Top
Image Alt

هل يثبت الزنا بالإقرار؟

  /  هل يثبت الزنا بالإقرار؟

هل يثبت الزنا بالإقرار؟

هل يثبت الزنا بالإقرار؟ وإذا كان يثبت بالإقرار، فما هي الاعتبارات التي ينبغي أن تعتبر في الإقرار، حتى يكون صحيحًا، ويستوجب العقوبة؟ وهل يثبت الزنا بالبينة؟ وما المقصود بالبينة؟ وما هي الشروط، التي تعتبر في الشهود على الزنا؟ وما هو حد الزنا بالنسبة للمحصن، ولغير المحصن؟.

وللإجابة عن تلك الأسئلة، نقول: الإقرار، ونعني به: أن يعترف الزاني بحصول الزنا منه، من غير تردد ولا لبس، هذا هو الإقرار، اعتراف بالزنا صراحة، دون تردد ولا غموض؛ ولكي يكون الإقرار صريحًا، لا بد من اعتبارات، حتى يستوجب الإقرار الحد، ومن تلك الاعتبارات:

الاعتبار الأول: ويتمثل هذا الاعتبار في أن يقر الزاني بوقوع الزنا منه أربعة أقارير، على أن يكون إقراره طوعًا دون إكراه، ومن ثم فإذا أكره الشخص على الإقرار بالزنا، فإن إقراره لا يوجب حدًّا أيًّا كان هذا الإقرار، وقد بين عمر رضي الله عنه هذا المعنى عندما قال: “ليس الرجل بأمين على نفسه إذا جوعته، أو ضربته، أو أوثقته”، كأن عمر رضي الله عنه يرى أن الإنسان لا يمتنع عن الإقرار، حتى ولو كان يؤدي إلى عقوبة، طالما أن هناك إكراه، وأيًّا كان هذا الإكراه.

وفي هذا المعنى نقول: “ويستوي في ذلك ما لو كان الإقرار في مجلس واحد، أو مجالس مختلفة عند فقهاء الحنفية والحنابلة، وعلى ذلك فإن أقر أربعة أقارير أقيم عليه الحد، وإن أقر دون ذلك، فلا حد، فلا اعتبار عند هؤلاء الفقهاء من أن يحدث الإقرار في مجلس واحد، أو في مجالس مختلفة، إنما الاعتبار عندهم بالعدد، فإن أقر أربعة أقارير أقيم عليه الحد، واستدلوا لذلك من السنة، بما روي عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه، قال: ((كان ماعز بن مالك يتيمًا في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجًا، فأتاه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم عليَّ كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأقم عليّ كتاب الله، حتى قالها أربع مرات، قال صلى الله عليه وسلم: إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟ -يعني: بمن زنيت؟- قال: بفلانة قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم، قال: هل جامعتها؟ قال: نعم، قال: فأمر به أن يرجم)).

وفي رواية عن أبي هريرة، قال: ((أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من المسلمين وهو في المسجد، فناداه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه -أي: صرف وجهه عنه- فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ أيضًا يستفسر منه- أبك جنون؟ قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه)).

أما فقهاء الشافعية، والمالكية، وأهل الظاهر، فقالوا: “ينبغي أن يقام عليه الحد إذا أقر بالزنا مرة واحدة طوعًا، واستدلوا على ذلك، بما ورد عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني، أنهما أخبرا: (( أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر -وكان أفقههما: أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم، قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا -أي: أجيرًا- فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة، وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فردٌّ إليك -أي: مردودة عليك- وجلد ابنه مائة وغرَّبَه عامًا، وأمر أنيسًا الأسلمي، أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها)).

وموضع الاستدلال هنا، هو قوله صلى الله عليه وسلم: ((واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها))، إذ الحديث يدل بظاهره على وجوب الاكتفاء بأقل ما يصدق اللفظ عليه، وهو يصدق بالمرة الواحدة، فكأن هؤلاء الفقهاء استدلوا بهذا الحديث على أن الإقرار لو كان إقرارًا واحدًا مرة واحدة، فإنه يستوجب إقامة الحد.

الاعتبار الثاني في الإقرار: قالوا: أن يذكر المقر حقيقة ما فعل؛ لأنه قد يحتمل أن ما دون حقيقة الزنا يعتبر أمرًا موجبًا للحد، وذلك كاللمس، أو التقبيل، أو الغمز، أو المضاجعة ونحو ذلك، وقد ذكرنا في البداية: ليس شيء من ذلك يوجب الحد، وإنما هذه الأفعال تستوجب عقوبة تعزيرية، ونستدل على ذلك، بما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت))، عند ذلك أراد صلى الله عليه وسلم أن يستوضح من ماعز الضابط الحقيقي للزنا، والذي يستوجب الحد، وكأنه يقول: إذا لم يتحقق هذا الضابط، فإنه لا يكون هناك حد، إذ الحديث دليل على ضرورة التثبت من وقوع الزنا بحقيقته، وعلى انتزاع الأسباب، التي عسى أن تكون في ذاتها شبهات يندرئ عندها الحد.

الاعتبار الثالث من اعتبارات الإقرار: إثبات العقل، فإنه لا ينبغي أن يقام الحد على المجنون، أو السكران لو ادعى أنه زنا؛ وذلك لأنه لا تحصل الثقة بقوله، ودليل ذلك ما أخرجه الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه)) فإنه يستدل بذلك على ضرورة التثبت من تمام العقل عند المدعي، فإن كان به جنون أو هذيان، فإن ذلك شبهة يندرئ عندها الحد.

وهنا نسأل سؤالًا أيضًا له علاقة بالإقرار، هل يشترط لإقامة الحد على الزاني بالإقرار، بقاؤه على الإقرار إلى تمام الحد؟ وماذا لو رجع المقر عن إقراره أثناء إقامة الحد عليه؟ هل يتوقف الحد؟ أو لا؟

ولبيان ذلك نقول: يشترط لإقامة الحد على الزاني بالإقرار، بقاؤه على إقراره إلى تمام الحد، أما إن رجع عن إقراره قبل تنفيذ الحد، أو خلال تنفيذه، وجب الكف عن تنفيذ الحد فيه، وهذا ما قال به الإمام مالك، والثوري، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وهناك من الفقهاء من يرى أن الحد يقام على المقر، حتى وإن رجع عن إقراره، وهو قول للحسن البصري، وسعيد بن جبير، وابن أبي ليلى، حيث قالوا: “يقام على المقر الحد، ولا يترك برجوعه عن إقراره”، واحتجوا لذلك بأن ماعزًا هرب عند إقامة الحد فقتلوه، ولم يتركوه، ولو قبل رجوعه للزمتهم الدية، هذا فيما يتعلق بالإقرار.

error: النص محمي !!