موقف بني قريظة، والتحرّي عن موقفهم
أ. موقف بني قريظة:
لما طال المقام، تشاور أبو سفيان مع حيي ابن أخطب؛ ففكّر حيي في أن يُدخل يهود “بني قريظة” مع الأحزاب في هذا القصد، فسعى إليهم، ولما توجه إلى دور “بني قريظة”، واستأذن على كعب بن أسد حتى يدخله مع الناس، ولكن كعبًا أبى في أول الأمر في أن يجيب حُيَيًّا إلى هذا الطلب، واستمسك بعهده مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبخاصة أنه رأى ما حدث لـ: “بني قينقاع”، و”بني النضير”، ولكن حُييًا ما زال به يغريه حتى استجاب هذا الرجل، ونقض عهد بني قريظة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وهنا عظم الخطب والخطر على المسلمين؛ لأن منازل “بني قريظة” كانت داخلة في حلقة الدفاع عن المسلمين وعن المدينة.
ب. التحري عن موقفهم:
وسرى الخبر، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم به، ولكنه أراد أن يتثبت، فبعث سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وخوات بن جبير -في جماعة- وطلب منهم أن يتعرفوا له أمر “بني قريظة”، وأمرهم: ألَّا يصرِّحوا إذا كان الخبر حقيقة حتى لا يفت ذلك في أعضاد الناس، أما إذا كان الخبر غير حقيقيّ فأمرهم أن يعلنوه حتى يستبشر الناس، وحتى يطمئنوا فذهب الجماعة إلى حيث “بنو قريظة”، ولما ذكر لهم سعدٌ ما أمرهم بعهد رسول الله قالوا: مَنْ رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد، فعاد الرجال إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه في تورية بما حدث.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين، هنا نجم النفاق واضحًا، وظهر نفاق المنافقين على أكثر ما كان عليه، وعظم الخطب على المسلمين، ورأوا أنهم قد أوتوا من جميع النواحي، فقد أتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم؛ حتى ظن المؤمنون والناس كل ظنٍّ؛ حتى قال بعض المنافقين: إن محمدًًا كان يَعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وحده، وكان منهم التسلل الذي كثر منهم حتى إنهم تنادوا: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 12، 13].
هنا يتنادون بالاسم القديم الذي لم يكن في الإسلام، والذي لم يكن يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن تُسمَّى به المدينة، بعد أن سماها “المدينة”، و”طابة” وغير ذلك من الأسماء، فكان تناديهم بهذا الاسم دليل على بعث أمور الجاهلية التي كانت قبل الإسلام في نفوسهم، ولكأنه رمز بينهم.