Top
Image Alt

موقف الخلفاء الرّاشدين وبعض الصحابة مِن كتابة الحديث

  /  موقف الخلفاء الرّاشدين وبعض الصحابة مِن كتابة الحديث

موقف الخلفاء الرّاشدين وبعض الصحابة مِن كتابة الحديث

أ. أبو بكر الصِّدِّيق  رُوي عنه الأمْران:

1. الكراهة:

قالت عائشة : “جمَع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلّب كثيرًا. قالت: فغمّني. قلت: أتتقلب لشكوى، أو لشيء بلَغَك؟ فلمّا أصبح قال: أي بُنيَّة! هلمِّي الأحاديث التي عندك! فجئتُه بها، فدعا بنارٍ فحرّقها. فقلت: لِمَ أحرقتها؟ قال: خشيتُ أن أموت وهي عندي، فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ووثقتُ به ولم يكن كما حدّثني، فأكون قد نقلتُ ذلك”.  زاد ابن كثير في “مسند الصِّدِّيق: “ويكون قد بقي حديث لمْ أجدْه، فيقال: لو كان رسول الله”.

فالسبب إذًا هو: خشية أنْ يحدِّث بالخطأ، وكذلك خشْية أن يكون سببًا في ردّ بعض الأحاديث لِعدم روايته لها، وذلك لشِدّة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم.

وهذه الرواية ليست ثابتة؛ قال الذهبي: “فهذا لا يصحّ -والله أعلم-“. وقال ابن كثير: “هذا غريب مِن هذا الوجْه جدًّا، وعليّ بن صالح لا يُعرف”. وقال المعلّمي: “وفي السّند غيْره ممّن فيه نظَر”.

2. الإباحة:

  1. ثبت في البخاري: أنه كتب لأنس كتابًا، وكان عاملُه على البحرين، وفيه فرائض الصدقة التي فرضَها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين.
  2. كما أرسل كتابًا إلى عمرو بن العاص، وذكَر فيه بعض الأحاديث النبوية.

ب. عمر بن الخطاب  روي عنه الأمران:

1. الكراهة:

  1. روى عروة بن الزبير: أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السّنن، فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشاروا عليه أنْ يكتبها، فطفق عُمر يستخير الله فيها شهرًا، ثم أصبح يومًا، وقد عزم الله له، فقال: “إني كنت أردتُ أنْ أكتب السّنن، وإني ذكرت قومًا كانوا قبْلكم كتبوا كتبًا فأكبُّوا عليها وتركوا كتاب الله تعالى. وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدًا”. وهي رواية ضعيفة، للانقطاع بين عروة وعمر.
  2. عن يحيى بن جعدة: أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السُّنّة، ثم بدَا له ألاّ يكبتها. ثم كتب في الأمصار: “مَن كان عنده منها شيء فلْيَمْحُه”. وهذه رواية ضعيفة، للانقطاع بين يحيى وعمر.
  3. روى الشعبي عن قَرَظة بن كعب قال: بعث عمر بن الخطاب رهطًا من الأنصار إلى الكوفة، فبعثني معهم، فجعل يمشي معنا حتى أتى صرار -ماء في طريق المدينة- فجعل ينفض الغبار عن رجلَيْه، ثم قال: “إنكم تأتون الكوفة، فتأتون قومًا لهم أزيز بالقرآن، فيأتونكم فيقولون: قدم أصحاب محمد! قدم أصحاب محمد! فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث… فأقِلُّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم فيه”، رواه الدرامي.

وهذه الرواية فسّرها الدارمي فقال: “معناه عندي: الحديث عن أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس السّنن والفرائض”. ويؤيِّده ما روي مرسلًا عن عُمر أنه قال: “أقِلّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ فيما يعمل به”.

2. الإباحة:

ثبت عنه كتابة السُّنّة في غيْر ما حادثة:

  1. كتب إلى عتبة بن فرقد بأذربيحان بأشياء عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني: أحاديث.
  2. وكتب إلى أبي عبيدة بحديث.
  3. ويبدو أنه جمَع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الخاصّة بالصَّدقات في رسالة واحدة، وهذه حفظها عبد الله ابنه، وكان نافع يقرؤها عليه.

ج. عثمان بن عفّان:

لم نقف على رواية عنه في هذا الباب.

د. عليّ بن أبي طالب:

رُوي عنه الأمْران:

1. الكراهة:

قال: “أعزم على كلِّ مَن كان عنده كتاب إلاّ رجع فمحاه؛ فإنّما هلك الناس حين اتّبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم”، وإسناده ضعيف.

2. الإباحة:

كان لدَيْه صحيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفظ بها في قراب سيْفه، فيها أشياء من السُّنّة، وفيها فرائض الصّدقة. كما كان يحثّ على كتابة العلْم.

امتناع بعض الصّحابة في هذه الفترة عن كتابة الحديث، وسبب امتناعهم:

كره بعض الصّحابة كتابة الحديث لسبب أو لآخر، وسوف نذكر هنا بعضًا منهم، سوى الخلفاء الراشدين؛ فمنهم:

عبد الله بن مسعود، فعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن: صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت: بيت النبي صلى الله عليه وسلم. فأستأذنّا على عبد الله، فدخلنا عليه. قال: فدفعنا إليه الصحيفة، قال: فدعا الجارية، ثم دعا بطست فيه ماء. فقلنا له: يا أبا عبد الرحمن، انظر فيها! فإنّ فيها أحاديث حِسانًا. قال: فجعل يميثها فيها ويقول: {نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3]، القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بما سواه!”.

إلاّ أنّ هناك رواية تنصّ على أنّ ما في الصحيفة كان من كلام أبي الدرداء وقصصه. وفي رواية قال أحد الرواة: “يُروى أنّ هذه الصحيفة أُخذت من أهل الكتاب، فلهذا كرِه عبد الله النظر فيها”. ولا يمكننا أنْ نجزم بأنّ ما في تلك الصحيفة كان مِن القصص أو ممّا أُخذ عن أهل الكتاب؛ لأنه ثبت عن الأسود بن هلال أنه قال: “أُتي عبد الله بصحيفة فيها حديث، فدعا بماء فمحاها، ثم غسلها، ثم أمر بها فأُحرقت. ثم قال: أُذكِّر الله رجلًا يَعلَمها عند أحد إلاّ أعلمني به. والله لو أعلم أنها بدير هند لَبلغتها. بهذا أُهلِك أهل الكتاب قبْلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون”.

إنّ تصرُّف ابن مسعود على أنه خشِيَ أنْ يشتغِل الناس بكتابة السُّنّة ويَدَعُوا القرآن، أو أنْ يَشْتغلوا بغير القرآن الكريم. ونراه يَكتب بعض السُّنّة بِيَده، حين زالت علّة المنْع؛ فعن مسعر، عن معن، قال: “أخرج إليّ عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كتابًا، وحلف لي أنه خطّ أبيه بيده”.

وأبَى زيد بن ثابت أنْ يكتب عنه مروان بن الحَكم، وقال: “لعلّ كلّ شيء حدّثتُكم به ليس كما حدّثْتُكم”، وفي رواية قال: “إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَنا أنْ لا نَكتب شيئًا مِن حديثه”.

وكذلك أبَى أبو هريرة أنْ يَكتب عنه كاتبُ مروان بن الحَكم، وكان أحيانًا يقول: “إنّ أبا هريرة لا يكتم، ولا يَكتب”. وفي رواية: “نحن لا نَكتُب ولا نُكْتِب”.

وقال ابن عباس: “إنّا لا نَكتُب العلْم ولا نُكْتِبه”. وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه كان ينهَى عن كتابة العلْم، وقال: “إنّما ضلّ مَن كان قبْلَكم بالكُتب”.

وقد تمسّك أبو سعيد الخدري بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه في النّهْي عن كتابة غير القرآن، وأبَى أن يُكتِبَ أبا نضرة حين قال له هذا: ألا تُكْتبنا؟ فإنّا لا نحفظ! فقال أبو سعيد: “لا. إنا لنْ نُكْتِبكم، ولن نجعله قرآنًا! ولكن احفظوا عنّا كما حفظنا نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

ويُروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يكره كتابة الحديث، رُوي عن سعيد بن جبير أنه قال: “كنا نختلف في أشياء فنَكتبها في كتاب، ثم أتيت بها ابن عمر أسأله عنها خفيًّا؛ فلو علِم بها كانت الفيصل بيني وبينه”.

وكرِه أبو موسى أنْ يَكتب ابنه عنه؛ مخافةَ أن يزيد أو ينقص، ومحا ما كتبه بالماء. وفي رواية: قال: “افحفظوا عنا كما حفظنا”. وفي رواية عنه، أنه قال: “إنّ بني إسرائيل كتبوا كتابًا واتّبعوه، وتركوا التوارة”.

هؤلاء معظم الذين كرهوا كتابة الحديث في الصّدر الأوّل.

سبب امتناع المُمتنِعين:

وذلك يعود إلى أسباب كثيرة، منها:

أولًا: خشية انشغال الناس بها وانصرافهم عن القرآن؛ وَرَدَ ذلك عن علي، وأبي سعيد، وابن مسعود، وابن عباس.

ثانيًا: خشية أن تختلط بالقرآن؛ ورد ذلك عن عمر.

ثالثًا: خشية الاتّكال على الكتاب، والترغيب في حفْظ العلْم؛ جاء ذلك عن أبي سعيد وأبي موسى.

رابعًا: خشية أن يكون نسِي فيحدث خَطًا، كما ورد عن زيد بن ثابت.

خامسًا: عدم الاطّلاع على إذْن النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة بعد نَهْيه.

سادسًا: أنهم امتنعوا عن التدوين وأحرقوا ما دوّنوا؛ مخافةَ أنْ يَعتقد مَن بَعْدهم أنهم بذلوا كلّ الجهد وأمكنهم استيعاب كل السُّنّة -كما فعلوا في القرآن- وجمعوها في هذا الكتاب المُدوّن، ويعتقد أنّ ما عداه ليس مِن السُّنّة.

قال الخطيب البغدادي: “إنّ كراهة الكتاب في الصّدر الأوّل، إنما هي لئلاّ يُضاهَى بكتاب الله تعالى غيْره، أو يُشتغَل عن القرآن بِسواه… والنهي عن كَتْب العلم في صدر الإسلام وجدْتُه لِقِلّة الفقهاء في ذلك الوقت، والمميِّزين بين الوحي وغيره؛ لأن أكثر  الأعراب لم يكونوا فَقهوا في الدِّين، ولا جالسوا العلماء العارفين، فلم يُؤمَن أن يُلحقوا ما يجدون مِن الصّحف بالقرآن، ويعتقدوا أنَ ما اشتملت عليه كلام الرحمن”.

error: النص محمي !!