نشأة علم النحو
ففي مطلع القرن الهجري الأول نشأ علم النحو، وقد كان السبب الرئيسي لنشأة علم النحو هو ظهور الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجًا من الجنسيات، والدول، والأعراق والقبائل المختلفة، وقد أقبلوا جميعا على تعلم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وعلوم ومبادئ الدين كالفقه والحديث والتفسير وغيره مما دفع أبي الأسود الدؤلي بإيعاذ من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في وضع أسس علم النحو.
وقال الأشموني في (شرح الألفية): إن عليًّا بن أبي طالب حين أشار على أبي الأسود الدؤلي أن يضع علم النحو باسمه أو يضع علم الاسم والفعل، ثم قال: “انح هذا النحو يا أبا الأسود أي أنه علمه الاسم والفعل ثم قال له انح هذا النحو يا أبا الأسود أو يا أبا أسود ثم خلفهما الكثير من علماء النحو بعد ذلك بعد أبي الأسود الأدؤلي مثل أبي خليل بن أحمد الفراهيدي، وسيبويه وغيرهم جميعا مما صان اللسان من الخطأ ومكن المسلمين من القرآن وفهم الحديث النبوي وهما دستور المسلمين الذي يجب اتباعه بلا تردد أو تلعثهم وقد حرص المسلمين أيضًا على قراءة الفاتحة قراءة صحيحة وذلك نظرا لاختصاص النحو بصحة تركيب الجملة وصحة الأداء اللغوي وسلامته لذلك هو سلاح لغوي كما يعد النحو مدخل للعلوم العربية والإسلامية؛ لذلك فقد وصفه السابقون بأنه ميزان اللغة العربية وهو القانون الذي تحكم به العربية، وبه تفهم الأغراض والمقاصد فالألفاظ مغلقة على معانيها حتى يفتح الإعراب أبوابها وبه سلم وطريقة لفهم كتاب الله والسنة النبوية الشريفة، وكذلك صيانة وحفظ للقرآن الكريم والسنة من التحريف واللحن، وغيرهما، وبه نستعين في علوم الدين.
وللنحو أيضًا أهمية في عصمة اللسان من الخطأ والسبيل للتوضيح والعرض والبيان، وكما أن الإعراب والمعنى يمكن المتعلم والمعلم من التمييز بين المعاني المختلفة وقد أشار الزجاجي إلى ذلك بقوله إن الأسماء لما كانت تعتريها المعاني وتكون فعالة ومفعولة، ومضافة ومضافا إليها ولم يكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني جعلت حركات الإعراب فيها لتنبئ عن هذه المعاني، فقالوا: ضرب زيد عمرًا فدلوا برفع زيد على أن الفعل له، وبنصب عمرو على أن الفعل واقع به.
وكذلك سائر المعاني وجعل هذه الحركات دلائل عليها؛ ليتسعوا في كلامهم، والحركات دالة على المعاني وعلى هذا فمراعاة الإعراب أمر مهم لفهم المعنى، والإخلال به يفسد المعنى، ويشوه الفكرة.
البلاغة وعلوم الدين إن الحقبة الزمنية التي نزل فيها القرآن الكريم كان العرب أثناءها قد بلغوا القمة في الفصاحة والبيان، فلما سمعوا القرآن انبهروا بروعة لغته بما يتصف به من بلاغة وبيان حارت به عقولهم، ومن ثم كان وسيلة إلى معرفة سر إعجاز القرآن في نظمه وبلاغته اللغوية فإذا أغفل الإنسان علم البلاغة لن يدرك سرا من أسرار القرآن، ولا إعجاز القرآن الكريم مما دفع العديد من العلماء إلى دراسة العلم البلاغي أو دراسة علم البلاغة حتى يتمكنون من شرح وتفسير القرآن بشكل صحيح إذا فالسبب الرئيس لربط علوم اللغة بعلوم الدين هو سبب عقائدي، وعلماء البلاغة متعمقون فيها والذين أخذوا هذه الصنعة هم الذين يعرفون كيف ارتفع الأسلوب القرآني إلى مستوى الإعجاز، ومن ذلك قول أبي هلال العسكري البلاغة أحق العلوم بالتعلم، وأولاها بعد المعرفة بالله جل ثناؤه مما أدى إلى انتشار اللغة العربية بين دول العالم.
فالعربية هي لغة القرآن ودستور الدين والصلاة وتلاوة القرآن والتعبد باللغة العربية وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة باللغة العربية والأدعية المأثورة في المناسبات أيضًا باللغة العربية، وبالتالي أصبح تعلمها وتعليمها واجبين على من أراد الدخول في الإسلام، ومع زيادة أعداد المسلمين، فقد أصبحت اللغة العربية لغة عالمية لما لها من تاريخ وعراقة، ومقومات وفضل وشرف عظيم، فالعربية هي التي سجلت بها الفلسفة والرياضيات والعلوم، وكذلك العلوم الأخرى كالطب والهندسة وغيرهما في عصر علماء المسلمين الأوائل، وكذلك الكيمياء والفيزياء.
ومن يدرس ثقافة المسلمين وعراقتهم وعلومهم في العصور التي تحضر وتطور فيها المسلمون كذلك العصر العباسي يجد كيف أن علومًا كثيرة من العلوم العملية الآن سجلت أيضًا باللغة العربية، وبعد ذلك فقد فقدت اللغة العربية جزءًا من مكانتها، ، وما لبثت أن عادت في الآونة الأخيرة أن تتخذ لنفسها مكانة جديدة بوصفها لغة عالمية؛ لذلك فإنني بعد هذا الدرس أحثك عزيزي الدارس على أن تتبنى اللغة العربية في كل أمور حياتك، وفي أحاديثك سواء كان ذلك داخل بيئة الصف الدراسي أو المدرسة أو الجامعة أو مع أبنائك أو مع إخوتك أو مع زملائك أو في أي مكان كذلك في البيع والشراء، والتواصل والتعامل في الهاتف، وفي واقع الحياة العملية حتى تنهض بها، واعلم بأن لك في ذلك أجر وثواب كما أنك أيضًا حين تتحدث عن التربية الإسلامية والتربية الدينية أو عن القدوة الحسنة أو عن القيم الأخلاقية عليك أن يكون هذا الحديث مدارًا وناطقا باللغة العربية الفصحى؛ لتتخذ في ذلك ثوابًا وأجرًا دنيويا؛ لأن اللغة العربية تكسب الحديث بلاغة، ورونقا، وجمالا وجاذبية، وتأثيرًا في النفوس كما أن لك بها ثوابا في الآخرة؛ لأنها لغة القرآن ولغة أهل الجنة.