وجوبُ فتح همزة “إنَّ”
يتعيَّنُ فتحُ همزةِ “إِنَّ” في تسعة مواضع:
الأوّلُ: أن تقع فاعلةً، نحو قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّآ أَنزَلْنَا} [العنكبوت: 51] أي: إنزالُنا.
الثاني: أن تقع مفعولةً غير محكيَّةٍ بالقول، نحو قوله تعالى: {وَلاَ تَخَافُونَ أَنّكُمْ أَشْرَكْتُم} [الأنعام: 81] أي: إشراكَكم، بخلاف المَحكيّة بالقول، فإنها واجبة الكسْر -كما تقدّم.
الثالثُ: أن تقع نائبة عن الفاعل، نحو قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ} [الجن: 1] أي: استماعُ نفَر.
الرابعُ: أن تقع مبتدأً في الحال، أو في الأصل.
فالأوّل: نحو قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً} [فُصِّلَت: 39] أي: رؤْيَتُك الأرض مِن آياته؛ هذا مذهب الخليل.
والثاني: نحو: “كان عندي أنَّك فاضل”. فـ”أنّك فاضل” في الأصل قبل دخول “كان”: مبتدأ. والظرف “عندي”: الخبر. ومِن وقوع “أنَّ” وما بعدها: مبتدأ عند سيبويه.
قوله تعالى: {فَلَوْلاَ أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ [الصافات: 143]، والتقدير: فلولا كونُه من المسبِّحين موجود.
الخامسُ: أن تقع خبرًًا عن اسم معنىً غير قول، ولا صادقٍ عليه. أي: اسم المعنى خبرُها -أي: خبر “أنّ”-، نحو: “اعتقادي أنَّك فاضل”، فـ”أنك فاضل”: خبر “اعتقادي”، وهو اسم معنىً غيرُ قولٍ، ولا صادق على “اعتقادي” خبرُها؛ لأنّ “فاضل” لا يَصدق على الاعتقاد.
والتقدير: اعتقادي فضلُه، أي: معتقدي ذلك. بخلاف قولي: “إنَّه فاضل”؛ فيجب كسْرها، لأنها وقعت خبرًًا عن “قولي”، وبخلاف “اعتقاد زيدٍ إنَّه حقٌ”؛ فيجب كسْرها أيضًًا؛ لأنّ خبرها، -وهو “حق”- صادق على الاعتقاد.
السادسُ: أن تقع مجرورة بالحَرف، نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ} [الحج: 6]؛ لأنّ المجرور بالحَرف لا يكون مفردًًا.
السابعُ: أن تقع مجرورة بالإضافة إلى غير ظرفٍ، نحو قوله تعالى: {إِنّهُ لَحَقّ مّثْلَ مَآ أَنّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23]، فـ{مّثْلَ} : مضافة إلى {أَنّكُمْ تَنطِقُونَ} ، و{مَآ} : صلة، أي: مثل نُطْقِكم.
الثامنُ: أن تقع تابعة لشيء مِن ذلك؛ وهي: إمّا أن تكون معطوفةً على شيء من ذلك، نحو قوله تعالى: {اذْكُرُواْ نِعْمَتِي الّتِيَ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّي فَضّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47] فـ{وَأَنّي فَضّلْتُكُمْ} : معطوفٌ على: {نِعْمَتِي} وهو: مفعول به. والمعنى: اذْكُرُوا نِعمَتِي وتفضِيلي.
التاسعُ: أن تقع مُبدَلة مِن شيء مِن ذلك، نحو قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتِيْنِ أَنّهَا لَكُمْ} [الأنفال: 7]، فـ{أَنّهَا لَكُمْ} : بدل اشتمال من{إِحْدَى} . والتقدير: إحدى الطائفتيْن كوْنها لكم.
فهذه المواضع التِّسع يجب فيها فتحُ همزة “إنَّ”؛ لأنها مواضع المفردات، فـ”أَنَّ” وما دخلت عليه في تأويل مصدر يَسُدُّ مسدّها ومَسدّ معمولَيْها.