وقوع الظرف والجار والمجرور حالًا، وغيرها، وحذف الحال لدلالة المعنى، وحذف عاملها وصاحبها
1. وقوع الظرف والجار والمجرور حالًا، وغيرها:
- من اللمحات التي سجلها الشيخ عضيمة عن الحال في الشاهد القرآن: أن وقوع الظرف حالًا ليس في كثرة وقوع الجار والمجرور حالًا في القرآن، والظروف التي وقعت حالًا يحتمل كثير منها غير الحالية.
- من اللمحات التي ذكرها الشيخ -رحمه الله: أنه متى دار الأمر بين أن يكون الحال مفردًا وجملةً؛ كان تقدير المفرد أجود، وذلك بتقدير متعلق الظرف مفردًا، وجَعْل الاسم المرفوع فاعلًا للظرف.
- الكون العام قد يراد به الخاص، كقوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ} [النمل: 40] أي: ثابتًا غير متقلقل.
- من اللمحات التي ذكرها الشيخ أيضًا: أنه إذا تكرر الظرف نحو: “زيدٌ في الدار قائمًا فيها”؛ وجب نصب الوصف عند الكوفيين، ورجح النصب عند البصريين. واحتج الكوفيون بقوله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} [هود: 108]، وقوله تعالى: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا} [الحشر: 17].
- من لمحات الشاهد القرآني: أن ظروف الزمان لا تكون حالًا للجثة، ولا صفة لها، ولا خبرًا عنها عند العكبري، وفي (البحر): أن هذا الذي قاله صحيحٌ في ظرف الزمان المجرد عن الوصف، أما إذا وُصف فذكروا أنه يكون خبرًا نحو: “نحن في يومٍ طيب”.
وإذا تقدمت الصفة على الموصوف صارت حالًا، سواءٌ أكانت الصفة مفردةً أم جملةً أم شبه جملة، مثال ذلك قوله تعالى: {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: 102]، {فِي الآخِرَةِ} صفة تقدمت فتعرب حالًا، والأصل: “ما له من خلاق في الآخرة”.
وفي قوله تعالى: {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} [البقرة: 114]؛ {فِي الدُّنْيَا} تعرب حالًا، وقد كانت صفة إلا أنها لما تقدمت أُعربت حالًا.
وفي قوله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا} [البقرة: 184] {مِنكُم} صفةٌ تقدمت فأُعربت حالًا، ووَهِم أبو البقاء فجعله متعلقًا بـ {مَّرِيضًا}.
وفي قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28] {مِنَ اللّهِ} صفةٌ تقدمت فهي حالٌ و{مِنَ} للتبعيض.
وهناك آيات فيها الجار والمجرور، أو الصفة متقدمة من باب الاحتمال، كما في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]؛ فـ{لِلنَّاسِ} نعت نكرة تقدم وهي {إِمَامًا}، فيُعرب حالًا، ويحتمل أن يكون متعلقًا بـ{جَاعِلُكَ} فلا يُعرب حالًا.
وفي قوله تعالى: {وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: 282]؛ {مِنْهُ} متعلق بالفعل {يَبْخَسْ}، أو صفة لشيء تقدمت فتعرب حالًا.
2. حذف الحال لدلالة المعنى، وحذف عامله، وحذف صاحب الحال:
أ. حذف الحال لدلالة المعنى:
في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79]، لا بد من تقدير حال محذوفة يدل عليها ما بعدها، أي: مُحرفًا ونحوه؛ لقوله سبحانه بعد ذلك: {ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ} [البقرة: 79]، إذ لا إنكار على من يباشر الكتاب بيده إلا إذا وضعه في غير موضعه، ففي الآية حال محذوفة يدل عليها معنى الكلام؛ حيث لا يستقيم الوعيد إلا مع تقدير حال محذوفة، أي: “فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم مُحرفًا”.
وفي قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144]، في الكلام حالٌ يدل عليها معنى الكلام، والتقدير: “قد نرى تقلب وجهك في السماء، طالبًا قبلة غير التي أنت عليها، فلنولينك قبلةً ترضاها”.
وفي قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] في الكلام حال محذوفة، والتقدير: “والبلد الطيب يخرج نباته وافيًا حسنًا”، وحُذفت لفهم المعنى، ولدلالة {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} عليها، ولمقابلتها بقوله: {لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} [الأعراف: 58].
ب. حذف عامل الحال:
وكما تحذف الحال لدلالة المعنى عليها، يحذف عامل الحال كذلك لوضوح معناه؛ ومن ذلك قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]؛ {فَرِجَالاً} حالٌ عاملها محذوف، أي: فصلوا رجالًا، ويحسن أن يُقدر من لفظ الأول، أي: فحافظوا عليها رجالًا.
وفي قوله تعالى: {قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُون} [الصافات: 18]، {وَأَنتُمْ دَاخِرُون} حالٌ عاملها محذوف، تقديره: “نعم تبعثون وأنتم داخرون”.
جـ. حذف صاحب الحال:
وكما تحذف الحال لدلالة المعنى عليها، ويحذف عامل الحال لدلالة المعنى عليه، يحذف أيضًا صاحب الحال لدلالة المعنى عليه، ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97]، فـ{ﮕ} حالٌ من الضمير المنصوب في {نَزَّلَهُ} إن عاد على القرآن، وإن عاد على جبريل فإنه يحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون حالًا من المجرور المحذوف لفهم المعنى؛ لأن المعنى: فإن الله نزّل جبريل بالقرآن مصدقًا.
وفي قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا} [الأنعام: 6]، {مِّدْرَارًا} حالٌ من حذف مضاف، وتقدير الكلام: “وأرسلنا مطر السماء عليهم مدرارًا”.
وأيضا في قوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}[الروم: 30، 31]، {مُنِيبِينَ} حالٌ من الضمير في “الزموا” المحذوفة، الفعل العامل في “فِطْرَةَ”؛ أي: الزموا فطرة الله، فصاحب الحال محذوف.