ميراث الحمل
أولًا: عن تعريف الحمل وبيان مدته عند الفقهاء.
ثانيًا: نتعرف على شروط توريث الحمل.
ثالثًا: كيفية التصرف في التركة قبل وضع الحمل.
رابعًا: أحوال الحمل ومن معه من الورثة.
خامسًا: طريقة حل مسائل الحمل.
سادسًا: ضابط معرفة الأكثر والأقل من مسائل الحمل.
تعريف الحمل وبيان مدته عند الفقهاء:
تمهيد: الحديث عن الحمل هنا إنما هو من جهة معينة هي حكم توريثه من مورثه إذا مات مورثه وهو في رحم أمه، وهذا إذا كان وارثًا بالفعل أو حاجبًا لغيره، أما إذا كان الحمل غير وارث فإنه يكون غير مغادر لنا هنا؛ لأنه لا حق له في التركة، ولا تأثير له على أنصبة، الورثة ومن ثم فإن التركة توزع توزيعًا عاديًّا قبل ولادته، إذ إن وجوده كعدمه.
تعريف الحمل في اللغة: حملت المرأة والشجرة حملًا ومنه قوله تعالى: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا} [الأعراف: 189] قال ابن السكيت: الحمل بفتح الحاء: ما كان في بطن أو على رأس شجرة، والحِمل بكسر الحاء ما كان على ظهر أو رأس، وقال: امرأة حامل وحاملة: إذا كانت حُبلى، فمن قال: حامل، قال: هذا نعت لا يكون إلا للإناث، ومن قال: حاملة بناه على حملت فهي حاملة، فإذا حملت شيئًا على ظهرها أو على رأسها، فهي حاملة لا غير؛ لأن الهاء إنما تُلحق للفرد، ويقال: حملت المرأة تحمل على قدم، ولا يقال حملت به، والحمل: الولد في بطن أمه.
تعريف الحمل عند الفقهاء: الحمل يطلق على ما في بطن كل حبلى، والمراد به هنا: ما في بطن الآدمية من ولد.
مدة الحمل عند الفقهاء: للحمل مدة أدنى لا يعيش المولود إذا وُلد لأقل منها، وله مدة غالبة تلد فيها النساء عادة ولادةً طبيعية، ويعيش فيها المولود عادة ما دام قد نزل حيًّا كامل الأعضاء من غير عيوب ولا تشوهات خلقية، وله مدة أقصى يستحيل بقاؤه بعدها في بطن أمه، ولكلٍّ منها حكمها الخاص بها، فلنتناول كلًّا منها بشيء من البسط المناسب.
أولًا: أقل مدة الحمل عند الفقهاء:
اتفق جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وكذلك أئمة المذاهب الفقهية الأربعة -الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة- وكذلك الظاهرية، على أن أقل مدة للحمل يعيش الجنين بعدها إذا نزل حيًّا كامل الأعضاء هي ستة أشهر، واستدلوا على هذا بالكتاب الكريم وإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ فالاستدلال بالكتاب الكريم هو بالآيات الثلاث الواردة في كتاب الله نصّا بهذا الشأن وهي قوله تعالى:
1- {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة: 233].
2- قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14].
3- قوله عز اسمه: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15].
هذه الآيات الثلاث التي دلت على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ وذلك لأن الآيتين الأوليين قد أفادتا صراحةً أن مدة الرضاع “الفصال” تكون عامين أي أربعة وعشرين شهرًا، ثم أفادت الآية الثالثة أن هذا الفصال ومعه الحمل يكونان في ثلاثين شهرًا، فإذا أخرجنا مدة الرضاع -أي الفصال- التي هي أربعة وعشرين شهرًا من الثلاثين فيتبقى إذًا ستة أشهر، تكون هي أقل مدة الحمل.
وعلى هذا الفهم والاستنتاج انعقد إجماع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فقد روى الأثرم بإسناده عن أبي الأسود: “أنه رُفع لعمر رضي الله عنه أن امرأة ولدت لستة أشهر بعد زواجها، فهمّ عمر برجمها فقال له علي رضي الله عنه: لا سبيل لك عليها قال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] فبقي للحمل ستة أشهر، فخلى عمر سبيلها، وولدت مرة أخرى لهذا الحد، وروي مثله عن ابن عباس مع عثمان رضي الله عنهما، فقد روي: “أن رجلًا تزوج امرأة، فجاءت بولد لستة أشهر، فهمّ عثمان برجمها فقال ابن عباس: أما لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم، قال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وقال سبحانه: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فالفصال في عامين والحمل في ستة أشهر، فرجع عثمان عن قوله، ولم يحدّها.
وبعد فسواء كانت هذه الواقعة حدثت مع عمر وعلي، أو مع عثمان وابن عباس -رضي الله عن الجميع- فإنه لا يترتب عليه فرق ولا اختلاف في الحكم الشرعي، وهو أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، المهم أن هناك اتفاق على وقوعها بين اثنين من هؤلاء الأربعة، وهم جميعًا من كبار فقهاء الصحابة، وقد حدث هذا من غير نكير من أحد منهم، فكان إجماعًا.
ثانيا: أغلب مدة الحمل عند الفقهاء:
اتفق جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة وكذلك الظاهرية، على أن أغلب مدة الحمل هي تسعة أشهر، وهذا هو الذي يُفهم من مذهب الحنفية كذلك؛ أي أن هذه المدة التي تَحمل فيها المرأة حملًا طبيعيًّا عاديًّا، وتلد ولادة طبيعية عادية، يكون فيها الجنين كامل الأعضاء، ويعيش عادة إذا وُلد حيًّا من مرض أو تشوه خلقي، ووجهتهم في هذا أن هذا هو الغالب والمشاهد في جميع النساء عادة، إلا ما اختلف في بعض الحالات غير الطبيعة بالنقص أو الزيادة، والحكم يكون للأعم الأغلب، وليس للقليل النادر، وهذه المدة التي هي أغلب مدة الحمل -وهي التسعة أشهر- هي التي أيدها علماء الطب قديمًا وحديثًا.
ثالثًا: أقصى مدة الحمل عند الفقهاء:
اختلف جمهور الفقهاء وأهل العلم -ومنهم الأئمة الأربعة- في تحديد أقصى مدة الحمل اختلافًا كبيرًا، فمذهب الحنفية أن أقصى مدة الحمل سنتان، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وهو مذهب الثوري، ومذهب الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب: أنها أربع سنين، ومذهب المالكية أنها خمس سنين على الراجح في المذهب، وقيل على المشهور فيه. وهذه أصح الروايات عن الإمام مالك، وقيل: أربع سنين وهو قول أصبغ وابن القاسم وسحنون، وقيل: ست سنين، وقيل: سبع، وهاتان روايتان أخريان عن مالك أيضًا، وممن قال أنها سبع سنين من المالكية ابن وهب وأشهب وبه قال ربيعة، وعن محمد بن الحكم من المالكية: أن أقصى مدة الحمل سنة قمرية، والسنة القمرية عبارة عن ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما وخمس يوم وسدس يوم؛ أي 354 يوم و8 ساعات و48 دقيقة تقريبًا، والسنة الشمسية عبارة عن ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم إلا جزءًا من ثلاث جزء من اليوم، هذا ويحصل الاختلاف بين التقويمين القمري أو الهجري والشمسي أو الميلادي، إلى ما يقرب من سنة هجرية كاملة، كل 32 سنة هجرية تقريبًا، وهذا نقلا عن جريدة الأهرام الصفحة 22 الصادرة يوم 30-12- 1314هـ الموافق 20-6-1993م والسنة العددية عبارة عن ثلاثمائة وستين يومًا، لا تزيد ولا تنقص، وعن الزهري: ست سنين، وعن الليث بن سعد: ثلاث سنين، ومذهب الظاهرية: أنها تسعة أشهر ومذهب الشيعة الإمامية: أنها عشرة أشهر.