Top
Image Alt

ميزات الشعر الجاهلي

  /  ميزات الشعر الجاهلي

ميزات الشعر الجاهلي

أما خصائص الشعر الجاهلي وميزاته، كما تبدو في نماذجه العالية التي تمثلها مرحلة المعلقات، فإن هذه الخصائص تتمثل فيما يلي:

أولًا: من حيث اللغة:

جزالة الألفاظ، ومتانة الأسلوب، ومناسبة الكلام للمعاني: سمة واضحة في لغة هذا الشعر؛ فالشاعر الجاهلي يعبِّر تعبيرًا محكمًا لا خلل فيه ولا اضطراب عما يريد الإبانة عنه، ويختار لكل معنى ما يناسبه من الكلام، كما يمتاز الشعر الجاهلي بأنغامه الآثرة وموسيقاه الساحرة، التي تجذب الأسماع وتطرب النفوس، وذلك لاعتماده على وَحدة الوزن والقافية، بالإضافة إلى روافد نغمية أخرى في داخل البيت تأتي من التركيب اللغوي كالجناس والتكرار وغيرهما؛ كل ذلك يُضفي على الشعر الجاهلي نغمًا عذبًا وسحرًا خاصًّا، وإذا أردت أن تتلمس ذلك وتتذوقه فاسمع إلى قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:

أعينيّ جودا ولا تجمدا

*ألا تبكيان لصخر الندى

ألا تبكيان الجريء الجميل

*ألا تبكيان الفتى السيدا

طويل النجاد رفيع العماد

*ساد عشيرته أمردا

إذا القوم مدوا بأيدِيهمُ

*إلى المجد مدّ إليه يدا

فنال الذي فوق أيديهمُ

*من المجد ثم مضى مصعدا

يكلفه القوم ما هالهم

*وإن كان أصغرهم مولدا

ترى المجد يهوي إلى بيته

*يرى أفضل الكسب أن يحمدا

وإن ذكر المجد ألفيته

*تأزّر بالمجد ثم ارتدى

 فأنت تلاحظ أثر الوزن والقافية، كما تلاحظ كذلك أثر الجناس والتكرار والتناسب بين بعض الألفاظ: الجميل – مدَّ – المجد… إلخ.

ثانيًا: من حيث المعاني:

يتميز الشعر الجاهلي بوضوح معانيه وارتباطها ببيئته، وبُعدها عن التعقيد والغموض، واعتمادها على الملاحظة والتجربة؛ ولكنها مع ذلك كثيرة التنوُّع، متعددة المجالات؛ تغطي أغراض الكلام جميعها، وتلبي حاجات النفس في سائر أحوالها؛ فللغزل معانيه، وللمديح أفكاره، وللحكمة مسالكها… وهكذا.

ثالثًا: من حيث العاطفة:

يتميز الشعر الجاهلي بصدوره عن عاطفة صادقة قوية، هي التي تدفع الشاعر إلى القول، وهي التي تجعل لكلامه أثرًا نافذًا إلى عواطف سامعيه أو قارئيه؛ فالشاعر الجاهلي إذا عشق وأحب تغزل، وإذا رضي وأعجب مدح، وإذا كره وغضب هجا، وإذا ذهب إلى الحرب حمّس وافتخر، وإذا فجعه الموت في أحد من أحبابه حزن ورثى، وهو في كل هذه الأحوال لا يزوّر مشاعره، ولا يكذب ولا يدعي:

رابعًا: من حيث الخيال:

الخيال في الشعر الجاهلي خصب ومحلِّق يمد الشاعر بالعلاقات بين الأشياء، ويعينه على التصوير الذي يقرِّب المعنى البعيد إلى النفس، ويمكّن فيها المعنى القريب، ويلبس الأفكار والمعاني أثوابًا جميلة عن طريق التجسيد والتشخيص، ويبرزها في معارض عجيبة تتخذ من التشبيه والاستعارة والكناية وغير ذلك من ألوان المجاز أُطرًا لها؛ فيشبه المرأة بالدرة وبالظبية وبالغزال وبالشمس، ويشبه الفرس بثور الوحش وبالعُقاب، ويشبه الرجل الكريم بالبحر وبالغيث… إلى آخر ما نعرفه من صور الشعر الجاهلي.

هذا هو النابغة الذبياني في إحدى قصائده التي اعتذر فيها للنعمان بن المنذر واستعطفه فيها، يسلك سبيل هذا التصوير فيقول:

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني

*وتلك التي أهتم منها وأنصب

فبتّ كأن العائدات فرشن لي

*هراسا به يُعلى فراشي ويقشب

حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبة

*وليس وراء الله للمرء مذهب

لئن كنتَ قد بُلّغت عني وشاية

*لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب

فلا تتركني بالوعيد كأنني

*إلى الناس مطليّ به القار أجرب

ألم ترَ أن الله أعطاك سورة

*ترى كل ملك دونها يتذبذب

فإنك شمس والملوك كواكب

*إذا طلعت لم يبدُ منهن كوكب

ولست بمستبقٍ أخًا لا تلمّه

*على شعث أي الرجال المهذب

فإن أكُ مظلومًا فعبد ظلمته

*وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب

خامسًا: من حيث بناء القصيدة:

تتخذ القصيدة الجاهلية منهجًا يقوم على تعدد الأغراض والموضوعات:

فهي تبدأ ببكاء الديار والوقوف على الأطلال، ومنه ينتقل الشاعر إلى حديث الغزل فيصوّر شوقه إلى محبوبته التي رحلت، ويصف جمالها، ثم ينتقل إلى ذلك إلى وصف ناقته، ومن وصف الناقة إلى وصف الصحراء ورحلته فيها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الفخر بنفسه أو إلى المديح.

ولا يتخلّف هذا المنهج إلا في القليل النادر؛ فمثلًا: في قصيدة الرثاء يبدأ الشاعر الجاهلي غالبًا قصيدة الرثاء دون مقدمة طللية، ولا يوجد غزل مع الرثاء؛ لأن عاطفة الحزن لا يناسبها شيء من ذلك، كما أننا نجد الشعراء الصعاليك في شعرهم لا يلتزمون بهذا المنهج، ويبدو أن ذلك راجع إلى تمردهم على نظام الحياة العربية، فتمردوا كذلك على نظام القصيدة العربية.

هذه هي الخصائص الفنية للقصيدة الجاهلية.

أما الخصائص الموضوعية للشعر الجاهلي:

فتتمثل في  تعدد أغراضه، وكثرة موضوعاته، واتساعه لاستيعاب حياة أصحابه ووصف بيئتهم، وتسجيل صفاتهم، ورصد أحوالهم، وتصوير مشاعرهم.

هذه هي الصورة العامة لخصائص الشعر الجاهلي، وتطبيقاتها موجودة في هذا الشعر جميعًا.

error: النص محمي !!