛ ففي اليمن علم ليس في الحجاز، وفي الحجاز علم ليس في مصر، وفي مصر علم ليس في الشام؛ فدعهم يختلفوا يا أمير المؤمنين؛ فإن اختلافهم رحمة.

هذا يدل على أن العلماء والصحابة تفرقوا في الأمصار، وفي كل بلد علمٌ ليس في البلد الآخر، والكل من رسول الله صلى الله عليه  وسلم بعد ذلك كان علم التخريج.

error: النص محمي !!