Top
Image Alt

نسب اللقيط والإنفاق عليه

  /  نسب اللقيط والإنفاق عليه

نسب اللقيط والإنفاق عليه

نسب اللقيط بمعنى أن اللقيط الموجود، وهو الطفل المنبوذ المرمي التقط، والتقطه شخص واحد رجل أو امرأة, ثم ادعى هذا الشخص نسبه؛ فالكلام الآن في ادعاء نسب اللقيط؛ أي: اللقيط الآن بعد أن وجد في يد ملتقطه، سواء في وقتها أو بعدها بعد مدة من الالتقاط؛ ادعى نسب هذا اللقيط بعد التقاطه شخص واحد، سواء كان رجلًا أو امرأة، وسواء كان هو اللاقط له أو غيره, فاللاقط له بعد مدة يقول: هذا اللقيط ابني.

الصورة الثانية: يأتي شخص آخر لا هذا اللقيط ويقول: هو ابني أنا؛ أي: قد يدعيه شخص واحد فقط، ويسلم له الملتقط؛ أي: ليس بشرط أن يكون هناك نزاع بين من التقطه وبين المدعي، فقد يدعيه شخص واحد، سواء كان رجلًا أو امرأة، وقد يدعيه شخص واحد، سواء كان اللقيط يقول: هذا ابني أو يدعيه شخص آخر في يد الملتقط، يقول: هذا ابني، اللاقط أو غيره.

وقد يدعي نسبه اثنان فصاعدًا, هذا يقول ابني وهذا يقول ابني، وسواء كان المدعيان رجلين أو امرأتين أو أكثر من اثنين.

نبدأ أولًا بما إذا ادعاه شخص واحد، أي: ادعى نسبه إليه، سواء كان الذي التقطه أو غير الذي التقطه، فننظر إذا كان المدعي رجلًا مسلمًا حرًّا؛ فإنه يلحق به اللقيط بغير خلاف بين أهل العلم إذا أمكن أن يكون منه، ومعنى إذا أمكن أن يكون منه: إذا أمكن أن يكون منجبًا، لكن إذا لم يكن منجبًا بأن يكون فيه من العيوب ما تعرفه الناس عنه أنه ليس له إنجاب فليس منه؛ لأن الإقرار بالنسب هنا للمسلم الحر فيه منفعة تعود على اللقيط، وهو اتصال نسبه، وفي نفس الوقت ليس هناك ضرر يعود على الغير من هذا الإقرار, أي: عندما يدعي اللقيط شخص والمدعي حر مسلم، فهناك فائدة تعود على اللقيط نفسه، وهي اتصال نسبه، وليس هناك ضرر يعود على الغير من هذا الإقرار، بل فيه مصلحة، فيقبل إقراره بنسبه.

وفي هذه الحال إن كان المقر بنسبه هو الملتقط, وليس هناك جديد يترك في يديه؛ لأنه قال: هو ابني، وإن كان غيره ينتزع منه؛ أي: لو تمسك به، لكن ادعى نسبه شخص حر مسلم؛ ينتزع من بين يدي الملتقط لثبوت أبيه، ويكون أحق بهذا الولد من هذا الملتقط، وهذا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة.

وعند الحنفية: لا يكون ذلك قياسًا ولكن استحسانًا؛ لأن في إثبات النسب فائدة من ناحيتين؛ أي: جمهور الفقهاء يقولون ذلك، لكن بعضهم يقول: إن هذا مستحسن، وبعضهم يقول قياسًا عليه؛ لأن الدعوى لا تسمع إلا بوجود بينة مع المدعي؛ لأنه يدَّعي أمرًا مترددًا بين الوجود والعدم، فلا بد لترجيح أحد الجانبين على الآخر من مرجِّح، وذلك يكون بالبينة، ولم توجد فلا تسمع دعواه بدونها.

كأن جمهور الفقهاء يقولون: إذا ادعاه مسلم حرّ لحق به، لكن جمهور الفقهاء يقولون هذا استحسانًا لا قياسًا، أي: هذا من باب الاستحسان لا القياس؛ لأن الاستحسان فيه فائدة من النسب من جهتين ويستفيد بشرف النسب، ويحفظ عن أسباب الهلاك، ولا ضرر فيه لغيره.

والقائلون بأنه لا يترك أيضًا في يد ملتقطه ما دام ظهر له أب مسلم، لكن من حيث القياس لا يترك لأننا نحتاج إلى بينة، وما دام توجد بينة فلا تسمع دعواه بدونها، وينظرون إلى الاستحسان؛ أي: يؤخذ من يده استحسانًا لا قياسًا؛ لأننا لو تمسكنا بالقياس لا تسمع دعواه.

كأنهم يريدون أن يقولوا: أن يسلّم بالإجماع عند الفقهاء جميعًا للمسلم الحر, الذي ادعى نسبه له على سبيل الاستحسان؛ لأننا لو تمسكنا بالقياس، فالقياس يقول: لا تسمع دعوى بدون بينة، فنطالبه ببينة، وهذا ليس معه بينة ولم توجد، فلا تسمع دعواه بدونها، ونحن نقول: يقبل ادعاء نسبه استحسانًا لا قياسًا، هذا إذا كان المدعي مسلمًا حرًّا.

لكن إذا كان المدعي له ذميًّا, فالجمهور -الحنفية والشافعية والحنابلة- يقولون بصحة دعواه وثبوت نسبه منه, لكن مع شرط أنه لا يلحق به في الدين؛ أي: يلحق به في النسب لا في الدين؛ لأنهم يقولون: إنه ادعى هنا شيئين منفصلين عن بعضهما، ادعى نسبه وادعى دينه، وثبوت النسب هنا نوافقه عليه ولا نوافقه عليه، فلا يتبع أباه من النسب؛ أي: نقول له: هو ابنك من النسب، لكن لا يتبعك في الدين؛ لأن عدم اتباعه في الدين بمجرد النسب مصلحة خالية من الضرر، فيقبل قوله فيها؛ أي: في مصلحة النسب، ولا يقبل قوله في الثانية، وهي اتباعه له في الدين؛ لما له فيه من الضرر والخزي في الدنيا والآخرة.

والحقيقة هذا أمر قد يكون صعبًا؛ لأنه إذا حدث ووافق على أن يكون أباه نسبًا، ولكن ليس تابعًا له في الدين؛ فهذا أمر قد يحدث، لكن الواقع أن هذا أبوه، لكن ليس تابعًا له في الدين, فلا حق له في حضانته، ولا شيء من ذلك كله إلا إذا أقام بينة على أن اللقيط ابنه، فإنه بهذا يثبت نسبه منه ويلحقه في دينه.

فكأنهم تداركوها بعد ذلك، فما دام لم يأت ببينة فهو ابنه؛ لكن لا يتبعه في الدين، فإذا أتى ببينة أنه ابنه فهو تابع له نسبًا ودينًا، هذا إذا كان المدعي رجلًا.

أما إذا كان المدعي امرأة؛ ننظر إن كان لها زوج أو لم يكن لها زوج، فإذا كان لها زوج فذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى أنه لا يلحقها إلا ببينة؛ لأنه يمكنها إقامة البينة على الولادة, فنقول لها: أنت لك زوج؟ تقول: نعم. فلا بد من البينة تقيم على أنها ولدت من هذا الزوج الذي تدعيه.

المقابل للأصح عند الشافعية ورواية عند أحمد: أنه يلحقها نسبه لأنها أحد الأبوين، فيثبت النسب بدعواها كالأب، وقالوا: إنه يمكن أن يكون للمرأة ولد من رجل، فقد تأتي به من زوج ووطء شبهة، والذي تأتي به من الزنا يلحقها به، وهذا كله غير الرجل، فهي في جانبها الأمر أوسع, فيلحقها نسبه لأنها أحد الأبوين، ولا يحتاج الأمر إلى بينة، هذا في حالة ما إذا لم يكن لها زوج.

أما إن كان لها زوج، فلا يثبت نسب اللقيط إليها بدعواها إلا ببينة, أي: إذا كانت تدعي أنه ولدها نقول لها: أنت تحتاجين إلى بينة؛ لأن لك زوجًا. ففي الصورة السابقة لم يكن لها زوج, أما إذا كان لها زوج كما هنا، فلا يثبت النسب هنا بدعواها أنه ابنها إلا ببينة؛ لأن ادعاءها بأنه ابنها فيه تحميل للنسب على الغير وهو الزوج، كأنها هنا تحمل نسبه على رجل لم يقر به، وهذا فيه ضرر، فلا يقبل قولها فيما يلحق الضرر بالغير، وهو الزوج الذي يكون موجودًا وتدعي أنه زوجها.

لكن إن أقامت البينة على ذلك صحت دعواها، ولحق بها اللقيط ولحق بزوجها إذا أمكن استلحاقه به، بأن يمكن أن ينجب وهكذا، وإذا أراد أن ينفيه عنه جاز نفيه عنه، ولا ينفى عنه إلا باللعان. هذه صورة ما إذا ادعى النسب واحد؛ رجل أو امرأة.

أما إذا ادعى اللقيط رجلان مسلم وغير مسلم أو حر وعبد، فذهب الحنفية إلى أن المسلم أولى من الذمي، والحر أولى من العبد؛ لأن على اللقيط ضررًا في إلحاقه بالذمي, فالعبد إذا ادعاه لا نوافق عليه، فإلحاقه بالمسلم أولى وإلحاقه بالحر أولى؛ لأن هذا أنفع للقيط، فإذا ألحقناه بالعبد فيه ضرر؛ لأنه سوف يصير في ذلة وعبدًا مثله.

لكن إذا ألحقناه بالمسلم فهو أولى من الذمي, فإذا ادعاه اثنان مسلم وغير مسلم, أو حر وعبد؛ فالأولى أن يسلّم للمسلم ولا يسلم لغير المسلم, ويسلم للحر ولا يسلم للعبد، هذا رأي الحنفية.

أما الشافعية والحنابلة فقالوا: هما سواء؛ لأن كل واحد لو انفرد صحت دعواه، فإن تنازعوا تساووا في الدعوى كالأحرار المسلمين، فلا بد من مرجح؛ أي: الاثنان سواء؛ المسلم وغير المسلم والحر والعبد، لكن نحتاج إلى مرجح، هذا المرجح إذا كان لأحدهما بينة فهو ابنه؛ أي: إذا أتى المسلم ببينة فهو ابنه, وإن أتى غير المسلم ببينة فهو ابنه، وكذلك العبد والحر.

وإذا لم تكن لأحدهما بينة قبل ذلك إن أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا، ولا يمكن استعمالها هنا إذا لم تكن لأحدهما بينة أو كان لهما بينتان متعارضتان وسقطتا؛ أي: أمامنا عدة حالات, إن كان لواحد منهم بينة فهو أولى ممن لم يكن له بينة، فإذا أقاما بينتين وكان بينة أحدهما أقوى من الآخر يحكم لصاحب البينة الأقوى، وإذا كان لهما بينتان، وكانا في القوة وتعارضتا سقطتا، وإذا سقطتا يعرض على القافة -والقافة هو الذي يحكم، وهو أمر معروف عند العرب قديمًا، وهو من علم القيافة- التي تحكم بمواصفات في البدن، تكون بين الشخص وبين من ينتسب إليه، وهذه مهنة يعرفونها، كما ورد في حديث مجزز المدلجي، من بني مدلج.

والحنفية يقولون أيضًا: إن المدعيين إذا كانا من الأحرار المسلمين، ووصف أحدهما علامة في جسد اللقيط فهو أولى به؛ فإذا كان هناك اثنان من الأحرار المسلمين، فالحنفية يقولون: أنتما تدعيان، وأنتما حران ومسلمان، لكن زاد أحدهما فوق ادعائه إياه أنه يعرف علامة في جسده، فإذا وجدت هذه العلامة في جسد اللقيط فهو أولى به؛ لأن هذه العلامة ترجِّح، والدليل على ذلك قوله الله تعالى : {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} [يوسف: 26] إلى آخر الآية, فيجوز الحكم بالعلامة في شريعتنا. وإن لم يصف أحدهما علامة فإنه يحكم بكونه ابنًا لهما، هذا رأي الحنفية.

وقد روي عن عمر رضي الله عنه في مثل هذا الأمر؛ أن شخصين ادعيا لقيطًا، وكان ذلك في عهد عمر، فقال عمر بعد أن لم يجد أي علامة, أو دليل أو بينة تقوي مدعيًا منهما على الآخر: إنه ابنهما يرثهما ويرثانه. فكأن له أبوين، وهو ابن لهما، هذا بالنسبة لادعاء نسب اللقيط.

بقيت مسألة أخرى من أحكام اللقيط، وهي الإنفاق عليه.

أولًا: إذا كان للقيط مال، بأن يوجد معه حين الالتقاط؛ فأحيانًا عندما يوجد اللقيط يوجد معه ذهب أو حلي أو ثياب أو غير ذلك من الأموال، فمن رماه في الطريق ترك معه أموالًا، أو كان هناك في بلد له استحقاق في مال عام، كما لو كان شخص أوقف مالًا على اللقطاء وأمثالهم.

اتفق الفقهاء على أن نفقة هذا اللقيط تكون من هذا المال، المال الذي وجد معه أو إذا كانت هناك أموال موقوفة على اللقطاء وأمثالهم.

وإذا لم يكن للقيط مال خاص -أي: لم يوجد معه- ولم توجد أموال موقوفة على اللقطاء، أو لم يوجد شخص أوصى بمال ينفق على اللقطاء، فاتفق الفقهاء على أن تكون نفقته من بيت المال, وهذا ما ذهب إليه الجمهور، وهو القول الأظهر عند الشافعية.

ومقابل القول الأظهر عند الشافعية؛ هناك قول ضعيف عند الشافعية, وهو: أنه لا ينفق عليه من بيت المال، وإنما يقترض عليه من بيت المال أو غيره, فكأن من التقطه يقترض عليه من بيت المال؛ لاحتمال أن يظهر له مال، وهذا رأي ضعيف في مواجهة رأي الجمهور الذين قالوا: ينفق عليه من بيت المال، وهذا رأي الجمهور.

وإذا لم يكن في بيت المال شيء، فإنه تكون هناك أولويات تقدم في الإنفاق من بيت المال على مثل هذه الحالات, واختلفت آراء الفقهاء فيمن تكون عليه نفقته؛ فذهب الحنفية إلى أن الملتقط إذا لم يتبرع بالإنفاق على اللقيط؛ أي: من التقطه قد يتبرع بالإنفاق عليه، لكن هنا لم يتبرع، فالحنفية يقولون: إذا لم يتبرع بالإنفاق على اللقيط فإن نفقته تثبت بأمر من القاضي له؛ لأن له ولاية الإلزام على الغير, فإذا لم يتبرع يرفع إلى القاضي، ومن يأمره القاضي بالإنفاق ينفق؛ لأن ولاية الإلزام من حق القاضي، ويكون مجرد أمره للملتقط بالإنفاق عليه كافيًا؛ أي: التزامًا بأمر القاضي، ولا يشترط أن يكون ذلك على سبيل الدين على اللقيط، فليس هذا بشرط، المهم الالتزام بأمر القاضي, فيأمر به، ويكون أمره نافذًا على المأمور، سواء كان الملتقط أو غيره.

أي: قد يأمر القاضي أو يحكم بأن نفقة هذا اللقيط على فلان؛ صاحب المال أو الغني في هذا البلد يعطيه للقيط لينفق عليه، فليس بشرط أن يكون على أهل اللقيط.

والمالكية يقولون: إن نفقة الملتقط حينئذ إذا لم يكن في بيت المال شيء أو وجدت فيه أولويات, تقدم الإنفاق على مثل هذه الحالة، فقالوا حينئذ: تكون على الملتقط وجوبًا, أي: على الملتقط أن ينفق وجوبًا؛ لأنه بالتقاطه ألزم نفسه بالإنفاق عليه، ويستمر الإنفاق على الذكر حتى يبلغ قادرًا على الكسب؛ لأنه ما دام قد التقطه في نظر المالكية، أنفق عليه على قدر استطاعته كواحد من ولده؛ حتى يبلغ قادرًا على الكسب، وبعد ذلك يتولى أمر نفسه.

وينفق على الأنثى إلى أن تتزوج ويدخل بها الزوج، ولا رجوع له -الملتقط- بما أنفق, إلا أنه إذا أنفق ووُجد للقيط مال بعد ذلك, كأن الملتقط يعلم به حال الإنفاق ولم يأخذ منه؛ فإنه يرجع عليه، لكن إذا حلف أنه أنفق وكانت نيته الرجوع بما أنفق، وكانت نية الملتقط الرجوع بما أنفق.

يتبقى بعد ذلك رأي الشافعية ورأي الحنابلة.

فالشافعية يقولون: إذا تعذر الإنفاق من بيت المال اقترض له الإمام من المسلمين؛ أي: الإمام يقترض من فلان وفلان، ويكون ما اقترضه دينًا في ذمة اللقيط؛ فيقول: إن هذا المال دين على اللقيط إلى أن يكبر, ويسدد بعد أن يكون قادرًا على الكسب.

فإن تعذر الاقتراض, فربما لا يجد شخصًا عنده مال زائد يقرض؛ قام المسلمون بكفايته قرضًا أيضًا, فإن كان حرًّا وظهر له مال أو اكتسب مالًا بعد أن كبر وبلغ وأصبح له القدرة على العمل رجع عليه.

وإن ظهر له سيد, أي: كان هذا اللقيط عبدًا، وظهر له سيد -رجعوا عليه, فإن لم يظهر له مال وليس له كسب، ولم يظهر للعبد سيد، فالشافعية قالوا: يرجعون على بيت المال من سهم الفقراء, أو الغارمين بحسب ما يراه الإمام.

والإمام أو الحاكم إن اقترض من المسلمين وكان الاقتراض دينًا في ذمة اللقيط، لكن هذا اللقيط ليس له كسب ولم يظهر له مال، يطالب بهذا المال المقترضون من سهم الفقراء أو الغارمين بحسب ما يراه الإمام.

وفي قول أيضًا عند الشافعي: إن المسلمين يقومون بكفايته والإنفاق عليه تبرعًا لا قرضًا؛ لأنه محتاج وعاجز، وإن قام بها بعضهم اندفع الحرج عن الباقي.

وكلامنا كله في حالة ما إذا تعذر الإنفاق على اللقيط من بيت المال، أو وجد في بيت المال مال ولكن فيه أولويات.

أما الحنابلة فقالوا: إذا تعذر الإنفاق من بيت المال، فعلى من علم حاله من المسلمين الإنفاق عليه؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2], فتركوا الأمر للمسلمين أو من يعلم حاله، ولأن في ترك الإنفاق عليه سبب هلاكه، وحفظه من ذلك واجب كإنقاذه من الغرق، وهذا فرض كفاية.

ومن أنفق عليه متبرعًا فلا شيء له، سواء كان الملتقط أو غيره, وإن لم يتبرع بالإنفاق، بل أنفق ليرجع عليه إذا أيسر، وكان الإنفاق بأمر الحاكم -يلزم اللقيط ذلك.

وفي النهاية سوف يكون الأمر بحسب ما يكون في اللقيط بعد ذلك, إن قدر على الكسب قدر، وإن لم يقدر فيصبح عاجزًا عن الدفع لهم، إذا كان الإنفاق بأمر القاضي أو الحاكم لزم اللقيط الدفع، وإن كانوا أنفقوا بقصد الرجوع، وليس بأمر الحاكم طالبوا بيت المال بما أنفقوا؛ لأنهم أدوا واجبًا عليهم، فكان لهم الرجوع على من كان الوجوب عليه، كالضامن أو كالكفيل إذا قضى الدين عن المضمون عنه، أو قضى الدين عن الشخص المكفول عنه، وهو المدين، فيكون لهم الرجوع، كالرجوع على المضمون عنه أو عن المكفول عنه، وهو المدين.

error: النص محمي !!