Top
Image Alt

هل يشترط بيان سبب الجرح والتعديل؟

  /  هل يشترط بيان سبب الجرح والتعديل؟

هل يشترط بيان سبب الجرح والتعديل؟

الجرح -وكذا التعديل- قد يكون مفسرًا وقد يكون مبهمًا، فالمفسر هو ما يذكر الجارحُ أو المعدلُ سبب الجرح والتعديل، هذا جرح مفسر أو تعديل مفسر، والمبهم هو ما لا يذكر فيه الجارحُ أو المعدلُ السبب، بل يكتفي بأن يقول: فلان عدل، أو فلان متروك الحديث.

محل الخلاف بين العلماء إنَّما هو في قبول الجرح المبهم والتعديل المبهم، فهذا المحل

اختلف فيه العلماء على مذاهب أشهرها خمسة:

المذهب الأول: أنَّ الجرح والتعديل يُقبلان مجملين غير مفسرين، وهذا المذهب منسوب للقاضي أبي بكر الباقلاني، وقد اختاره الآمدي في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام)، والخطيب البغدادي في كتاب (الكفاية).

المذهب الثاني: أنهما لا يُقبلان إلا مفسرين؛ حيث إن التجريح يحصل ولو بخصلة واحدة، فذكر سببه مما يسهل على المجرح أما العدالة فيكثر فيها التصنع؛ فمن الناس من يظهر بمظاهر العدالة من الصلاح والتقوى والورع وليس هو كذلك، فكان ذكر سبب التعديل أو التجريح ضروري.

المذهب الثالث: قال أصحابه: يجب ذكر السبب في الجرح دون التعديل، يعني: إذا كنت ستجرح شخصًا اذكر لنا أسباب التجريح، وإذا كنت ستعدل شخصًا فلا داعي لذكر أسباب التعديل.

المذهب الرابع: قال أصحابه: يجب ذكر سبب التعديل دون الجرح -يعني: عكس المذهب الثالث.

ووجهة نظر أصحاب هذا المذهب قالوا: لأنَّ العدالة يكثر فيها التصنع فيتسارع الناس إلى التعديل، والمعدل يبني على الظاهر، وهذا المذهب نقله إمام الحرمين الجويني والغزالي والفخر الرازي عن بعض الأصوليين.

المذهب الخامس: أن الجرح يُقبل مجملًا إن كان الشخص لم يسبق تعديله، وأما إن كان شخصًا سبق تعديله فلا يقبل مجملًا، بل لا بد من ذكر السبب، أما التعديل فيقبل مجملًا غير مفسر.

والظاهر -والله أعلم- أن الراجح من هذه المذاهب هو المذهب الأول القائل بقبول الجرح والتعديل مبهمين غير مفسرين، والذي اختاره القاضي أبو بكر ونقله عن الجمهور، ويؤيد ذلك أن الذي يُطالع ويتأمل في كتب الجرح والتعديل يجد أئمة الحديث رحمهم الله يقتصرون على قولهم: فلان ضعيف هذا في جانب الجرح ولا يذكرون السبب، وفلان ليس بشيء، وقلما يتعرضون لبيان السبب، هذا هو الراجح في المسألة، والله تعالى أعلم.

إذن لا يُشترط بيان سبب التعديل للعجز عن ضبط أسبابه لكثرتها، أما الجرح فقد ذهب الإمام أحمد في رواية عنه والشافعي إلى أن الجرح لا يقبل إلا إذا تبين سببه؛ لاختلاف الناس في سبب الجرح، فقد يرى بعضهم ما لا يصلح للجرح جارحًا كما جرح رجل للجهر بالبسملة في الصلاة مع أن هذا السبب لا يصلح جارحًا، والواقع ونفس الأمر أن هذا لا يصلح سببًا للتجريح؛ إذ إن الجهر بالبسملة أمر مختلف فيه، ومن المقرر عند علماء الفقه وعند علماء الشريعة أنه لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المجمع عليه.

error: النص محمي !!