Top
Image Alt

نشأة الزجل، وطبيعته، وموضوعاته، ورائده

  /  نشأة الزجل، وطبيعته، وموضوعاته، ورائده

نشأة الزجل، وطبيعته، وموضوعاته، ورائده

الزجل في الحقيقة هو الكلام العامي الذي يُنْظَم على نحوٍ موسيقي؛ فإذًا يمكن أن يكون الزجل هو ما يسمى بشعر اللغة العامية، ونحن في حديثنا عن الموشحات قلنا: إنه كان في بعض الأحيان تستخدم في الموشحات خاصة في الخرجة -يعني: في نهاية الموشحة- بعض الألفاظ العامية أو الأعجمية.

ويبدو أن الموشحة بهذا كانت مرحلة متوسطة بين القصيدة التقليدية التي لم يكن يُسْمَحُ فيها بالاقتراب من اللغة العامية، وبين الزجل الذي هو شعرٌ باللغة العامية، فإذًا منطق الأمور يقول: إن الزجل نشأ بعد الموشح، وإمام فنِّ الزجل أو الشعر المنظوم باللغة العامية في الأندلس يُسَمَّى ابن قَزْمَان، وقد توفِّي سنة خمسمائة وخمسٍ من الهجرة.

وواضحٌ أن البيئةَ اللغويةَ التي كانت قائمةً في الأندلس، وكثرة الذين يحتاجون إلى فنٍّ يتغَنَّوْنَ بِهِ حسب لغتهم العامية التي يتكلمونها والتي فيها عربي وأعجمي كانت مبررًا لظهور ما يسمى بفن الزجل.

ولم تكن عامةُ النَّاسِ في بعض الفترات وبعض البيئات هي التي تجهل اللغة العربية فقط، ولكن يبدو أن بعض الأمراء الذين كانوا دخلوا في الإسلام من البربر، ومن أهل إفريقيا، ومن المغرب لم يكونوا قد أتقنوا اللغة العربية تمامًا، وأنهم كانوا يجهلون فهمها أو يصعب عليهم فهمها.

فمن الطرائف التي تروى في هذا المقام: أن المعتمد بن عبّاد كان قد شجع بعض الشعراء لكي يمدحوا يوسف بن تاشفين، فلما انتهوا من الإنشاد، قال المعتمد لابن تاشفين: أيعلم أمير المسلمين ما قالوه؟ قال: لا أعلم، ولكنهم يطلبون الخبز.

ولما انصرف ابن تاشفين إلى حاضرة مُلكه بشمال إفريقيا كتب له المعتمد رسالة تضمنت بيتين من نونية ابن زيدون هما:

بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا

*شَوقًا إِلَيكُم وَلَا جَفَّت مَآقينا

حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت سودًا

*وَكانَت بِكُم بيضًا لَيالينا

وكأنَّ المعتمد يريد أن يقول ليوسف بن تاشفين: بعد ما فارقتنا نشتاق إليك، فلما قرئ البيتان على ابن تاشفين، قال للقارئ: يطلب منا جواري سودًا وبيضًا؟ فأجابه القارئ لا يا مولانا، ما أراد إلا أن ليلَهُ كان بقربِ أمير المسلمين نهارًا؛ لأنَّ ليالي السرور بيض، فعاد نهاره ببعده ليلًا؛ لأن ليالي الحزن ليالٍ سود، فقال: والله جيد، اكتب له في جوابه: “إن دموعنا تجري عليه ورءوسنا توجعنا من بعده”.

هذا يدل على أن ضعف التذوق في بعض البيئات كان لا يقتصر على العامة، وإنما كان يمتدُّ إلى الأمراءَ والملوك الذين كانوا من البربر، ودخلوا في الإسلام، وكانوا حديثي عهد باللغة العربية.

فإذا كان الحال كذلك؛ فقد استعصى على كثيرٍ من الناس فهم الشعر الفصيح، وأَخَذَ هؤلاء الزَّجَّالون يقولون شعرًا باللغة العامية متماشيًا مع ضعف هؤلاء الناس الذين يحتاجون إلى شيء يتسلون به، وكلام يتغنون به يكونون قادرين على فهمه وعلى نطقه كذلك.

واللجوء إلى هذا الزجل أو الشعر العامي يلجأ إليه الشعراء الضعاف الذين لا يملكون حصيلة لغوية تمكنهم من أن يكونوا شعراء، أو أن يكونوا وشَّاحِين، فهم يأخذون ثقافتهم من هذه الثقافة العامة لا يتمتعون بعمقٍ في ثقافتهم الأدبية واللغوية، وهكذا الحال في كل العصور.

فهذا الشعر العامي في عصرنا الحديث نسمعه كثيرًا وأكثر الغناء يكون به؛ لتلبية هذه الحاجات كما قلنا، وضعف اللغة العربية عند هؤلاء الذين يكتبون هذا النوع من الشعر ليست عندهم حصيلة لغوية وأدبية تمكنهم من أن يكتبوا الشعر الفصيح، وهؤلاء العامة الذين لا يفهمون الشعر الفصيح فيكتب لهم هذا الشعر العامي.

كان الزجل في أول نشأته مقصورًا على القول في الغزل واللهو والمجون، ثم أصبح بعد ذلك يعالج كثيرًا من الأغراض كالوصف والزهد والمديح والهجاء والرثاء، كما هو الحال في الغناء الذي يسمعه الناس باللغة العامية في زماننا هذا.

error: النص محمي !!