Top
Image Alt

وجوب السمع والطاعة للحاكم، وعدم الخروج عليه، والوفاء ببيعته، ونصحه للخارجين منهم

  /  وجوب السمع والطاعة للحاكم، وعدم الخروج عليه، والوفاء ببيعته، ونصحه للخارجين منهم

وجوب السمع والطاعة للحاكم، وعدم الخروج عليه، والوفاء ببيعته، ونصحه للخارجين منهم

ومما لا شك فيه أنه يمكن الإفادة في هذا الشأن من مجموع ما انتهى إليه الفكر الإسلامي، من تنظيم دقيق للعلاقة بين الحاكم والمحكومين، من حيث واجبات كل منهم، وحقوقه، وكيفية عزل الإمام سلميًّا إن خرج عن مقتضى المعروف والمألوف، وهو ما يسمى بـ”العقد الاجتماعي”، التي ثبتت به إمامته خروجًا يقتضي عزله أو مساءلته على نحو ما، فذلك في جميع الأحوال خير من الخروج عليه بالقتال.

وقد قررت الدساتير الحديثة في هذا الشأن، الحدود والتصرفات التي إذا ارتكبها الحاكم سعت مؤسسات الدولة الدستورية سعيًا سلميًّا منظمًا إلى تطبيق هذه المساءلة، ومما لا شك فيه أن ذلك يمكن حدوثه في الدول التي تلتزم على وجه العموم بنظام دستوري.

ومن المقرر في الإسلام أن الحكمة ضالة المؤمن، وحيثما وجدها فهو أحق بها، والحكمة: كل ما ينفع الناس مما ثبت جدواه، وتحقيقه للمصالح المشروعة للناس، وإن كان من ثمرات تجاربهم مسلمين كانوا أو غير مسلمين، طالما أن في العمل بتلك التجارب فائدة ومصلحة للناس، وقد قبل صلى الله عليه وسلم هذا المنهج دون إنكار ودون غضاضة، عند المشورة فيما يتعلق بمشورة حفر الخندق، الذي لم يعرفه العرب من قبل في حروبهم الصحراوية، وكما نقل عن عمر رضي الله عنه الكثير من العمل بتنظيمات الأمم الأخرى، وتجارب الكثير منها.

ولا يدخل هذا في حكم البدعة الضالة المرفوضة، إلا عند قوم لا يفقهون حقيقة الإسلام ومقاصده ونصوصه، فهم جامدون على تقديس ما ليس مقدسًا، إلا عند جهلة الناس مما لا فقه عندهم ولا قدرة حقيقية على استنباط أو قياس صحيح، أو تقدير مصلحة معتبرة، وهؤلاء هم الذين يؤثرون البغي على الحاكم وقتاله، وتكدير المجتمع، وتعريض مقوماته للخطر على المساءلة، أو العزل الدستوري السلمي مثلًا، وهذا العزل يحتاج إلى عقد اجتماع محكم ينظم العلاقة الدقيقة بين الحاكم والمحكوم، من حيث الحقوق والواجبات.

ولا شك أن وجوب السمع والطاعة للحاكم واجبة؛ كي يترسخ النظام، وتتبدد مظاهر الاضطراب والفوضى، وفي هذا المعنى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))، وفي حديث آخر لمسلم في صحيحه، عن ابن عمر قال: ((كنا إذا بايعنا رسول الله على السمع والطاعة، يقول لنا: فيما استطعتم)) وفي رواية أخرى: يقول صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي)).

وليس هذا فقط، بل نجد تنديدًا بالخروج على الإمام المسلم، والاستنكاف عن طاعته، أخرج مسلم، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية)).

وفي الحض على الالتزام بالطاعة، ووحدة الجماعة وعدم الخروج على الإمام المسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: ((من كره من أميره شيئًا فليصبر)).

على أن الطاعة المفروضة على المسلمين للحاكم، ينبغي أن نعلم أنها طاعة مشروطة بالتزام الحاكم بشريعة الله، وسياسة الناس في ضوء الكتاب والسنة، وأيما ابتعاد عن منهج الله إلى شرائع الكفر والبطلان، يجعل المسلم في حِل من طاعة الحاكم، وفي هذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر، قال صلى الله عليه وسلم: ((على المرء السمع والطاعة فيما أحب وفيما كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية لا سمع ولا طاعة))، وفي حديث آخر جامع: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهلَه، وعلى أن نقول الحق أينما كنا، ولا نخاف في الله لومةَ لائمٍ)).

وفي أهمية البيعة للإمام، والالتزام بطاعته في نطاق الشرع، وعدم الخروج عليه، أو عصيانه بنقض البيعة، أخرج مسلم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن خلع يدًا من طاعة الله، لقي الله يوم القيامة ولا حجَّةَ له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية)).

وتأسيسًا على كل ما تقدم من هديه صلى الله عليه وسلم فإنه لو خرجت فئة من المسلمين على الإمام، وأعلنوا العصيان له، وابتعدوا عنه، وعن اتباع أوامره التي ألزمهم بها، وألزموا بها أنفسهم عند المبايعة، كان هؤلاء بغاةً عصاةً، يجب على الإمام في حقهم أن يبادرهم بالدعوة في رفق؛ امتثالًا لقول الله -تبارك وتعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، هنا يجب على الإمام أن يبادرهم بالدعوة في رفق إلى مراجعة أنفسهم، والدخول تحت راية الإسلام، وأن لا يحدثوا في المسلمين القلاقل والفوضَى، وأن لا يُعرِّضوا البلاد والأمة للضعفِ والفتنةِ.

وعلى الإمام في هذا الشأن أيضًا، أن يُذكِّر هؤلاء البغاة العصاة بخطورة عِصيانهم وخروجهم، وما يؤول إليه ذلك من وخيم العواقب في التدمير والهوان، وتعريض الإسلام إلى شر مستطير، وبذلك يسائلهم الإمام عن أمرهم، وما يبغون، فإن كانت تغشاهم غاشية من لبس أو إشكال في قضية من قضايا العلم والمعرفة، هنا يجيبهم عن تلك التساؤلات، ويحاول بما يتوافر لديه من إمكانيات، أن يكشف لهم عن وجه الحقيقة بما يبدد من أذهانهم كل مَعلَم من معالم الشك والريبة، حتى إن كانت لهم قضية من قضايا السياسة، أو العيش أو نحو ذلك أعانهم على حل مشكلاتهم التي من هذا القبيل.

لكنهم إذا رفضوا وأصروا على الخروج وشق الطاعة، وتعريض البلاد للفتنة التي قد تعصف بالإسلام والمسلمين، هنا بادرهم الإمام بالقتال لا محالة؛ لأنه قد استنفذ معهم الوسائل؛ ممتثلًا لقول الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، استعمل معهم الوسائل التي تزيل من أذهانهم كل معلَم من معالم الشك والريبة، وحاول بما أوتي من إمكانيات حل قضاياهم المتعددة إن كانت لهم قضايا، أو فكر، أو تأويل، لكنهم مع ذلك رفضوا وأصروا على الخروج وشق الطاعة، وفي ذلك ما لا شك فيه من تعريض البلاد للفتنة التي قد تعصف بالإسلام والمسلمين.

فلا محالة هنا من أن يبادر الإمام هؤلاء بالقتال؛ حتى يعيدهم إلى صوابهم أولًا، ولكي تتبدد معالم الشر والفساد والفتنة من البلاد ثانيًا، وهذا الأمر لا شك أن له مستند شرعي؛ إذ الأصل فيه ما ورد من قول الله عز وجل: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]، ففي هذه الآية الكريمة، دليل واضح على وجوب قتال الفئة الباغية على الإمام، أو المسلمين.

وفي هذا المعنى، يقول القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عوَّل الصحابة، وإياها عني النبيصلى الله عليه وسلم بقوله: ((أبشر عمار، تقتلك الفئة الباغية)) وقوله عليه السلام في شأن الخوارج: ((يخرجون على خير فرقة)) وفيهم يقول صلى الله عليه وسلم: ((تقتلهم أولى الطائفتين بالحق)) وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب، ومَن كان معه.

وبهذا، فقد تقرر عند علماء المسلمين، وثبت بدليل الدِّين أن عليًّا كان إمامًا، وأن كل مَن خرج عليه يعتبر باغيًا، وإن قتاله واجب حتى يفيء إلى أمر الله، وهو الحق والصواب، لكن مع ذلك هناك رحمة للإسلام في كيفية قتال هؤلاء، وفي معاملة الأسرى منهم، فنجد أنه إذا وقع القتال بين إمام المسلمين والبغاة الخارجين عليه، فإنه يقيد عند قتاله لهم بما ينطوي على رحمة الإسلام وسماحته؛ ولذلك يرى الفقهاء في هذا الصدد: أنه متى استحكم القتال، فلا ينبغي أن يكون القتال إلا بقدر ما يجزئ في حسم الفتنة وإذهاب البغي، من غير اشتداد ولا مغالاة ولا غلظة، كالذي عليه قتال الكافرين، والمرتدين.

إذن، فالأمر يختلف بين قتال هؤلاء، وقتال الكافرين والمرتدين.

error: النص محمي !!