نظريات لمناهج أطفال ما قبل المدرسة
وثمة نظريات ومصادر ومكونات لمناهج أطفال ما قبل المدرسة ينبغي في ضوئها أن يُبنى المنهج، وفيما يلي توضيح لذلك.
أما بالنسبة لمصادر ومناهج الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، فإن من بين هذه المصادر نظريات نمو الطفل، ونظريات علم النفس التعليمي، كذلك أيضًا من بين مصادرها نظريات النمو المعرفي لـ”دياجيه”، وكذلك نظريات التعلم لـ”بافلوف” وكذلك النظريات الخاصة بالنشاط الطبيعي للطفل، وأيضًا الفلسفة التربوية التي تعتمد في الدولة أو في المؤسسة التعليمية لأطفال ما قبل المدرسة، وكذلك التقييم لتحديد نقاط القوة والضعف وعلاج الضعف، وتعزيز القوة في مناهج أطفال ما قبل المدرسة.
كما أن لهذا المنهج مكونات، وينبغي عند إعداد مناهج أطفال ما قبل المدرسة مراعاة هذه المكونات جميعًا للمنهج، ومن هذه المكونات النظرية الفلسفية التي يتبناها المنهج، والأهداف المرجو تحقيقها من المنهج، سواء كانت أهدافًا عامة أو أهدافًا خاصة لمادة ما.
وأيضًا المحتوى، وهو المادة العلمية المقدمة للمتعلم وطبيعتها، وطريقة تنظيمها، وكذلك الإستراتيجية المستخدمة لتنفيذ المنهج، وأيضًا تنظيم المنهج، ومن سيقوم بتنفيذه، والجدول الزمني لمراحل تنفيذ المنهج، وأيضًا تقييم المنهج، وتحديد الصعوبات التي رافقت تنفيذ هذا المنهج في ضوء خصائص الأطفال، وخصائص تلك المرحلة.
وكذلك تحديد الموارد البشرية والمادية اللازمة لتنفيذ هذا المنهج، وذلك لأن مناهج أطفال ما قبل المدرسة تحتاج إلى عدد من الموارد خاصة تلك الموارد المادية التي تؤدي إلى استثارة الطفل عن طريق تقديم ألعاب ونماذج ومجسمات له تعمل على دمج الطفل وربطه بعملية التعلم، ويشعر الطفل عند تقديم شيء مادي له في هذه المرحلة أنه على قدر بالغ من الأهمية، وأنه قد قام بإنجاز عمل يستحق معه التقدير، وبالتالي يحرص الطفل في هذه المرحلة على أن يتعلم، وعلى أن يبذل المزيد من الجهد والوقت في عملية التعلم.
ولعل الفلسفة التي تقف وراء ذلك تستمد أسسها، وتستمد جذورها من نظريات علم النفس التعليمي، ومن نظريات النمو، ومن نظريات التعلم، إذ أن الطفل في هذه المرحلة يكون أحوج ما يكون إلى تقديم تعزيزات خاصة وسريعة ومتلاحقة له؛ حتى يشعر أنه قام بشيء صحيح يستحق معه المكافأة والتقدير.
في حين نرى أن تأخر مثل هذه المكافآت قد يرى إلى عزوف الطفل وابتعاده، وانصرافه عن الاهتمام وعن عملية التعلم، وبالتالي لا يكون فعالًا؛ لذا ينبغي تحديد واعتماد الموارد البشرية والمادية اللازمة لتنفيذ منهج الأطفال فيما قبل المدرسة إذ قد يؤدي ذلك بالضرورة إلى تنمية المواهب، واكتشاف القدرات والطاقات الكامنة داخل الأطفال في تلك المرحلة.
وجدير بالذكر أن مناهج أطفال ما قبل المدرسة لا بد أن تراعي على نحو تفصيلي كافة جوانب النمو لشخصية الطفل، وكذلك يجب أن تضع من الأساليب، ومن المحتوى للمنهج ما يتفق مع خصائص الأطفال في تلك المرحلة.
ومن جوانب النمو التي ينبغي اعتبارها من قبل القائمين على إعداد مناهج أطفال ما قبل المدرسة: جانب النمو النفسي والحركي لطفل ما قبل المدرسة، ويُعد هذا هو الجانب الأول من جوانب النمو، والنمو الجسمي والحركي للأطفال في تلك المرحلة إلى من سن أربع إلى ست سنوات، من أهم الخصائص والمظاهر في تلك المرحلة ما يلي:
الزيادة في الطول والحجم والوزن، ويسير النمو العضلي بمعدل أسرع من ذي قبل، ونمو الحواس والشعور الخاص بها حيث يكتسب الطفل عن طريقها كل معلوماته عن العالم الخارجي، والتي أثبتت البحوث التجريبية الحديثة أنها تولد شعورًا باللذة عنده في هذه المرحلة أكثر من البالغ، أي أكثر من الكبير؛ حيث يكون شغوفًا بشم الأشياء وتذوقها، والنظر إليها واكتشافها، والبحث عما تحويه، وعما يختبئ خلفها.
والنمو الجسمي في هذه المرحلة يسير بشكل خاص؛ حيث يبلغ في سن الرابعة من حياة الطفل أربعين بالمائة من النمو الجسمي العام الذي يُنتظر أن يصل إليه الطفل بعد أن يكتمل نضجه في حوالي سن العشرين، يصل هذا النمو العام إلى اثنين وأربعين بالمائة في سن السادسة.
ولذلك ينبغي على المناهج أن تراعي النمو الجسمي والحركي لطفل ما قبل المدرسة في هذه المرحلة؛ حيث إنه يتميز بقدرة عالية على التحرك والقيام بأفعال وأشياء، بعضها قد يفيده، والبعض قد يضره.
من المعلوم أن هذه الحركات تعتمد في أساسها على عضلات كبيرة، بعكس الكتابة والمشي والأمور الصعبة التي تحتاج إلى سيطرة الطفل على عضلاته التفصيلية، والتي تكون في مرحلة متأخرة من مراحل النمو؛ حيث يتمكن الطفل في سن الرابعة من الإمساك بالقلم، وقطعة الطباشير، ويخط بها خطوطًا غير موجهة، لذلك فينبغي على المنهج ألا يطلب من الطفل القيام بأشياء حركية وأشياء جسمية لا تتفق مع مظاهر نموه في هذه المرحلة، وينبغي أن يكون المنهج متناولًا وقاصدًا ومركزًا في محتواه مع خصائص كل مرحلة من هذه المراحل.
الجانب الثاني من جوانب النمو لطفل ما قبل المدرسة: هو النمو العقلي، والأطفال في هذه المرحلة في سن الرابعة من العمر يبدي خمس وسبعون بالمائة منهم ترددًا في الكلام، لكنه يختفي تدريجيًّا نتيجة زيادة حصيلة الألفاظ التي يستخدمونها في كلامهم، وسرعة الإناث في النمو اللغوي أكبر من الذكور في هذا السن الذي تستزاد فيه حصيلة الطفل اللغوية بسرعة، حتى يمكنه فهم الألفاظ بنسبة ثلاث وتسعين بالمائة في سن الثالثة، وبنسبة مائة بالمائة بعد الثالثة والنصف من عمره، هذا في حالة الأطفال العاديين.
لكنه علاوة على ذلك، فإن من أهم مظاهر النمو العقلي لدى الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، وفي هذا السن تكوين المفاهيم مثل مفهوم الزمان والمكان، والعدد والأشكال الهندسية، ويتدرج في استخدام اللغة النامية لديه من المفاهيم المتصلة بالمأكولات والمشروبات والملبوسات والشخصيات إلا أن نمو المفاهيم الموجودة لديه تكون في مرحلة تالية.
كذلك زيادة التذكر المباشر وبخاصة العبارات المفهومة والأجزاء الناقصة من الصورة ونمو الذكاء، وإدراك العلاقات، وذاتية التفكير، وزيادة خيال الطفل ونجاحه في مجال اللعب الإيهامي؛ حيث يطغى خياله على الحقيقة؛ لذلك ينبغي على المناهج في هذه المرحلة الاهتمام بالنمو العقلي للطفل، وأن يتضمن المنهج من الموضوعات والمفردات ما يساعد على هذا النمو، ولا يعرقل هذا النمو بحال من الأحوال.
الجانب الثالث من جوانب النمو التي ينبغي على المناهج مراعاتها والعمل بالتواكب والتلاؤم معها: هو النمو اللغوي لهذا الطفل في هذه المرحلة؛ حيث يعتبر عنصر اللغة من العناصر المهمة في نمو الطفل العقلي في سنواته الأولى، وذلك ليس باعتبارها المظهر الرئيسي الذي يميز الإنسان عن الحيوان، وإنما لأنها تتبلور حولها عندما تنمو مع الطفل شتى الفعاليات الفكرية الأخرى للطفل وغيرها، وبنموها مع الطفل يتحقق لديه أكبر قدر من التوافق لشروط الحضارة، وكذلك التقدم الاجتماعي.
لذا يجب على مناهج أطفال ما قبل المدرسة والقائمين عليها العمل على زيادة الحصيلة اللغوية، والنمو اللغوي والمساعدة في ذلك بشتى الوسائل والأساليب السمعية والبصرية.
الجانب الرابع من جوانب النمو لأطفال مرحلة ما قبل المدرسة، والتي يجب أن تراعيها مناهج أطفال ما قبل المدرسة: هي النمو الانفعالي للطفل، ونمو الطفل الانفعالي في هذه المرحلة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإشباع عدة حاجات أساسية لديه، أهمها: حاجته إلى الأمن، وحاجته إلى التقبل، وحاجته إلى التقدير الاجتماعي، وحاجته إلى النجاح، وحاجته إلى تأكيد ذاته، وحاجته إلى الاستقلال، وحاجته إلى السلطة الضابطة أو المرشدة، وحاجته إلى الرفاق.
وهذه الحاجات الأساسية لما لها من أهمية للنمو الانفعالي للطفل في هذه المرحلة، يجب إشباعها والعمل على تأكيدها بطريقة صحيحة، ولذلك ينبغي أن تخلو المناهج من الأشياء الخيالية، والأشياء التي تثير الرعب وتؤدي إلى الشعور بعدم الأمن لدى الأطفال.
ويعتبر من أهم العوامل المؤثرة في هذا النمو الانفعالي للطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، ولعلها تكون الوسائل المساعدة للمنهج أو الأنشطة المتضمنة في مناهج أطفال ما قبل المدرسة: وسائل الإعلام من الراديو والتليفزيون من خلال ما يشاهده الطفل من أفلام وبخاصة أفلام العنف والرعب والإثارة؛ حيث يميل الطفل في هذه المرحلة إلى تقليد الشخصيات المعروضة أمامه من خلال لعبه الإيهامي؛ لعجزه عن تحقيقها في الواقع، ويزداد خطر ذلك من طول المدة التي يقضيها أمام التليفزيون عن تلك التي يقضيها مع والديه.
ولذلك ينبغي إبعاد الأطفال في تلك المرحلة، وعدم تضمين أية أنشطة ترتبط بالمناهج أو أي محتوى بالمناهج يتطلب أمورًا ترتبط بوسائل الإعلام.
ولذلك ينبغي أن تسير مناهج أطفال ما قبل المدرسة في خط يحارب ذلك تمامًا، ولا يدعو إليه حتى يحرص الطفل أو حتى عندما يشاهد الطفل ذلك في التلفاز، وفي غيره من وسائل الإعلام يعلم أن هذه الأشياء غير محمودة، والمنهج الذي يتناوله ويقدم إليه في مرحلة ما قبل المدرسة يرفض هذا العنف رفضًا تامًّا، ولذلك يجب على المناهج والقائمين عليها لأطفال ما قبل المدرسة نبذ هذا العنف، ونبذ الرعب والخوف وغيرها من الأشياء التي تؤثر في النمو الانفعالي للطفل.
وأخيرًا، فإن هناك النمو الاجتماعي لطفل ما قبل المدرسة، وينبغي على المناهج في هذه المرحلة أن تؤكد على التفاعل والاندماج الاجتماعي بين الطفل وغيره، عن طريق الألعاب والتمثيليات والقصص والروايات التي تحكي دائمًا التعاون والتفاعل الاجتماعي بين مجموعة من الأطفال على نحو طيب وحسن؛ مما يدعو الطفل إلى التفاعل الاجتماعي، والبعد عن العزلة، والشعور بالاضطراب.