Top
Image Alt

نفقة المعتدة

  /  نفقة المعتدة

نفقة المعتدة

إن نفقة المعتدة واجبة على زوجها حسب التفصيل الآتي:

أولًا: إن كانت المعتدة مطلقة طلاقًا رجعيًّا وجبت لها النفقة بأنواعها المختلفة من طعام وكسوة وسكنى بالاتفاق؛ لأن المعتدة تعد زوجة ما دامت في العدة.

ثانيًا: وإن كانت معتدة من طلاق بائن؛ فإن كانت حاملًا وجبت لها النفقة بأنواعها المختلفة بالاتفاق؛ لقول الحق سبحانه وتعالى : {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]،  وإن كانت غير حامل وجبت لها النفقة بأنواعها أيضًا عند الحنفية بسبب احتباسها في العدة لحق الزوج، ولا تجب لها النفقة في رأي الحنابلة؛ لأن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها البتة فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة ولا سكنى؛ وإنما قال: ((إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة))، وتجب لها السكنى فقط في رأي المالكية، والشافعية؛ لقوله -تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6]، فإنه أوجب لها السكنى مطلقًا؛ سواء أكانت حاملًا، أو غير حامل، ولا تجب لها نفقة الطعام والكسوة؛ لمفهوم قول الله -تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [الطلاق: 6]،  فدل بمفهومه على عدم وجوب النفقة لغير الحامل.

ثالثًا: وإن كانت معتدة من وفاة؛ فلا نفقة لها بالاتفاق؛ لانتهاء الزوجية بالموت، لكن أوجب لها المالكية السكنى مدة العدة إذا كان المسكن مملوكًا للزوج، أو مستأجرًا ودفع أجرته قبل الوفاة، وإلا فلا.

رابعًا: وإن كانت معتدة من زواج فاسد، أو شبهة فلا نفقة لها عند الجمهور؛ إذ لا نفقة لها في الزواج الفاسد فلا نفقة لها في أثناء العدة منه، وأوجب المالكية لها إن كانت حاملًا النفقة على الواطئ؛ لأنها محتبسة بسببه، فإن كانت غير حامل، أو فسخ نكاحها بلعان فيجب لها السكنى فقط في المحل الذي كانت فيه.

الحكم الخامس من الأحكام الواجبة على المعتدات: الإحداد، أو الحداد؛ وهو في اللغة: الامتناع من الزينة، وفي الاصطلاح: ترك الطيب، والزينة، والكحل، والدهن المطيب وغير المطيب، وهو خاص بالبدن، فلا مانع من تجميل فراش، وبساط، وستور، وأثاث بيت، وجلوس امرأة على حرير، ويباح للمرأة الحداد على قريب كأب، وأم، وأخ ثلاثة أيام فقط، ويحرم إحداد فوق ثلاث على ميت غير زوج؛ للحديث المتفق عليه من حديث أم سلمة؛ حيث قالت: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا))، وللزوج منع زوجته من الحداد على الأقرباء؛ لأن الزينة حقه، ومدة الحداد على الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام.

والإحداد على الزوج خاص في رأي الحنفية بالمرأة البالغة المسلمة ولو كانت أمة، فلا إحداد عندهم على صغيرة وذمية؛ لأنهما غير مكلفين، ولا إحداد على أم الولد؛ لأنها ليست زوجة، ويشمل الحداد عند الجمهور كل زوجة بنكاح صحيح؛ صغيرة كانت أو كبيرة، أو مجنونة مسلمة، أو كتابية، وكذا الأمة الزوجة في رأي الحنابلة.

ولا يجب الإحداد على الإماء في رأي المالكية والشافعية؛ لأنهن لسن بزوجات، وأما الصغيرة والذمية؛ فلأن غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا؛ وإنما يفترقان في الإثم فكذلك الإحداد؛ ولأن حقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة، فكذلك فيما عليها.

ولا إحداد على غير الزوجات كأم الولد إذا مات سيدها، والأمة التي يطؤها سيدها، والموطوءة بشبه، والمزني بها، والمنكوحة نكاحًا فاسدًا؛ لأن نص الحديث السابق خص الإحداد بالزوج، ولأن ذات النكاح الفاسد ليست زوجة على الحقيقة، والإحداد واجب شرعًا على الزوجات.

وقد اتفق الفقهاء على عدم وجوب الحداد على الرجعية؛ لأنها في حكم الزوجة فلها أن تتزين لزوجها، وتتشرف له ليرغب فيها ويعيدها إلى ما كانت عليه من زوجية، واتفقوا أيضًا على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها؛ للحديث السابق -هكذا- أن أم حبيبة < لما بلغها موت أبيها أبي سفيان انتظرت ثلاثة أيام ثم دعت بطيب، وقالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا)).

وأوجب الحنفية الحداد على المبتوتة، أو المطلقة طلاقًا بائنًا؛ لأنه حق الشرع وإظهارًا للتأسف على فوات نعمة الزواج كالمتوفى عنها، ولم يوجبه الجمهور عليها، وإنما يستحب فقط؛ لأن الزوج أذاها بالطلاق البائن؛ فلا تلزم بإظهار الحزن والأسف على فراقه، ولأنها معتدة من طلاق كالرجعية، وإنما يستحب لها الحداد؛ لئلا تدعو الزينة إلى الفساد، ويكون الإحداد بترك التجميل وهو أن تجتنب المرأة ما يلي:

أولًا: الزينة: بحلي ولو خاتم ذهب، أو فضة، أو حرير مطلقًا ولو كان أسود، وأجاز بعض الشافعية كابن حجر التحلي بالذهب والفضة، وأجاز الحنابلة لبس الحرير الأبيض؛ لأنه مألوف.

ثانيًا: الطيب في البدن والامتشاط لا في الثياب لما فيه من الترفه واجتذاب الأنظار، ومنعها المالكية من الاتجار في الطيب وعمله.

ثالثًا: الدُّهن المُطيب وغير المطيب؛ لأن فيه زينة الشعر، ولا يخلو الدهن عن نوع طيب.

رابعًا: الكحل؛ لما فيه من زينة العين، وأجاز فقهاء المذاهب كلهم الكحل للضرورة، أو لحاجة ليلًا لا نهارًا.

خامسًا: الحناء وكل أنواع الخضاب والصباغ؛ لما روت أم سلمة: “أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة أن تختضب”.

سادسًا: لبس الثوب المطيب والمصبوغ بالأحمر أو الأصفر، ودليل ذلك حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المتوفى عنها زوجها لا تَلْبَسُ المعصفر من الثياب ولا الممشقة -والممشقة المصبوغة بالمصق وهو المغرة، أي: الطين الأحمر يصبغ به- ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل))، والحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وفي رواية أخرى: ((ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب))، وعن أم عطية، قالت: كنا نُنهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب، والحديث متفق عليه من حديث أم عطية.

وثوب العصب نوع من برود اليمن جمع بردة يعصب غزله، أي: يجمع ثم يشد ثم ينسج معصوبًا فيصبح موشى لبقاء ما عصب منه أبيض لم ينصبغ، وإنما ينصبغ السدى دون اللحمة، والسدى ما مد من خيوط الثوب وضده اللحمة، وهو ما نسج عرضه.

ويجوز للمرأة فعل شيء مما سبق للضرورة؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، ويباح لها لبس الأسود في المذاهب الأربعة، ولم يجز الظاهرية الكحل ولو لضرورة ولا الأسود؛ لأنه كالأحمر والأصفر، ولم يجز المالكية لبس الأسود إذا كان يتزين به في قوم، ويباح لها عند الجمهور دخول الحمام المنزلي وغسل الرأس بالصابون ونحوه، ولم يجز المالكية لها دخول الحمام إلا لضرورة، ولها قص الأظافر ونتف إبط وحلق عانة (استحداد) وإتباع دم الحيض بطيب، فإن تركت المتوفى عنها الحداد عصت الله إن علمت حرمة الترك، ويعصي ولي الصغيرة والمجنونة في رأي غير الحنفية إن لم يمنعها، وتنقضي عدتها بمضي الزمان مع العصيان كما لو فارقت المنزل.

الحكم السادس من أحكام المعتدة: ثبوت نسب الولد المولود في العدة:

يثبتُ نسب ولد المطلقة رجعية من الزوج في رأي الحنفية إذا جاءت بالولد لسنتين، أو أكثر ولو طالت المدة إما لامتداد طهرها وعلوقها في العدة، ما لم تقر بانقضاء عدتها، وكانت المدة تحتمله، ويثبت نسب ولد المبتوتة بلا دعوى ما لم تقر بانقضاء العدة إذا جاءت به لأقل من سنتين؛ لأنه يحتمل أن يكون الولد قائمًا وقت الطلاق، والحمل عندهم لا يبقى أكثر من سنتين، فإن جاءت به لتمام سنتين من يوم الفرقة لم يثبت نسبه من الزوج؛ لأنه حادث بعد الطلاق فلا يكون منه، ولأن وطأها حرام إلا أن يدعيه الزوج؛ لأنه التزمه، وله وجه بأن وطأها بشبهة في العدة.

ويثبت نسب ولد المتوفى عنها زوجها ولو غير مدخول بها إذا لم تقر بانقضاء عدتها ما بين الوفاة وبين سنتين، وإن اعترفت المعتدة مطلقًا، أي: معتدة بانقضاء عدتها ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار ثبت نسبه؛ لظهور كذبها بيقين فبطل الإقرار، وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر لم يثبت نسبه؛ لأنه علم بالإقرار أنه حدث بعده؛ لأنها أمينة في الإخبار، وقول الأمين مقبول إلا إذا تحقق كذبه.

وتنطبق هذه الأحكام في المذاهب الأخرى بملاحظة أن أقصى مدة الحمل عند الشافعية والحنابلة أربع سنين، وعند المالكية خمس سنين.

الحكم السابع من أحكام المعتدات: ثبوت الإرث في العدة:

إذا مات أحد الزوجين قبل انقضاء عدة المطلقة طلاقًا رجعيًّا ورثه الآخر بلا خلاف؛ سواء أكان الطلاق في حال المرض، أو في حال الصحة؛ لبقاء الزوجية حكمًا فتكون سببًا لاستحقاق الإرث من الجانبين، فإن كان الطلاق بائنًا، أو ثلاثًا في حال الصحة فمات أحد الزوجين في العدة لم يرثه الآخر، وهذا باتفاق، وإن كان الطلاق بائنًا، أو ثلاثًا في حال المرض؛ فإن كان برضاها لا ترث بالإجماع، وإن كان بغير رضاها فإنها ترث من زوجها عند الجمهور؛ عملًا بما روي عن الجماعة من الصحابة؛ مثل: عمر وعثمان وعلي وعائشة وأبي بن كعب، ومعاملة للمطلق بنقيض مقصوده، وهذا هو طلاق الفار -وقد تقدم بيانه- ولا ترث عند الشافعية لزوال النكاح بالإبانة، أو الثلاث فلا يثبت الإرث.

ثامنًا: لحوق الطلاق في العدة:

إن طلق الرجل زوجته طلقة فقط فاعتدت منه، ثم طلقها طلقة ثانية وثالثة؛ فإن الطلاق يلحقها إلى انقضاء العدة.

error: النص محمي !!