نزول سورة الفتح وتسميتها صلح الحديبية: فتحًا
رجع المسلمون بعد هذا، وفي الطريق نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الفتح، يحكي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم في طريق العودة، أنه حاول أن يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم أو أن يفاتحه بكلام؛ حتى يزيلَ ما بصدر النبي صلى الله عليه وسلم مما اعترض به عليه أو مما تكلم به عمر عندما تكلم متألمًا من شروط الصلح التي وافق عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرد عليه مرةً من بعد مرةٍِ، حتى خشي عمر وخاف على نفسه، وتأخر لِمَا رأى من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإعراض، أو الذي ظنه عمر إعراضًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم في ليله وهو في الطريق، نزلت عليه سورة الفتح التي سجلت أحداث هذا الصلحَ العظيمَ الذي سمَّاه الله “فتحًا”، فنادَى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر، ولما سمع عمر الهتاف باسمه في العسكر، خشي وخاف أن يكون أمر شر نزل به، ولكنه لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما كان له إلا أن يأتِ- وجد البشرى في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: ((لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها)).
كانت سورة الفتح هي التي أنزلها الله عز وجل في هذا المسير، والتي سجلت على هذا الأمر العاجل تنزل السورة في المسير قبل أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، تبشر بفتح الله عز وجل وتسجل أحداث هذه الغزوة من أول أمرها إلى آخر أمره، من رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وخروجه صلى الله عليه وسلم وفَتْح الله عليهم، وأمر من تخلف من الأعراب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أمر صلح الحديبية ما كان، قال رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا بفتح لقد صددنا عن البيت وصُد هدينا، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول أولئك الناس، فقال: ((بئس الكلام هذا، بل هو أعظم الفتوح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادكم، ويسألونكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، وقد رَأَوْا منكم ما كرهوا، وأظفركم الله عليهم، وردكم سالمين مأجورين، فهو أعظم الفتوح، أتنسون يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم، أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاءوكم من فوقكم، ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت الحناجر، وتظنون يالله الظنونا)).
فقال المسلمون: صدق الله ورسوله، فهو أعظم الفتوح، والله ما فكرنا فيما فكرتَ فيه يا رسول الله، ولَأَنْتَ أعلم بالله وأمره منا.
ورجع المسلمون إلى المدينة فائزين برضوان الله عز وجل وقد حقق الله لهم بهذا الصلح ما تفرغوا لغيره من بعده. فكان أمر صلح الحديبية خيرًا عظيمًا من الله عز وجل ساقه إلى الإسلام والمسلمين.