يوم الرجيع
جاء رهطَ سفيان بن نبيح الهذلي إلى جماعة من عضل والقارة، يجمعهم نسبٌ يريدون أن يثأروا لمقتل شيخهم سفيان بن نبيح الهذلي، وأوعزوا إليهم أن يطلبوا من المسلمين مَن يُقرئهم القرآن ويُعلمهم أمر الدين؛ خديعة بهم؛ لكي يصيبوا من المسلمين من يشفي غليل صدر قريش؛ ولذلك وافق المسلمون على أن يقوموا بهذه المهمة.
والرجيع: ماء لهزيل كانت عنده هذه الحادثة التي نزلت بجماعة من المسلمين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء النفر الذين قدموا إلى المدينة، يطلبون منه صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم قراءً ومعلمين يعلمونهم الإسلام ويقرءونهم القرآن، وذكروا له صلى الله عليه وسلم بأن فيهم إسلامًا، فبعث معهم النبي صلى الله عليه وسلم نفرًا ستة من خيرة الصحابة والقراء، كان منهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن البكير الليثي، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيدٌ بن الدثنة، وعبد الله بن طارق، وقد أمر عليهم مرثد بن أبي مرثد، فخرجوا جميعًا مع القوم حتى إذا كانوا بالرجيع، فاستصرخ عليهم القوم هذيلًا، وغدروا بهم، وأحاط بهم مائة من الرماة، فأخذ المسلمون سيوفهم ليقاتلوهم، ولكنهم أمنوهم وأخبروهم أنهم لا أرب لهم في قتلهم، وإنما يريدون أن يصيبوا بهم فداء من أهل مكة.
فأما مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وعاصم بن ثابت، وخالد بن البكير، فإنهم أبوا، وقالوا: والله لا قبلنا لمشرك عهدًا أبدًا، وقاتلوا حتى قتل ثلاثتهم رضوان الله عليهم ورحمته.
أما زيد بن الدثنة، وخبيب بن عدي، وعبد الله بن طارق فإنهم لانوا، وأعطوا بأيديهم، فأسروهم، وخرجوا بهم إلى مكة، فلما ساروا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران، ثم أخذ سيفه، وأراد أن يناجز القوم، واستأخر عنهم، فلما رأوا ذلك منه، رموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره رضي الله عنه بمر الظهران.
ثم إنهم حملوا خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، فباعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا أبو حجير بن أبي إيهاب التميمي حليف بني نوفل حتى يقتله بلحارث بن عامر خال أبي إيهاب، واشترى زيدًا بن الدثنة صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف الذي قتل في بدر.
ولما علم المنافقون بهذا الأمر، قالوا: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا، لا هم قعدوا في أهليهم، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم، فأنزل الله تعالى في ذلك: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد} [البقرة: 205:204] {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد} [البقرة: 207].
هؤلاء الذين خرجوا يؤدون رسالة الإسلام؛ وإن كانوا قد مكر بهم، وخدعوا فإنهم خرجوا في ذات الله، إنما أرادوا أن ينشروا الدين، وأن يعلموا الإسلام للناس كما تعلّموه وعلِموه، وأن يكون سببًا في هداية الخلق، كما هداهم الله عز وجل، كانت هذه السرية سرية الرجيع في صفر من السنة الثالثة للهجرة في أعقاب أحدٍ كما عرفنا.