موقف ابن سلول المنافق من بني قينقاع وخروجهم من المدينة
فمر بهم عبد الله بن أبي بن سلول وقال: حلوهم. فقال المنذر: أتحلون قومًا ربطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يحلهم رجلٌ إلا ضربت عنقه.
فتوجه عبد الله بن أبي بن سلول إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا محمد أحسن في موالي، وكان بنو قينقاع من الذين حالفوا الخزرج، فإن الفئات الثلاثة من اليهود في المدينة بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة حالف بنو قينقاع الخزرج وحالف بنو النضير وبنو قريظة الأوس.
هنا أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن أُبي بن سلول لما طلب منه ذلك فكرر عليه، وقال يا محمد: أحسن في موالي أربعمائة دارع وثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر منعوني من الأحمر والأسود وإني امرؤ أخشى الدوائر، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأدخل يده في جيب درع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ويحك أرسلني، فقال: لن أرسلك حتى تحسن في موالي، فقال: هم لك على أن يخرجوا من المدينة، فخرجوا على أن تكون أموالهم للمسلمين.
ولم يكن أمر بنو قينقاع في الزراعة وإنما كان في الصناعة، وقد تركوا آلات كثيرة وأسلحة كثيرة وراءهم، وقد آل ذلك كله للمسلمين.
وهنا رأينا كيف تشبث عبد الله بن أبي بن سلول في شفاعته لهم حتى وهبهم النبي صلى الله عليه وسلم له لأنه كما عرفنا رجل لم يكن مؤمنًا كامل الإيمان وإنما رأس الكفر والنفاق في المدينة، وهذا ما جعله يرتاع لأمر بني قينقاع، ويتشبث حتى ينال الأمان لهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان عبد الله بن أبي بن سلول على هذا الأمر من التشبث في الدفاع عن هؤلاء الكفرة من اليهود، فإن موقفًا آخر لرجلٍ من الخزرج هو عبادة بن الصامت الذي كان له من حلف اليهود مثل ما كان لابن سلول، ولكنه رجلٌ مؤمن كامل الإيمان لم يكن موقفه منهم كموقف ابن سلول وإنما خلعهم وتبرأ إلى الله عز وجل منهم وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، ونزلت آيات سورة المائدة تؤكد هذين الموقفين موقف الكفر والنفاق وموالاة أعداء الله وموقف الإيمان الصادق الذي ظهر من عبادة بن الصامت رضي الله عنه، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين} [المائدة: 51-52]، وتمضي الآيات وتذكر أن الولاية الحقة لله ولرسوله وللمؤمنين يقول الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} [المائدة: 55-57].