Top
Image Alt

وقت خروج الصغار والمجانين من الحَجْر

  /  وقت خروج الصغار والمجانين من الحَجْر

وقت خروج الصغار والمجانين من الحَجْر

إذا كان هناك حجر يقع على هذا الصنف، وهم الصغار والمجانين, فإلى أي وقت يمتد هذا الحجر؟ وبعبارة أخرى: ما هو الوقت الذي يخرجون فيه من الحجر, فينطلقون ويتمتعون بكامل حريتهم في التصرف في أموالهم؟

نتكلم أولًا عن وقت خروج الصغار، ثم نتابع الكلام بعد ذلك عن وقت خروج المجانين، وغيرهم.

وقت خروج الصغار من الحجر:

اتفق الفقهاء على أن وقت خروج الصغار من الحجر هو وقت بلوغ الصغير سن التكليف، وإيناس الرشد منه، كما قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا}. فلا تسلم للصغير أمواله إلا في هذا الوقت، وهو أن يبلغ سن التكليف، ويؤنس منه الرشد، أي: يصل إلى مرحلة يكون فيها رشيدًا؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا}، فهذا الوقت لا يسلم للمحجور عليه الصغير إلا بهذين الشرطين؛ لأن الله تعالى علق دفع المال عليهما في قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}، والحكم المعلق على شرطين لا يثبت بدونهما؛ أي: الحكم المعلق على شرطين هنا -وهو خروج الصغير من الحجر- معلق على شرطين ذكرهما الله في قوله تعالى: {بَلَغُواْ النِّكَاحَ} {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا}, فلا يثبت بدونهما، ولا بد أن يتحققا حتى يخرج الصغير من الحجر؛ فإذا بلغ الصغير ننظر إما أن يبلغ رشيدًا، أو غير رشيد، فإذا بلغ رشيدًا -أي: مصلحًا للمال عند الجمهور؛ لأن الجمهور يقولون: الرشد هو الصلاح في المال فقط- يُدفع إليه ماله، ويُفَكّ عنه الحجر بنص الآية المذكورة: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ}.

لكن اختُلف في هذا الرفع -رفع الحجر: هل يحتاج لحكم قاضٍ بالرفع, أم لا يحتاج لذلك؟

يذهب الجمهور إلى أن الحجر يرتفع بدون حكم حاكم أو قاضٍ، حيث قالوا: لأن الحجر عليه يثبت بغير حكم، وما دام الحجر يثبت عليه بغير حكم حاكم فيزول من غير حكم حاكم؛ فقاسوها على حالة الثبوت.

أما المالكية فإنهم يفرّقون بين ما إذا كان الصغير ذكرًا أو أنثى، فإن كان ذكرًا فإن رفع الحجر عنه يختلف بحسب ما إذا كان له أب -أي: كان أبوه حيًّا- أو بحسب ما إذا كان أبوه قد مات، أو مهملًا كما سماه المالكية -أي: بلغ وليس له أب, ولا وصي لهذا الأب.

الصورة الأولى: إذا كان أبوه حيًّا عند المالكية أيضًا, فإن الحجر يرتفع عنه ببلوغه بدون حكم؛ إلا إذا ظهر منه سفه -أي: أبوه موجود وحي, فبمجرد أن يبلغ هذا الصغير يعتبر الحجر مرفوعًا عنه إلا إذا ظهر منه سفه.

الصورة الثانية: إذا كان أبوه قد مات ونصب له وصيًّا من قِبَلِه، فإن هذا الصغير لا يخرج من الحجر إلا بإطلاق وصيه له، بمعنى أن يقول: إن هذا الصبي قد رشد وأصبح عاقلًا, يتصرف تصرف العقلاء في ماله، ولا يحتاج هنا إلى إذن القاضي ما دام هذا الوصي من قبل الأب، بلا خلاف عند المالكية، وإنما يحتاج الوصي إلى إذن القاضي معه عند المالكية إن كان هذا الوصي ليس من جهة الأب، بمعنى: أن الأب قد مات ونصب وصيًّا، ومات الوصي، أو لم يوص له بعد ذلك؛ فإن الوصي الثاني يكون بإذن القاضي يرفع الحجر عنه.

الصورة الثالثة: أن يبلغ الصغير وليس له أب ولا وصي -وهو المهمل كما قالوا- فالمشهور عند المالكية أن تصرفات هذا الصغير المهمل تكون محمولة على الرشد إلا إذا تبين سفهه، أي: هو مهمل ليس له أب، ولا وصي، ولا شيء، لكن ببلوغه تصرَّف تصرُّف الراشدين، فيعتبر الحجر مرفوعًا عنه بقيد عدم سفهه، فإذا تبين أنه سفيه هنا نحجر عليه؛ فإذا تبين سفهه فإن تصرفاته التي تصرفها في حالة السفه الذي تبين ترد. هذا بالنسبة للصبي أو الولد عند المالكية الذكر.

أما الأنثى فنقول كما قلنا بالنسبة للولد الذكر؛ إذا كان أبوها حيًّا عند المالكية فيذهب جمهورهم أن حكمها في ذلك حكم الصغير، بمعنى: أن الحجر يرتفع عنها ببلوغها المحيض وإيناس الرشد.

وفي رواية لمالك رضي الله عنه قال: لا يرفع الحجر عنها إلا إذا تزوجت، ودخل بها الزوج، وأنس منها الرشد، وله قول مثل جمهور المالكية الذين قالوا بلوغ المحيض وإيناس الرشد فقط كأن له قولين.

ولبعض المالكية أقوال غير هذه, فقيل: إنها تكون في ولاية أبيها حتى يمر بها سنة بعد دخول زوجها بها، أي: مع أنها في بيت زوجها ودخل بها الزوج تكون في ولاية أبيها، وتصرفاتها غير نافذة إلا برأي أبيها إلا بعد مرور سنة، حتى يمر بها سنة بعد الدخول -دخول الزوج- بها، وقيل: حتى يمر بها عامان بعد دخول زوجها، وقيل غير ذلك.

أما إذا كانت ذات وصيّ -كما قلنا في الولد الذكر- قال المالكية: لا ينفكّ الحجر عنها إلا بأمور؛ هي: بلوغها، وحسن تصرفها، وشهادة البينة بذلك، أي: يأتي بينة أو شهادة الناس فيقولون: إنها تتصرف تصرف الراشدين، ودخول الزوج بها، وترشيد الوصي لها -كما قلنا للذكر- بأن يقول أمام العدول: اشهدوا أنني فككت الحجر عن فلان، ولا يحتاج لهذا إلا إذن حاكم كما قلنا بالنسبة للذكر، كأن الأنثى لا تحتاج في رفع الحجر عنها إلا حكم القاضي بذلك.

أما عن اليتيمة التي لا أب لها ولا وصي -والتي قلنا هناك يقابلها بالنسبة للذكر المهمل، لكن هنا لم يقولوا بالنسبة للأنثى المهملة- ففيها قولان: أحدهما: أن يرفع الحجر عنها إذا بلغت المحيض، والثاني: أنها تظل في الحجر -أي: تظل محجورًا عليها- إلا إذا عنست -والتعنيس معناه عند المالكية وعند الجمهور عامة هو بلوغ المرأة مرحلة من العمر تسمى عانسًا، أي: لا يرغب فيها الرجال لتقدم سنها عن سن الفتيات, اللائي تكون فيهن الرغبة في الزواج- وهذا هو المشهور، أي: يحكم في تصرفاتها بحكم الرشد إلا إذا تبين منها السفه. وجميع ما قلناه في حالة ما إذا بلغ الصغير -ذكرًا أو أنثى- رشيدًا.

أما الصورة الثانية أو الحالة الثانية؛ وهي حالة إذا ما بلغ الصغير غير رشيد، بمعنى: أنه ظهرت عليه علامات البلوغ سواء كان ذكرًا أو أنثى، لكنه لم يكن بعد بلوغه رشيدًا، فهذا لا تسلم إليه أمواله، بل يحجر عليه بسبب السفه حتى يؤنس رشده، وهذا ما أشرنا إليه قبل قليل في الآية: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا}, فاشترط الله لدفع أموال اليتامى إليهم شرطين: البلوغ، وإيناس الرشد، والحكم المعلق على شرطين لا يثبت بدونهما، فلا يثبت بواحد فقط، وإنما لا يثبت إلا بتوافر الشرطين -البلوغ، وإيناس الرشد- ولقوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5], هذا السفيه الذي بلغ غير رشيد لا يؤتى أمواله. هذا عند الجمهور. 

أما الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- فذهب إلى رأي مغاير لما ذهب إليه الجمهور, حيث يقول باستمرار الحجر على البالغ غير الرشيد إلى بلوغه خمسًا وعشرين سنة، أي: كأن الجمهور قالوا: لا تسلم إليه أمواله إلا إذا أُونس منه الرشد, أما الإمام أبو حنيفة فقال: يستمر الحجر على البالغ غير الرشيد إلى أن يبلغ خمسًا وعشرين سنة، ثم إذا بلغ هذا السن تسلم إليه أمواله حتى ولو لم يرشد.

وقال أبو حنيفة ذلك؛ لأن في الحَجْر عليه بعد سن الخامسة والعشرين إهدارًا لكرامته الإنسانية؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152]، فهذا الذي بلغ خمسًا وعشرين بلغ أشده، ولأن المنع -منع المال- عنه للتأديب، ولا يتأدب بعدئذٍ غالبًا، فما دام قد وصل إلى هذه السن في نظر الإمام أبي حنيفة؛ فلا فائدة في المنع من إعطائه أمواله, فيلزم الدفع إليه. هذا كل ما يتصل بما إذا بلغ الصغير رشيدًا أو غير رشيد، وهذا يرجع إلى العنوان الأول الذي قلناه: وقت خروج الصغار من الحج.

ما وقت خروج المجانين من الحجر؟

المجنون: هو من زال عقله، فإن استمر جنونه في جميع الأوقات سمينا هذا جنونًا مطبقًا، وإذا ذهب عقله في وقت وأفاق في وقت كان جنونه متقطِّعًا، ويثبت الحجر على المجنون دون حكم، أي: هذا النوع ممن يحجر عليهم لا يحتاج إلى حكم؛ لأنه بمجرد ظهور الجنون عليه يمنع من التصرفات المالية التي يحجر فيها على غيره كالسفيه والصغير، فيثبت الحجر على المجنون دون حكم، وفي وقت جنونه -أي: إذا كان يجن ثم يفيق في وقت جنونه- يكون كالصبي غير المميز، والصبي غير المميز محجور عليه؛ لأنه هنا في مرحلة لا يعقل فيها أي شيء، فهنا الحجر تم على الصغير غير المميز, والمجنون في حالة الجنون يكون حكمه كالصبي غير المميز، وسنقول من هو المميِّز وغير المميِّز، فغير المميز الذي يعتبر دون السابعة من العمر، والمجنون في حال جنونه محجور عليه كالصبي غير المميز إلى الإفاقة التامة، أي: يكون الحجر عليه إلى أن يفيق إفاقة تامة، وذلك إذا كان جنونه متقطعًا.

والإفاقة التامة تلك التي يكون بها كامل العقل، كامل التمييز، وتصرفاته في هذا الوقت كاملة كتصرفات العقلاء، وهنا تكون هذه التصرفات صحيحة ونافذة كغير المحجور عليه.

إذًا: إذا كانت إفاقته غير تامة بأن كان يعقل بعض الأشياء دون بعض، أي: يتصرف تصرف العقلاء في وقت الإفاقة وفي بعض الأشياء، ثم يتصرف تصرف المجانين في بعضها في وقت الإفاقة أيضًا، هنا تكون تصرفاته كالمميز، والمميز هو ما فوق السابعة إلى البلوغ, هذا التصرف الذي يحصل من المجنون في حال الإفاقة، والذي تكون فيه الإفاقة غير تامة تكون تصرفاته موقوفة على إجازة وليه، إذا كانت محتملة للضرر والنفع، وتكون باطلة إذا كانت ضارة به وبماله، وتنفذ إذا كانت نافعة بماله، أي: بالمال؛ لأن كل الحجر يرجع إلى المال هنا، والحنفية والمالكية يقولون في هذا المجال: إن الأمر الذي يرجع إلى نوع التصرف الضارّ ضررًا محضًا باطل، النافع نفعًا محضًا نافذ، فالتصرفات التي بين الضر والنفع، أو ضارة ونافعة بالمال, الولي هو الذي يفصل فيها.

error: النص محمي !!