وجوبُ كسر همزة “إنَّ”
تتعيّن “إنَّ” المكسورة الهمزة حيث لا يجوز أن يَسُدَّ المصدرُ مَسَدَّها ومسدَّ معمولَيْها؛ وذلك في عشرة مواضع:
الأوَّلُ: أن تقع في الابتداء حقيقة، نحو قوله تعالى: {إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدْر: 1]؛ لأنها لو فُتِحَت لصارت مبتدًأً بلا خبر، أو حُكمًًا. ومنه قوله تعالى: {أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]؛ لأنّ {نّ} الواقعة بَعْد {أَلآ} الاستفتاحية واقعة في الابتداء حُكمًًا.
الثاني: أن تقع تالية لـ”حيث”، نحو: “جلست حيث إنَّ زيدًًا جالسٌ”.
الثالثُ: أن تقع تالية لـ”إذْ”، نحو: “جئتُك إذْ إنَّ زيدًًا أمير”.
الرابعُ: أن تقع تالية لـ”موصول” اسميٍّ أو حَرفيٍّ، نحو قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوّةِ} [القصص: 76]، فـ{مَآ} : موصول اسميّ، وجب كسر همزة {إِنّ} بعْدها، لوقوعها في صدر الصلة، وصلة الموصول -غير “أل”- يجب أن تكون جملة، بخلاف الواقعة في حشو الصِّلة، نحو: “جاء الذي عندي أنه فاضل”؛ فإنه يجب فتْحها، فإنها مع معمولَيْها: مبتدأ تقدّم خبره في الظرف قبلَه، والمبتدأ وخبره: صلة “الذي”.
وبخلاف قولهم: “لا أفْعَلَه ما أنَّ حِرَاءَ مَكانَه”، بفتح “أنَّ”، لوقوعها في حشو الصلة تقديرًًا، إذ التقدير: ما ثبت ذلك، أي: ما ثَبَتَ أنَّ حراءَ مكانه؛ فليست في التقدير تاليةً للموصول؛ لأنها فاعل لفعل محذوف. والجملة الفعلية: صلة “ما” الموصول الحرفي أو الظرفي. والمعنى: لا أفعله مدّة ثبوت حراءَ مكانه.
الخامسُ: أن تقع جوابًًا لقَسم لم يُذكر فِعْله، أو ذُكِر وجاءت “اللام”.
فالأول نحو قوله تعالى: {{حـمَ}(1) {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}(2) {إِنّا أَنْزَلْنَاه} [الزُّخرُف: 1-3].
والثاني: نحو: “أقسمتُ إنَّ زيدًًا لقائمٌ”؛ لأنّ جواب القَسم يجب أن يكون جملة.
السادسُ: أن تقع مَحكيّة بالقول، نحو قوله تعالى: {قَالَ إِنّي عَبْدُ} [مريم: 30].
السابعُ: أن تقع حالًًا، مقرونة بالواو، أو لا.
فالأول نحو قوله تعالى: {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5]؛ فجملة: {وَإِنّ فَرِيقاً مّنَ الْمُؤْمِنِينَ } في موضع نصب: حال.
وأمّا قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطّعَامَ} [الفرقان: 20]، كُسرت همزة “إنّ” لأجل “اللام”، لا لوقوعها حالًًا.
الثامنُ: أن تقع صفة لاسم عَين، نحو: “مررت برجل إنه فاضل”؛ لأنّ الفتح يؤدِّي إلى وصف أسماء الأعيان بالمَصدر، وهي لا توصَف به إلاّ بتأويل؛ وذلك مفقود مع “إنّ” المكسورة.
التاسعُ: أن تقع بعد عامل عُلِّق عن عمله فيها بـ”اللام” الابتدائية، نحو قوله تعالى: {وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
العاشرُ: أن تقع خبرًًا عن اسم ذات:
غير منسوخ، نحو: “زيدٌ إنه فاضلٌ”؛ لأنّ المَصدر لا يُخبَر به عن أسماء الذوات إلاّ بتأويل، وذلك ممتنع مع “إنّ”.
أو منسوخ، ومنه قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئِينَ وَالنّصَارَىَ وَالْمَجُوسَ وَالّذِينَ أَشْرَكُوَاْ إِنّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [الحج: 17]؛ فجملة: {إنّ} ومعمولَيْها: خبر {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ} وما عُطف عليه، وهي: أسماء ذوات.