Top
Image Alt

وصف الحاكم للحديث الصحيح، وتعقيب العلماء على ذلك

  /  وصف الحاكم للحديث الصحيح، وتعقيب العلماء على ذلك

وصف الحاكم للحديث الصحيح، وتعقيب العلماء على ذلك

قال الحاكم في (علوم الحديث): “وصْف الحديثالصحيح”:أن يرويَه الصحابي المشهور بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم  وله راويان ثِقتان. ثم يرويه مِن أتباع التابعين الحافظ المُتقِن المشهور بالرواية وله رواة ثِقات”.

وقال في (المدخل): “الدّرجة الأولى من الصحيح: اختيار البخاري ومسلم، وهو: أن يَروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  صحابيٌّ زائل عنه اسم الجهالة، بأن يروي عنه تابعيّان عدلان. ثم يروي عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابي وله راويان ثقتان. ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظٌ مُتقِن وله رواة من الطبقة الرابعة. ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظًا مشهورًا بالعدالة في روايته. ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا، كالشهادة على الشهادة”.

فعمّم الحاكم في (علوم الحديث) شرْط الصحيح مِن حيث هو، وخصّص ذلك في (المدخل) بشرْط الشيخيْن. وقد نقض عليه الحازمي ما ادّعى أنه شرْطُ الشيخيْن بما في “الصحيح” من الغرائب التي تفرّد بها بعض الرواة. وأجيب بأنه إنّما أراد أنّ كلّ راوٍ في الكتابيْن يُشترط أن يكون له راويان، لا أنه يُشترط أن يتّفقا على رواية هذا الحديث بعيْنه.

قال أبو على الغسّاني، ونقله عياض عنه: “ليس المراد: أن يكون كلّ خبَر روياه يجتمع فيه راويان عن صحابيِّه، ثم عن تابعيِّه، فمَن  بَعْده، فإنّ ذلك يعزّ وجوده؛ وإنما المراد: أنّ هذا الصحابيّ وهذا التابعيّ قد روى عنه رجلان خرجا بهما عن حدّ الجهالة”.

قال شيخ الإسلام ابن حجر: “وكأن الحازميّ فهِم ذلك من قول الحاكم: “كالشهادة على الشهادة”، لأنّ الشهادة يُشترط فيها التّعدّد. وأجيب: لاحتمال أن يريد بالتشبيه بعضَ الوجوه لا كلّها، كالاتصال واللقاء وغيرهما”.

وقال أبو عبد الله المواق: “ما حمل الغساني عليه كلام الحاكم، وتبِعه عليه عياض وغيره: ليس بالبيِّن، ولا أعلم أحدًا روى عنهما أنهما صرّحا بذلك، ولا وجود له في كتابيْهما ولا خارجًا عنهما. فإن كان قائلُ ذلك عرَفه من مذهبهما بالتّصفّح لِتصرّفهما في كتابيْهما، فلم يُصِبْ لأنّ الأمريْن معًا في كتابيْهما. وإن كان أخَذه من كون ذلك أكثريًّا في كتابيْهما، فلا دليل فيه على كونهما اشترطاه. ولعلّ وجود ذلك أكثريًا إنما هو لأنّ من روى عنه أكثر من واحد أكثر ممّن لم يرو عنه إلّا واحد من الرواة مطلقًا، لا بالنسبة إلى مَن خُرِّج له منهم في “الصحيحيْن”. وليس من الإنصاف التزامهما هذا الشرط من غير أن يثبت عنهما ذلك مع وجود إخلالهما به، لأنهما إذا صحّ عنهما اشتراط ذلك كان في إخلالهما به درَكٌ عليهما”.

قال شيخ الإسلام ابن حجر: “وهذا كلام مقبول وبحثقويّ”. وقال في مقدمة (شرح البخاري): “ما ذكَره الحاكم، وإن كان منتقَضًا في حقِّ بعض الصحابة الذين أُخرِج لهم، إلّا أنه مُعتبَر في حقِّ مَن بَعْدهم؛ فليس في الكتاب حديث أصل من رواية مَن ليس له إلّا راوٍ واحد فقط”.

وقال الحازمي ما حاصله: “شرْط البخاري: أن يُخرج ما اتّصل إسناده بالثِّقات المُتقِنين المُلازمين لِمن أخذوا عنه ملازمة طويلة، وأنه قد يُخرِّج أحيانًا عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لِمن روَوْا عنه، فلم يَلزموه إلّا ملازمة يسيرة.

وشرط مسلم: أن يُخرِّج حديث مَن لم يَسلم من غوائل الجَرح، إذا كان طويلَ الملازمة لِمن أخَذ عنه، كحمّاد بن سلمة في ثابت البناني وأيوب”.

وقال ابن الصلاح: “إن المراد بقولهم: “على شرطهما”: أن يكون رجال إسناده في كتابيْهما، لأنه ليس لهما شرط في كتابيْهما ولا في غيرهما”.

قال الحافظ العراقي: “وهذا الكلام قد أخذه ابن الصلاح، حيث قال في (المستدرك): “أودعه ما رآه على شرْط الشيخيْن، وقد أخرجا عن روايته في كتابيْهما”، قال: “وعلى هذا عمل ابن دقيق العيد؛ فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديث على شرْط البخاري مثلًا، ثم يعترض عليه بأنّ فيه فلانًا ولم يُخرِّج له البخاري. وكذا فعَل الذهبي في (مختصر المستدرك)، قال: “وليس ذلك بجيّد؛ فإنّ الحاكم صرّح في خطبة (المستدرك) بخلاف ما فهموه عنه، فقال: “وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث رواتُها ثقات، قد احتجّ بمثلها الشيخان أو أحدُهما”. فقوله: “بمثْلها” أي: بمِثل رواتها، لا بِهِمْ أنفسهم. ويُحتمل أن يراد: بمثْل تلك الأحاديث؛ وإنّما تكون مثْلَها إن كانت بنفس رواتها، وفيه نظر”.

قال: “وتحقيق المثليّة: أن يكون بعضُ من لم يُخرَّج عنه في “الصحيح” مثلَ مَن خُرِّج عنه فيه، أو أعلى منه عند الشيخيْن. وتُعرف المثليّة عندهما إمّا بنصّهما على أنّ فلانًا مثلُ فلان أو أرفع منه -وقلّما يوجد ذلك-، وإمّا بالألفاظ الدالة على مراتب التعديل، كأن يقول في بعض مَن احتجّا به: “ثقة”، أو ثبْت”، أو “صدوق”، أو “لا بأس به”، أو غير ذلك من ألفاظ التعديل. ثم يوجد عنهما أنهما قالا ذلك أو أعلى منه في بعض من لا يحتجان به في كتابيْهما؛ فيُستدلّ بذلك على أنه عندهما في رتبة من احتجّا به؛ لأن مراتب الرواة معيار معرفتها ألفاظ الجَرح والتعديل”.

قال: “ولكن هنا أمر فيه غموض لا بدّ من الإشارة إليه؛ وذلك أنهم لا يكتفون بالتصحيح لمجرّد حال الراوي في العدالة والاتّصال، من غير نظر إلى غيره؛ بل ينظرون في حاله مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قِلّتها، أو كونه في بلده ممارسًا لحديثه، أو غريبًا من بلد مَن أخَذ عنه. وهذه أمور تظهر بتصفّح كلامهم وعملِهم في ذلك”.

قال شيخ الإسلام ابن حجر: “ما اعترَض به شيخنا على ابن دقيق والذهبي، ليس بجيِّد؛ لأن الحاكم استعمل لفظة “مثل” في أعمّ من الحقيقة والمجاز في الأسانيد والمتون. دلّ على ذلك: صُنعُه. فإنه تارة يقول: “على شرطهما”، وتارة “على شرط البخاري”، وتارة “على شرط مسلم”، وتارة “صحيح الإسناد” ولا يعزوه لأحَدِهما. وأيضًا فلو قصد بكلمة “مثل” معناها الحقيقي حتى يكون المراد احتج بغيرها ممّن فيهم من الصفات، مثل: ما في الرواة الذين خرجا عنهم، لم يقل قط: “على شرْط البخاري”، فإنّ شرط مسلم دونه. فإن كان على شرطه فهو على شرطهما، لأنه حوى شرْط مسلم وزاد”.

قال: “ووراء ذلك كلّه: أن يروى إسناد ملفّق من رجالهما، كسماك، عن عكرمة، عن ابن عباس. فسماك على شرْط مسلم فقط. وعكرمة انفرد به البخاري. والحق: أنّ هذا ليس على شرْط واحد منهما. وأدقّ من هذا: أن يرويا عن أناس ثقات ضُعّفوا في أناس مخصوصين من غير حديث الذين ضُعفوا فيهم، فيجيء عنهم حديث من طريق ضُعفوا فيه برجال كلّهم في الكتابيْن أو أحدهما؛ فنسبته أنه على شرْط من خرّج له غلط. كأن يقال في هشيم عن الزهري، كلّ من هشيم والزهري أخرجا له، فهو على شرطهما، فيقال: بل ليس على شرط واحد منهما، لأنهما إنما أخرجا لهشيم من غير حديث الزهري، فإنه ضُعف فيه؛ لأنه كان دخل إليه فأخذ منه عشرين حديثًا، فلقيَه صاحب له وهو راجع فسأله روايته، وكان ثم ريح شديدة فذهبت الأوراق من الرجل. فصار هشيم يُحدّث بما علق منها بذهنه، ولم يكن أتقن حفظَها، فوهم في أشياء منها ضُعّف في الزهري بسببها. وكذا همّام ضعيف في ابن جريج، مع أنّ كلًّا منهما أخرجا له، لكن لم يُخرجا له عن ابن جريج شيئًا.

فعلى مَن يعزو إلى شرطهما أو شرط واحد منهما: أن يسوق ذلك السّند بنسق رواية مَن نسَب إلى شرْطه ولو في موضع من كتابه”.

وكذا قال ابن الصلاح في (شرح مسلم): “من حَكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في “صحيحه”: بأنه من شرْط الصحيح، فقد غفَل وأخطأ؛ بل ذلك متوقِّف على النّظر في كيفية رواية مسلم عنه، وعلى أيّ وجه اعتمد عليه”.

error: النص محمي !!