Top
Image Alt

نبذة تاريخية عن تربية وتعليم الموهوبين

  /  نبذة تاريخية عن تربية وتعليم الموهوبين

نبذة تاريخية عن تربية وتعليم الموهوبين

حيث يُعتبر المنهج وعاءً ثقافيًّا، لا يُستغنى عنه بأي حال من الأحوال، كما أنه أساس فكري، يُفترض فيه الثراء، وتتم معالجته تربويًّا وتعليميًّا بحسب أنماط تفكير وتعلم هذه الفئة المرتفعة والفئة الواعدة، وهي فئة الفائقين، وله فلسفة وأهداف.

فأولئك الفائقون أو الموهوبون لا بد أن يكون لهم خصائص تختلف عن أقرانهم من المتوسطين أو الضعاف أو العاديين داخل الصف الدراسي.

وفي البداية يمكن أن نبين، ويمكن أن نوضح لمحة أو نبذة تاريخية عن تربية وتعليم الموهوبين، حيث إن العناية بالموهبة من أسمى وظائف المدرسة التربوية، لأن الأشخاص الموهوبين ثروة كبرى وكنوز ثمينة يجب الاهتمام بها بهدف توجيههم لخدمة المجتمع، وتوفير ما يحتاجه من مفكرين وعلماء في مجالات العلم والمعرفة كافة.

وهناك عدة مبررات تستدعي الاهتمام بتربية الموهوبين في المدرسة، ومن أهمها أن الاهتمام بالموهوبين يُعد ضرورة علمية وحضارية، لا يمكن الاستغناء عنها في وقتنا الحاضر؛ من أجل الاستفادة من قدرات هؤلاء الموهوبين، لا سيما في البلدان والدول النامية.

كما أن الاهتمام بالموهوبين يُعد ضرورة علمية من أجل الاستفادة من قدراتهم وتطوير هذه القدرات من أجل الإسهام في تقدم المجتمع، وأيضًا فإن الاهتمام بتربية وتعلم الموهوبين يُعد ضرورة تربوية خاصة في الوطن العربي؛ حيث تفتقر مؤسساته التربوية لهذا الاهتمام.

وعندما نقدم لمحة تاريخية لتربية وتعليم الموهوبين، فإن تربية وتعليم الموهوبين لم تكن بمعزل عن الاهتمام بتربية وتعليم العاديين، بل إن تمييزهم لفت انتباه المهتمين بالتربية، فنجد أن الفيلسوف الإغريقي “أفلاطون” أكد على أهمية التعرف على الأطفال الموهوبين وتعليمهم؛ ليصبحوا قادة الدول في المستقبل، حتى يتم التوصل إلى مجتمع أكثر كمالًا، وواصل الرومان الاهتمام بهؤلاء الموهوبين لتولي مناصب قيادية في الحرب والسياسة.

وفي بداية التاريخ الإسلامي نجده قد اهتم بهذه الفئة، وأحسن توظيفها في كافة المناشط الحياتية، عندما اتبع منهجية الاختيار وفق الفروق الفردية والمواهب الخاصة، وبحسب طبيعة المهمة؛ حيث نجد أن النبي صلى الله عليه وسلماعتنى بعبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو غلام عناية فائقة، وذلك لما بدا منه من نجابة ونبوغ على صغر سنه، قل صدق الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

فيُعد النبي صلى الله عليه وسلمفي العصر الإسلامي هو أول من اهتم بتعليم وتربية الموهوبين وبإعطائهم اهتمامًا بالغًا لما كان فيه صلى الله عليه وسلممن علم وفراسة.

وفي التاريخ الحديث يُعد “فرانسيس جارتون” أول من أجرى دراسة علمية على الموهبة، واستخدم الوسائل الإحصائية في تحديدها خلال كتابه “العبقرية الموروثة” الصادر عام ألف وثمانمائة وتسعة وستون.

وفي نفس الاتجاه أثار عالم النفس الفرنسي “ألفريد بينيه” الاهتمام بقياس الذكاء عندما صمم أول مقياس لنمو الذكاء في أوائل القرن العشرين. وقام “لويس ترمان” بتطويره ليُستخدم في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أعيدت تسميته باختبار “ستانفورد بينيه” فأصبح أكثر اختبارات الذكاء الفردية انتشارًا إلى أن طور “وكسلر” اختباره، واستفاد من تطور أدوات القياس التي قام بها “ترمان” وأجرى دراسة طولية على ألف وخمسمائة وستة وعشرون طفلًا، يبلغ معامل ذكائهم مائة وأربعون أو أكثر، وتابعت الدراسة هؤلاء الأطفال حتى سن الرشد، حيث فُحصت خصائصهم الجسمية، وصفاتهم الشخصية، وإنجازاتهم المدرسية والمهنية، وخرجت بقائمة عن خصائص وسمات الموهوبين.

وفي عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين بعدما أطلق الاتحاد السوفيتي قمره الصناعي “سبوتنيك” سارعت أمريكا لوضع برامج خاصة بتنمية مواهب الطلاب الموهوبين.

وفي المملكة العربية السعودية، ومع انطلاقة مرحلة التعليم الرسمي فيها عام ألف وتسعمائة وتسعة وستون، صدق مجلس الوزراء على وثيقة سياسة التعليم، والتي نصت في مادتها رقم سبع وخمسون على الاهتمام باكتشاف الموهوبين ورعايتهم، وإتاحة الإمكانيات والفرص المختلفة لنمو مواهبهم في إطار البرامج العامة، وبوضع برامج خاصة بهم، كما نصت مواد أخرى على أن ترعى الدولة النابغين رعاية خاصة لتنمية مواهبهم وتوجيهها، وإتاحة الفرص أمامهم في مجال نبوغهم، وأن تضع الجهات المختصة وسائل اكتشافهم، وبرامج الدراسة الخاصة بهم، والمزايا التقديرية المشجعة لهم، وأن تهيئ للنابغين وسائل البحث العلمي للاستفادة من قدراتهم، مع تعهدهم بالرعاية والتوجيه السليم.

لكن الأساس العلمي لتنفيذ ما نصت عليه السياسة التعليمية تبلور عندما انتهت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعون، من المشروع الوطني للكشف عن الموهوبين ورعايتهم، والذي هدف إلى إعداد برنامج للكشف عن الموهوبين ورعايتهم في ضوء حاجة المجتمع وأهدافه والسياسة التعليمية والإمكانات المتاحة، وتتكون من ثلاثة أجزاء متكاملة.

 هدف الجزء الأول منها إلى إعداد برنامج للتعرف على الموهوبين والكشف عنهم. وهدف الجزء الثاني منها إلى إعداد برنامج إثرائي في العلوم والرياضيات، كنموذج لبرامج رعاية الموهوبين، بينما هدف الجزء الثالث بتوعية المجتمع حول الموهوبين؛ بحيث تتضافر جهود المؤسسات الاجتماعية المختلفة في الاهتمام بالموهوبين ورعايتهم.

وفي مصر والعالم العربي والدول العربية نجد أن هناك اهتمامًا عامًّا بالموهوبين، وفي مصر قد عُقدت الكثير والعديد من المؤتمرات الخاصة برعاية الموهوبين، كما أقيمت العديد من المشروعات تحت رعاية الحكومة المصرية حول الموهوبين، ومساعدتهم، وتوفير المناخ التعليمي المناسب لهم، وإعداد المناهج الخاصة بالموهوبين، وكذلك المعلمين ذوي الخصائص المناسبة للموهوبين، وأيضًا إعداد مدارس أو فصول خاصة بالموهوبين.

كما أن هناك العديد من البحوث والرسائل والأدبيات في مصر والعالم العربي تولي الآن اهتمامًا بالغًا بالموهوبين؛ حيث إنهم قد يكونون غدًا هم من ينهضون بالأمة، ويعلون من شأنها، ولذلك فإنه لا بد من إعداد مناهج تتناسب مع خصائص وقدرات وحاجات ومستوى وذكاء الموهوبين، ولا يمكن بحال أن نتصور أن المنهج الذي يُقدم للطلاب العاديين يمكن أن يكون هو نفس المنهج الذي يُقدم للطلاب الموهوبين. 

وعندما ننظر إلى مفهوم الموهبة والموهوبين نجد أن الموهبة كلمة أتت في المعاجم العربية من الأصل وهب، وتجمع كل القواميس العربية على أن كلمة وهب هي العطية أي الشيء المُعطى للإنسان والدائم بلا عوض.

كما تتفق المعاجم العربية والإنجليزية على أن الموهبة تعتبر قدرة أو استعدادًا فطريًّا لدى الفرد، لكن الصعوبة تكمن في تحديد وتعريف بعض المصطلحات المتعلقة بمفهوم الموهبة، والصعوبة تأتي من اختلاف الباحثين حول مجالات التفوق التي يعتبرونها مهمة في تحديد الموهبة.

فبعضهم يركز على مجالات التفوق في القدرات العقلية العامة، والآخر يركز على القدرات الخاصة أو التحصيل الأكاديمي أو الإبداع أو بعض الخصائص السلوكية والسمات الشخصية، وبالإضافة إلى ذلك فهناك اختلاف في المستوى الذي يجب أن يُعتمد عليه في تحديد الموهبة، وكذلك حول المجتمع الذي يجب اعتماده لينسب أداء الطفل له أي أن هناك اختلافًا أيضًا حول المرجعية التي يجب اعتمادها في تحديد الموهبة.

ويعرف مكتب “التربية الأمريكي” الموهبة، وذلك استنادًا إلى تقرير “مارلانت” عام ألف وتسعمائة واثنان وسبعون، والذي عرف الطلاب الموهوبين بأولئك الذين تم تحديدهم من قبل أشخاص مؤهلين علميًّا، على أنهم الأشخاص القادرون على الأداء المرتفع، وممن لا تخدمهم مناهج المدرسة العادية، وهم بحاجة إلى مناهج وبرامج خاصة ليتمكنوا من خدمة أنفسهم ومجتمعهم.

ولقد حدد التقرير مجالات الموهبة في واحدة من المجالات الآتية مجتمعة أو منفردة: مجال القدرة العقلية العامة. مجال الاستعداد الأكاديمي الخاص. مجال التفكير الإبداعي. مجال القدرات القيادية. مجال القدرات الفنية الأدائية والبصرية. مجال القدرات النفس حركية.

والجدير بالذكر أن مكتب “التربية الأمريكي” بعد ذلك أدخل تعديلات على هذا التعريف، حُذفت بمقتضاها القدرات النفس حركية لكونها متضمنة في القدرات الفنية الأدائية والبصرية، حتى تم التوصل في عام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين إلى أن الموهوبين هم أولئك الذين يقدمون دليلًا على قدراتهم على الأداء المرتفع في المجالات العقلية والأكاديمية الخاصة، والإبداعية، والفنية، والقيادية، ويحتاجون خدمات وأنشطة مدرسية، ومناهج غير معتادة لتطوير هذه القدرات والاستعدادات بشكل كامل.

بينما يعرف “رينزوري” الموهبة بأنها تتكون من تفاعل بين ثلاث سمات، لا بد من توافرها جميعًا لدى الموهوب، وتتضمن هذه السمات ما يلي:

أولًا: قدرة فوق المتوسط، كما يتضح من انتماء إنجاز الطالب إلى الأداء المرتفع.

ثانيًا: الالتزام بالعمل، كما يتضح من مثابرة الطالب وإنجازه.

ثالثًا: الإبداع، كما يتضح من اتباع الطالب طرقًا مبتكرة في التفكير؛ توصله إلى حلول وتعريفات جديدة للمشكلات.

كما أن “جانيه” عرف الموهوبين أيضًا، وقد ميز بين الموهبة والتفوق في تعريفه على أساس نمائي، ونظر للموهبة على أنها القدرة، وأن التفوق هو الأداء المتميز، كما يشير إلى إمكانية اعتبار الشخص ذي الإنجاز المتدني على أنه موهوب في مجال معين، ولكن ليس متفوقًا، فهو يمتلك القدرة أو الموهبة، ولكنه لا يمتلك الأداء أو التفوق.

وتتضح مكونات هذا النموذج على النحو التالي:

لا بد لنا أن ندرس هذه المكونات حتى نكون على دراية بكيفية إعداد وتصميم ووضع الخصائص والمحددات؛ لإعداد مناهج الفائقين أو الموهوبين.

المكون الأول من مكونات هذا النموذج: أنه يعتبر أولًا مجالات الموهبة، حيث يعتبر “جانيه” الموهبة حالة من الاستعداد الفطري لدى الفرد، وقد يظهر هذا الاستعداد في مجال واحد، كما قد يظهر في عدة مجالات، وأن هذه القدرات في البداية تكون خامًا، أو مكونات أساسية لتشكيل التفوق لاحقًا عند التدريب، ومرور استعداد بالعوامل المؤثرة في تطوير الموهبة.

ولا يمكن أن يكون الفرد متفوقًا ما لم يكن في الأصل موهوبًا، ولكن من الممكن أن لا يصل الموهوب إلى مرحلة التفوق، وذلك في حالة عدم توفر العوامل المؤثرة في تطور الموهبة، ولعل من بين هذه العوامل: المنهج، والبيئة، والمناخ المدرسي إلى غير ذلك من العوامل.

المكون الثاني من مكونات هذا النموذج: العوامل المؤثرة في تطور الموهبة لتحقيق التفوق، فالمحفزات التي ذكرها “جانيه” في نموذجه تنطلق من المفهوم الكيميائي للمحفزات التي تسهم في تحويل المواد المتفاعلة إلى مواد ناتجة دونما تدخل في المكونات الناتجة عن التفاعل.

فتنمية الموهبة تعتمد بشكل أساسي على المكونات الرئيسة التي تتحول إلى قدرات محددة ومعقدة، يمكن قياسها في صورة أداء.

المكون الثالث من مكونات هذا النموذج: مجالات التفوق، فالتفوق عند “جانيه” هو الأداء المتميز للقدرات، كما تظهر من خلال المهارات، والتي يتم تطويرها بمرورها بالعوامل المؤثرة في تطوير الموهبة، وتظهر تلك القدرات في أحد أو عدة مجالات للنشاط الإنساني.

وهناك نماذج عديدة ومتعددة يطول المقام والوقت لذكرها، يمكن الرجوع إليها من خلال عدد من المراجع والأدبيات ذات الصلة بتعليم الموهوبين، وحتى يمكن لنا أن نعد مناهج للموهوبين لا بد أن نكون على دراية بمستويات وتصنيفات أولئك الطلاب الموهوبين.

error: النص محمي !!