Top
Image Alt

نظام تأسيس المحفل الأورشليمي الأوّل

  /  نظام تأسيس المحفل الأورشليمي الأوّل

نظام تأسيس المحفل الأورشليمي الأوّل

أخي الطالب سوف نتناولُ بالحديث بعض التَّنظيمات الإدارية التي اتَّفق عليها المؤسِّسون للجمعيَّة الأولى، حين كانت تُسمى الماسونيَّة بـ”القوة الخفية”.

أشرنا إلى: أنّ لفظ “الماسونية” لم يظهر على السطح إلا في القرن الثامن عشر، وجاء هذا اللفظ بديلًا عن أو وريثًا للفظ: “القوة الخفية”، هذا المصطلح الذي اتفق عليه المؤسِّسون للجمعية الأولى للقوّة الخفية. كما أشرنا أنّ هذا النوع من التنظيم عثر عليه عوض الخوري في كتاب “القوة الخفية” باللغة العبرية كما أشرنا، وقلنا إنه ترجمها للّغة العربية من الفرنسية بمعاونة رئيس جمهورية البرازيل. وفي الحقيقة لا نجد بين أيدينا وثيقةً أقوى ولا أفضل، ولا أكثر دلالة على تاريخ الماسونية، وتحقيق أهداف الماسونية، وأغراضها، وسلوكها، والأيمان، والمواثيق، والتنظيمات السرية التي كانت تتواصى بها، أدلَّ من هذه الوثيقة التاريخية المهمّة جدًّا، وهي: كتاب (القوة الخفيَّة) الذي ترجمه عوض الخوري من الفرنسية إلى اللغة العربية.

واستكمالًا لما بدأناه أريد أن أضع أمامكم تصوّرًا للهياكل التنظيمية للمحافل الماسونية، كيف تؤسّس؟ ما هي الوظائف والأدوار المنوطة بكل عضو في هذا التنظيم؟ وهل هناك علاقة تاريخية أو وصايا تاريخية متداوَلة تنساب أو تنتقل من المؤسِّسين الأوائل أو من الاجتماع الأول الذي تمّ على يد المؤسِّسين التسعة الذين أشرنا إليهم؟ هل هناك وثائق أو وصايا يتناقلها الماسون جيلًا بعد جيل إلى أصحاب المحافل الأخرى والمحافل الجديدة التي يريدون تنظيمها؟ هذا ما سوف نُلقي الضوء عليه في هذا اللقاء -إن شاء الله تعالى. ونبدأ الطريق من أوّله:

قلنا: إن المؤسِّسين التسعة للجمعية الخفية اتّفقوا فيما بينهم على: أن يجتمعوا برئاسة الملِك “هيردوس”، وأن يتّفقوا على تنظيم معيّن، على طبيعة العمل، خطوات النشاط، الأيمان والمواثيق التي يتبادلونها فيما بينهم، اسم الجمعية، مكان الجمعية، والأماكن المختارة لتأسيس محافل أو جمعيات أخرى، ووظيفة الرئيس، وظيفة النائب، وما إلى ذلك … فاجتمع هؤلاء التسعة الاجتماع الأوّل الذي يُعتبر الاجتماع التأسيسي لهذا التنظيم الذي ما زال يَحوطه الغموض إلى الآن.

حضر المؤسِّسون التسعة، وهذه المعلومات حكاها “لوران” أحد الأحفاد أو الحفيد رقم (9] من هؤلاء الذين اجتمعوا الاجتماع الأوّل لتأسيس القوة الخفية. وهذا الـ”لوران” -الذي هو الحفيد التاسع- هو الذي نقل إلينا هذه المعلومات من خلال -كما قلت- الكتاب المخطوط بالعبرية الذي ترجمه عوض الخوري. فكأنَّ معظم هذه المعلومات -خاصة الوثائق التي نشير إليها- مأخوذة من هذا الكتاب العبري الذي عثر عليه عوض الخوري بواسطة رئيس جمهورية البرازيل في حوزة “لوران” الحفيد رقم (9) للجمعية التأسيسية الأولى للتنظيم الماسوني.

 يحكي هذا المخطوط أو هذه الوثيقة: أن المؤسِّسين التسعة اجتمعوا بحضرة الملِك، وافتتح الجلسة الرئيس الذي هو الملِك، وبدأ يطلب من جميع الحاضرين الأيمان والمواثيق على أن يتكتّموا ما يسمعونه منه، فلم يعارض واحد منهم، وإنما قبِل الجميع أن يَحلف اليمين على ما يريده الملِك وما يطلبه منه، وصار تسجيل هذا اليمين أحد الخطوات الأساسية في الجلسة الأولى التنظيمية لهذا العمل الماسوني. وفي هذه الجلسة تقرّر باتفاق الجميع: أنّ الرئيس هو الذي يبدأ الحلف باليمين. وتنفيذًا لهذا الاتفاق، وقف الملِك وأخذ التوراة ووضعها على طاولةٍ أمامه، وقال للحاضرين التسعة: “اعملوا مثْل ما أعمل. مثلي تعملون تمامًا”. وبدأ فوضع يده اليمنى على التوراة، فصنع البقية مثْلما صنع الملك، من الأوّل إلى التاسع. ثم أمسك كلّ منهم ورقة بيده، هذه الورقة فيها نص اليمين المقدّس المطلوب أن يؤدِّيَه كلّ واحد من الأعضاء التسعة أمام الملِك، الذي هو رئيس أوّل جمعية تأسيسية لهذه القوة الخفية. فأدى اليمين كلّ الحاضرين ومنهم الملِك. وبعد تأدية اليمين، عاد الكلّ إلى مكانه. ثم بدأ الملك بعد أن استوثق من أنّ الجميع حلف اليمين. وأهمّ ما في هذه العهود: المحافظة على الأسرار وكتمانها.

بدأ الملك يخطب فيهم خطبة تبيِّن الهدف من تأسيس هذه الجمعية، وأنّ أهمّ أهدافها: محاربة المسيحية، وأنها لا بد أن تُحاط بالكتمان. ثم بدأ يقول: “الآن -أيها الإخوان- قد تأسست جمعيّتنا: “القوة الخفية” لتبقى قوّتها، وتبقى أعمالها، وتبقى مبادئها، وغاياتها، وأهدافها، خفيّة إلى الأبد؛ حتى نكون قد قضيْنا على التدجيلات اليسوعية وناشريها”. يقصد بالتدجيلات اليسوعية: الدِّين الذي نزل به السيد المسيح عليه السلام سمّاه: التدجيلات.

ثم يقول: “ها نحن أولاء قد صِرنا إخْوة؛ فينبغي علينا أن نجعل من إخائنا هذا إخاءً حقيقيًّا، وليس كالإخاء الذي نادى به الدجال يسوع: إخاء رياء وخزعبلات. إن إخاءنا هو الإخاء الصحيح، وهو الأساس لجمعيّتنا، وهو دعامتها الوطيدة. وكل من ينضمّ إلينا أو إلى أحفادنا أو إلى خلفائنا المؤسّسين لمثْل هذه الجمعية، يكتسب سرّ الإخاء ويوسَم به. الآن أصبحنا مقيّدين بتلك المواثيق. الآن ينبغي أن يستعدّ كلّ منّا للعمل، وما هو العمل يا إخواني الأعزاء؟”.

هكذا يخاطبهم الملك. “ما هو إلا محاولة قتْل ناشري تعاليم يسوع، وقتل كلِّ مبشّر بها كيفما استطعنا. ذلك هو مبدأنا النبيل، وتلك هي غايتنا الشريفة الدينية، وغايتنا السياسية. فلنوقنِ الآن أننا وجدنا الرابطة القوية التي تربط قلوبنا بعضها ببعض، وتعزّز مركزنا اليهودي. بهذه الرابطة وحدها نقهر أولئك الأعداء، ونسحق قوّتهم التي يزعمون أنَّهم يقومون بها للقضاء على ديانتنا، والاحتفاظ بتلك التعاليم المُضلّة اليسوعية التي أورثتهم إيَّاها رئاسة الدجال.

أما أنا فأقول لكم: ليكنْ أساسُ عملِنا الكتمان، والجرأة الدموية التي نمحوهم بها من على وجْه الأرض. ولْنورِّث هذه المبادئ لأحفادنا، ولنورِّث هذه الغايات وهذه الأهداف أحفادنا الذين سنسلِّم إليهم هذه الأسرار. وعليهم أن يورِّثوها لأبنائهم، حتى تستمرَّ مبادئنا وأسرارنا متوارثة على هذه الصورة من جيل إلى جيل. وأيّ إنسان منا صدق الخدمة لهذا المبدإ الشريف، فليكن هو نعْم الرجل؛ لأنه يخدم دِينه، ويخدم ربه؛ لأن هذه الأشياء الكريمة في عيوننا ينازعنا عليها أتباع المسيح. هل تعرفون شيئًا أكرم منهما، وأحق بغيْرتنا على ديننا من هذا؟ لقد قال الدجال: إنه صنع العجائب والمعجزات، قال: إنه ابن الله، وقال: إنه هو الله، فهل من جسارةٍ أقبح من هذه الجسارة؟! وكما نشر الأقوال التدجيلية التي لا يصحّ أن نسكت عنها، كقوله: إنه مهلك اليهود، إنه قادر على الديانة اليهودية، ألَا تروْن ما في هذا الزّعم المنكر من وقاحة وإهانة لنا … لقد ناهضوا ديننا، وحاولوا القضاء على ملّتنا؛ فهم الذين جرَّءونا على إنشاء جمعيّتنا هذه -القوة الخفية- لنواصل الكفاح ضدّهم حتى نَقضي عليهم”.

ثم بدأ الملك يطرح على الحاضرين بعض الأفكار، ليأخذ موافقتهم عليها. من هذه الأفكار: بدءوا يتساءلون عن الاسم التاريخي لهذه الجمعية، وعن المكان الذي يختارونه لتأسيس هذه الجمعية. وطرَح عليهم هذه الأفكار في خطاب آخر بعد الخطاب الأول، فقال لهم:

أيها الإخوان الأعزاء، إنّ شأن كلّ جمعية أن يكون لها مكان خاص يجتمعون فيه، وهذه القاعة التي عقدْنا فيها جلساتنا التأسيسية لا يوافق أحد أن تكون لنا ناديًا للاجتماعات السرية؛ لأنه يدخلها كثير من الناس علينا. ولما كان واجبًا أن يكون لذلك الاجتماع اسم خاص، فإنِّي أستحسن أن نؤسس ناديًا نسمّيه: “محفل أورشليم” -وهذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها هذا المصطلح، أوّل مرة في تاريخ المحافل الماسونية وتاريخ الماسونية العالمية يُستخدم فيها لفظ “محفل أورشليم”؛ ولذلك يُعرف هذا المحفل بأنه المحفل الأورشليمي الأوّل- وذلك تيمّنًا بذكْر وطننا المحبوب أورشليم، وطننا المحبوب هذا يذكِّرنا بالهدف والغرض والأساس الذي أُسِّست من أجْله هذه القوة الخفية. ولمّا كان من الواجب أن تكون أعمالنا خفية عن جميع الأعين، لينطبق على جمعيّتنا اسم “القوة الخفية”، رأينا أن نختار لنا دهليزًا نجعل اجتماعاتنا فيه حتى لا يرانا أحد، ولا يسمعنا أحد، ولا يعرف بنا أحد. والدهليز الذي نختاره ينبغي أن نسمِّيه “المحفل”.

هنا مصطلحان: مصطلح “المحفل”، ومضاف إلى المصطلح: الثاني أو الكلمة الثانية التي هي “أورشليم”، وأصبح المصطلحان أو الكلمتان مضافًا ومضافًا إليه من الألفاظ المتلازمة: “محفل أورشليم القدس”.

في هذه الجلسة، حاول هذا الملك أو هذا الرئيس: أن يطرح أيضًا على بعض الحاضرين كثيرًا من الأفكار التي ينبغي أن تكون ورقة عمل تاريخية للتنظيمات والمحافل الآتية فيما بعد. فبدأ يقول لهم: إن أكبر واسطة نجعل بها جمعيّتنا عظيمة وخطيرة، ومشوِّقة للجميع هي: أن نكتم أسرارنا عن جميع الناس، فنخفي سرّ تأسيسها. هذا بند أوّل: أن نخفي سرّ تأسيسها”.

ولعلّ هذا هو السبب الحقيقي في أنه لم تجتمع كلمة المؤرِّخين على رأي واحد حول تأسيس الماسونية، وحول الأسماء التي قامت بهذا التأسيس، إلى أن ظهر هذا المخطوط العبري الذي أحدِّثكم منه، وأحدِّثكم عنه الآن.

“ونكتم أيضًا أسماء مؤسِّسيها -أي أسماءنا نحن- على كلّ مَن ينخرط في سِلْكنا ويصير أخًا لنا. ولْيكُن هذا السِّر بيننا نحن التسعة فقط، لا يتجاوزنا إلى غيرنا كائنًا من كان. وكل منّا يورث هذا السر لأبنائه؛ لأرْصَنِهم فكرًا، وأحدِّهم ذكاءً، وأكتمهم سرًّا، وذلك بعد بلوغه سنّ الحادية العشرين، الذي هو السّنّ القانونية لمن يُسمح له بالدخول إلى التنظيم الماسوني. ولا يجوز لأحد من إخواننا أن يعرف شيئًا عن ذلك.

أما الطريقة الواجب اعتمادها فهي: أن نُفهم كلّ مَن يدخل معنا هذه الجمعية: أنّ هذه الجمعية قديمة جدًّا، ولا يُعرف منّا شيء عن تاريخ إنشائها، ولا مَن هم المؤسِّسون لها، وإن كانت منحلّة وميتة منذ عهد يسير، ربما جاء آخرون فأحيوْها. أمّا التاريخ فهذا مخفيّ عن الجميع.

هذه المعلومة الأساسية التي أخَذت من الرئيس وقتًا طويلًا في التأكيد عليها: أن تورث قضية الكتمان والسر للجميع وعن الجميع.

فبهذا الكتمان نُخفي الغاية التي من أجْلها أسّسنا هذه الجمعية، كما نُخفي تاريخ تأسيسها عن كلّ إنسان. وهذا هو صلاحنا الوحيد: نُخفي ذلك عن كل أخ ولو حصل على أعلى الدرجات؛ لأننا سنجعل لجمعيّتنا درجات، ونرتّبها أنا والإخوان: “مآب”، “وحيرام” -هؤلاء أحد الأعضاء التاسعة. ونُطلعكم على نظامها لترَوْا فيها رأيكم. وبهذه الحيلة -أيها الإخوان- نوفِّر عدد الذين يشتركون معنا. لا نكتم سر تأسيسها على أنفسنا فقط، بل نكتم هذا السر عن كلّ ما يختص أو يتّصل بالجمعية، وكل ما نقرِّره نحن التسعة يظل مكتومًا بيننا نحن فقط”.

هذا ملخّص ما دار في الاجتماع التأسيسي لهذه القوة الخفية، وملخّص للأهداف والغايات والوصايا التي تواصوا بها فيما بينهم. وتلاحظون: أنها تدور كلّها حول كتمان السر، عن تاريخ التأسيس وأسماء المؤسِّسين، ثم الهدف والغاية وهو: القضاء على يسوع، والديانة اليسوعية، وأتباع الديانة اليسوعية، إما بالتصفية الجسدية، أو بتحويلهم إلى يهود.

ثم بعد ذلك انتقلوا -هؤلاء التسعة- إلى الممارسة العملية لهذا النشاط الماسوني. ويحكي المؤلّف في 10 أغسطس من نفس العام الذي عُقدت فيه هذه الجلسة الأولى التأسيسية: أنهم اجتمعوا مرة ثانية برئاسة الملِك ليتّفقوا على بداية الممارسة للماسونية. فاجتمع هؤلاء التسعة، وخطب فيهم الملِك قائلًا: “إخواني الأعزاء، انتهينا نحن المؤسسين من مهمّتنا الأساسية، وعرفنا جيدًا أننا قد تقيّدنا بالأيمان الرهيبة وبالمواثيق المقدّسة؛ فينبغي الآن أن نسجِّل نص اليمين العمومية الواجب أن يَحلفها كلّ واحد منا، وكلّ من يريد أن يدخل إلى شركتنا، أيًّا كان نوعه. وها أنا ذا أتلو صورة اليمين على مسامعكم، حتى إذا نالت استحسان الجميع نُقرُّها ونسجّلها لتكون وثيقة تاريخية يأخذ بها كلّ مَن ينتمي إلى الماسونية أو يريد الدخول إلى محافله”.

ثم أوصاهم أن يكتبوا اليمين التالية، ويحتفظ كلّ واحد منهم بهذا النص المقدّس. جاء في هذا النص ما يلي: “أنا فلان بن فلان، أُقْسِم بالله، وأُقْسِم بالتوراة، وأقسم بشرفي، بأنني بعد ما قبِلت ودخلت في جمعية “القوة الخفية”، وصرت عضوًا من أعضائها، لا أخون إخواني، لا أخون أعضاءها بشيء يضرّ بشخصيتهم، ولا بشيء من مقرّرات الجمعية، وبأنني أتّبع مبادئها، وأتمّم جميع ما يقرّره أعضاؤها العاملون، وكلّ ما أؤمَر به من رؤسائي بكلّ دقة وطاعة وضبط، وبكل غيرة وأمانة، وبأنني أجتهد بتوفير عدد أعضائها، ولا أبوح بأيّ سر من أسرارها لأي من كان. وإن خنت بيميني هذه وثبتَتْ خيانتي، فلْيُقطعْ عنقي، أو ينزل بي الموت بأيّة طريقة كانت”. انتهى نص اليمين.

ثم بدأ الملِك يخاطبهم مرة ثانية عن بعض الأمور المتعلّقة بالتنظيمات التاريخية، فقال لهم: “أيها الإخوان، ينبغي في بادئ الأمر أن نبيِّن للداخلين معنا، ولا سيما إذا كانوا يهودًا: أنّ غاية الجمعية هي: الاتحاد اليهودي. وأمّا إذا كانوا غير يهود، فلا يلزم تفهيمهم شيئًا إلا بعد أن نكون قد درسناهم واختبرناهم، وتأكّدنا صدقهم أنهم ليسوا جواسيسَ أو أنصارًا لأعدائنا اليسوعيين، وبعد أن يكونوا قد تدرّجوا في درجات الجمعية، وتبيّنّا صدْق خدماتهم، وغيرتهم على اليهودية، وصدق محافظتهم على الدين اليهودي. بعد ذلك كلّه نقدّمهم رويدًا رويدًا في الوقوف على غايات الجمعية الأساسية، أي: قتل أتباع يسوع، وحفْظ الدين اليهودي. وعندئذ لا تبقى حاجة لإجبارهم بتنفيذ مقرّراتها، بل ينفذّونها من تلقاء أنفسهم.

فإذا سُئلنا عن تاريخ إنشاء هذه الجمعية، فلا نقول الحق، ولا حرج علينا في ذلك؛ لأنه لا حرج علينا في الكذب؛ لأن مصلحة الجمعية ومصلحة الدِّين تضطرنا إلى الكذب. وينبغي أن نقتصر على هذا الجواب، وهو: وجدْت في خزائن الملك “هيرودس الكبير” أوراقًا تتضمّن قانونًا وعلامات وإشارات ورموزًا مصرية قديمة، وطلاسم وألفاظًا غامضة تختص بهذه الجمعية. وتلك الأوراق مورّثة عن الأجداد الأقدمين الذين لا يُعرفون من أي جيل هم. أمِن عهد سليمان؟ أم من عهد داود؟ أم من أيام موسى؟ أم من القرون السابقة؟ لا ندري، لا ندري، لا ندري. وليكن هذا هو الجواب الذي نحاجج به الجميع. ويجب أن يُقرن بالكتمان. فهل تستحسنون ذلك أيها الأعضاء؟”.

هكذا خطب الملِك، فقالوا جميعًا: نعم. هذه هي المبادئ الأساسية للقوة الخفيّة، وضعوها في الاجتماع الأول، واتّفقوا عليها، وأقسموا اليمين عليها، وأخذوا على أنفسهم العهود والمواثيق.

ثم يقدّم لنا الأستاذ “شاهين مكاريوس” أحد أقطاب الماسونية: النظام المتفق عليه في تأسيس المحافل الجديدة، وانضمام الأعضاء إلى هذه المحافل، في كتاب مختصر وموجز جدًّا اسمه: (الأسرار الخفية في الجمعية الماسونية). نشرَت هذا الكتاب دار مارون عبود في بيروت. ومن أهم التنظيمات التي أشار إليها عند تأسيس المحافل الجديدة: أنه ينقل عن المراجع التي اطلع عليها أن نظام التأسيس للمحافل يتمثّل في الآتي:

يتقدّم تسعة أعضاء بعريضة إلى المحفل الأكبر الذي ينتسبون إليه، ويطلبون فيه إنشاء محفل جديد بالاسم الذي يختارونه، والمكان الذي يرغبون تأسيس المحفل فيه، والزمان المتفق عليه للاجتماع. وبعد الترخيص لهم حسب الأصول الماسونية، يحضر الأستاذ الأعظم والمندوبون من قبل لتكريس المحفل الجديد رسميًّا، وتثبيت موظّفيه. ويتلو الأستاذ الأعظم أو مندوبه الدعاء التالي: “اللهم يا عظيم، يا عليّ، يا مهندس الكون الأعظم. يا من وسِع كرسيّه السماوات والأرض. يا عليمًا بما نُخفي وبما نعلن. اهدنا الصراط المستقيم، وأعنّا بقوتك في جميع أعمالنا. وراعنا بعينك التي تفتح لنا الخير باسمك الأعظم، وتراعي بعين رعايتك، وتختم بالشكر منا لك على نِعمك التي لا تحصى”. ثم يردّد الجميع لفظ: “آمين” بعد هذا الدعاء. ثم يتلو الأستاذ الأعظم الالتماس المقدّم من الأعضاء التسعة بتأسيس المحفل الجديد الذي يرغبون فيه.

هذا هو النظام المتّبع في تأسيس المحافل الجديدة. وتأسيس أو محاولة انضمام أفراد جُدد إلى المحافل لها أيضًا نظام جديد متعدّد الخطوات لا أريد أن أشغلكم به، لكنني سوف أشير في نهاية الدروس الخاصة بموضوع الماسونية عن أهمّ المراجع التي تناولت هذه الموضوعات بالتفصيل.

error: النص محمي !!