هل الزنا يثبت بالبينة؟
هل الزنا يثبت بالبينة؟ وما هو عدد الشهود؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتحقق في شهود الزنا، حتى تستوجب إقامة الحد.
البينة: هي أن يشهد على حقيقة الزنا أربعة من الشهود، يصفون الزاني وصفًا تامًّا، وأنه وقع بالفعل الذي لا يخالطه لبس أو شك، متى شهد الشهود بذلك، فإن لتلك الشهادة اعتبار في إقامة الحد، ولكن لا بد أن يكون هناك شروط، تتوافر في هؤلاء الشهود، حتى نقيم على الزاني الحجة، ويقام عليه الحد، هذه الشروط تكمن في:
الشرط الأول: أن يكون الشهود أربعة، وهذا ما أجمع عليه العلماء بلا خلاف؛ لقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، وقوله تعالى: { وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15]، وكذلك في السنة ما يؤيد ذلك، فقد ورد عن أبي هريرة، أن سعد بن عبادة، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلًا، أُمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم)).
الشرط الثاني: أن يكون الشهود كلهم من الرجال، وعلى ذلك فلا تقبل في الحدود شهادة النساء، وهو مما ذهب إليه عامة العلماء بلا خلاف، ووجه ذلك: أن الحدود تنطوي على خطورة؛ لما فيها من إزهاق للنفس، أو إذهاب لبعض أعضاء البدن، أو ألم بالضرب، وبناءً على ذلك فلا مجال للتساهل في تشريع الحدود؛ ولذلك جعلت شهادة النساء في الحدود شبهة؛ لاحتمالات الضعف، أو الغفلة، أو الجنوح، وليس في ذلك إنقاص من شأن النساء، ولكنه الأخذ بعين الاعتبار للمراعاة الكاملة لفطرة كل من الذكر والأنثى.
وفي هذا المعنى، تشير الآية الكريمة: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، وليس في مثل هذا التشريع إلا الأخذ الكامل بالحيطة، والحرص في قضايا الحدود؛ صونًا لأرواح الناس أن تزهق.
الشرط الثالث: الحرية: فلا تقبل شهادة العبيد في الحدود، وذلك لخطورة الأمر، وأهمية الموقف مما يوجب الحيطة والحرص؛ صونًا للنفوس والأبدان، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم.
الشرط الرابع: العدالة، وهي شرط في سائر الشهادات، ومن ثم ففي الحدود أولى؛ لأهمية الموقف وخطورة المسألة؛ طلبًا للحرص والحيطة، وعلى هذا لا تقبل الشهادة من الفاسق، أو مستور الحال، الذي لا تعلم عدالته؛ لاحتمال أن يكون فاسقًا، وقد بيّن الشافعي العدالة بأنها ملكة، أي: هيئة راسخة في النفس، تمنع من اقتراف كبيرة، أو صغيرة، دالة على الخسة، أو مباح يخل بالمروءة، أو تعرف العدالة بأنها: اجتناب الكبائر، والإصرار على الصغائر.
الشرط الخامس: الإسلام، وهو أن يكون الشهود مسلمين، ومن ثم فلا تقبل الشهادة من الكفار، فإن هؤلاء لا تتحقق فيهم العدالة، ومن ثم فلو كان أحد الشهود من غير المسلمين، ردت الشهادة ولم يقم حد.
الشرط السادس: أن يصف الشهود الزنا وصفًا دقيقًا، فيقولون: رأينا ذكره في فرجها، كالمرود في المكحلة، والرشاء في البئر، وهذا قول عامة أهل العلم؛ وبذلك فإن الحاكم عليه أن يسأل الشهود عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ وأين زنا؟ ومتى؟ وبمن زنا؟ فإذا لم يكن الجواب وافيًا ودقيقًا، وبعيدًا عن الريبة والاضطراب، وجب إيقاف الحد؛ لأن ذلك شبهة، فوجب الاحتياط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادرءوا الحدود بالشبهات))، وقوله: ((ادرءوا الحدود ما استطعتم)).
الشرط السابع: حضور الشهود في مجلس واحد، سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين، وهو قول الشافعية، والحنفية، ووجه هذا القول: أن المجلس كله بمنزلة الحال الواحد؛ ولهذا ثبت في مجلس العقد خيار المجلس لكل من المتعاقدين ما دام المجلس قائمًا؛ إذ ساعات المجلس مهما تعددت، فإنها تعتبر كساعة واحدة، إذًا المعنى هو حضور الشهود في مجلس واحد، ولا يشترط الاجتماع في المجيء، وإنما العبرة بأن يجتمعوا جميعًا في مجلس واحد، ومن ثم فلو جاءوا متفرقين واحدًا بعد آخر في مجلس واحد، قبلت شهادتهم.
أما فقهاء الحنفية، والمالكية، فقد اشترطوا أن يكون المجيء في مجلس القاضي، واشترطوا أيضًا الاجتماع في المجيء، ومن ثم فإن جاءوا غير مجتمعين، أو إن جاءوا متفرقين فهم قذفة، ويجب في حقهم حد القذف، أما إن جاء البعض منهم بعد قيام الحاكم من مجلسه كانوا جميعًا قذفة، وعليهم حد القذف عند فقهاء الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وهذا يدعونا إلى أن نسأل سؤالًا، ماذا يكون الحكم لو رجع الشهود عن الشهادة، أو رجع واحد منهم؟
هناك أقوال للفقهاء في تلك المسألة، من تلك الأقوال، من يقول: بوجوب الحد عليهم جميعًا، وهناك من يقول: يجب الحد على الثلاثة دون الراجع فقط، ووجه هذا القول: أن الراجع قبل الحد، كالتائب قبل تنفيذ الحكم، فيسقط عنه الحد، وهناك من يرى وجوب الحد على الراجع وحده، دون الثلاثة الآخرين؛ لأنه في نظر هؤلاء قاذف يجب في حقه الحد.
هل يشترط اتفاق الشهود في المكان والزمان:
يرى جمهور العلماء: أن من شرط الشهادة لكي تكون صحيحة ومقبولة، أن لا تختلف لا في المكان، ولا في الزمان، وبناءً على ذلك لو شهد اثنان أنه زنا بها في هذا المكان، وشهد اثنان آخرين أنه زنا بها في مكان آخر، ففي تلك الحالة يعتبر الجميع قذفة، ومن ثم فيجب عليهم الحد.