Top
Image Alt

10.2 حقوق المرأة المالية

  /  10.2 حقوق المرأة المالية

10.2 حقوق المرأة المالية

فرق كبير بين الإسلام وتلك الجاهليات القديمة، وفرق بعيد بين الإسلام وتلك الديانات المحرفة التي اعتبرت المرأة متاعًا من المتاع، ومالًا يملك، وشيئًا يورث، وبين الإسلام حين أعطى المرأة ذمتها المالية كاملة، ففرض لها حقها في الصداق، وفرض لها حقها في أن ينفق عليها وأن تكفل ماليًّا، وفرض لها حقها في أن ترث وأن تُورث، وفرض لها حقها في أن تلي التعاقدات المالية الخاصة بها بنفسها، وأن تبيع وأن تشتري، وأن تعطي وأن تمنع، وأن تهب وأن تتصدق، وأن تقوم بكل الأعمال المالية التي يمكن أن يقوم بها رجلٌ، بل وجعل لها حقها في الغنيمة وفي الدية أيضًا. هذا كله من تكريم الإسلام للمرأة ومن إعطائها هذه الحقوق التي بها تتحقق حريتها، الحريةَ الشرعية، الحريةَ النافعة، الحريةَ المفيدة التي تجعل المرأة كاسبة في المجتمع، ومنفقة في المجتمع، وعاملة عملًا يناسب فطرتها ويلائم طبيعتها ولا يخالف شريعتها.

فالمرأة أولًا: لها حقها في صداقها؛ لقول ربنا -جل وعلا: ((وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)) [النساء: 4]، أي: عطية، فليس لأحد أن يدخل فيها، ولا أن يأخذ منها شيئًا، وحين فرض هذا الصداق لم يحدد له حدًّا أقصى حتى قال ربنا: ((وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا)) [النساء: 20]، وجعل هذا الصداق مستحَقًّا للمرأة بالكامل، وجعل هناك أحوالًا ينصف فيها الصداق، كأن تطلق المرأة قبل الدخول بها؛ لقول الله تعالى: ((فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)) [البقرة: 237]، وجعل للمرأة نصف صداقها إذا طلقت غير مدخول بها جبرًا لخاطرها، فإن كان الرجل قد دخل بها فقد استحقت الصداق كاملًا، وإن طلقت بعد دخول بها فإن العدة التي تعتدها تكون نفقتها كاملة على مطلقها، ولا تلي هي -حال طلاقها- شيئًا من أمر نفقتها حال عدتها.

وهكذا رأينا بعض الفقهاء يوجبون على الرجل إذا طلق زوجته متعة معينة، تقدر بما يقدره به العلماء الفقهاء القضاة الحكماء، فمن فارض لها نفقة سنة ومن زائد عن هذه النفقة أو ناقص منها، المهم أنها تمتع متعة عند الفقهاء -لا سيما الشافعية- بحيث تكون هذه المتعة جبرًا لها على فراق زوجها.

إذن: تقرر حق المرأة في صداقها, الذي هو خالص ما تعطاه المرأة من قبل الرجل، لقاء ما ستقوم به من منافع، وما تقدمه لزوجها من مصالح.

– حق المرأة في النفقة:

ثم إن الإنفاق على المرأة واجب على من يكفلها، سواء كانت النفقة نفقة قرابة، أو كانت نفقة زوجية، أو نفقة ملك، فـ”نفقة القرابة” هذه نفقة واجبة، دل على وجوبها ما ورد عن جابر: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله, إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: أنت ومالك لأبيك)).

وهذا أعرابي يأتي النبي -صلى الله عليه وآله- فيقول: ((إن أبي يريد أن يجتاح مالي، قال: أنت ومالك لأبيك))، وبوب على هذا الحديث أبو داود باب في “الرجل يأكل من مال ولده”، وقال العلماء: “في هذا الحديث من الفقه أن نفقة الوالدين واجبة على الولد, إذا كان واجدًا لها، والوالدان مصطلح تدخل فيه الأم فيجب على الرجل أن ينفق على أمه، يجب عليه وجوبًا أوليًّا, سبب هذا القرابة، كما يجب على الوالد أن ينفق على ابنته، سبب هذا القرابة أيضًا”، وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فَضَل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا، يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك)). وعلق النوويُّ -رحمه الله- فقال: “الابتداء في النفقة بالمذكور على هذا الترتيب”.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت, قُدِّم الأوكد فالأوكد، وفي الحديث: ((من عال جاريتين حتى تبلغا؛ جاء يوم القيامة أنا وهو. وضم -صلى الله عليه وآله وسلم- أصابعه))، قال الإمام النوويُّ: “ومن عالهما: قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما”.

فإذا كان الأب قادرًا على أن ينفق على أبنائه؛ فقد وجب عليه الإنفاق، ولا يجوز له أن يتملص من هذا، وأن يكون الفرع -أي الابن- فقيرًا؛ لأن الأصل أن يتحمل الإنسان نفقة نفسه حال كونه قادرًا، وأن يكون الابن صغيرًا عاجزًا عن أن يتكسب، كما يشترط في وجوب النفقة على الآباء والأمهات أن يكون الأصل فقيرًا لا مال له، وأن يكون الفرع في ذات الحال موسرًا أو قادرًا على الكسب والإنفاق.

وإذا كان الرجل مالكًا للأمة أو للعبد المملوك؛ فإن نفقته تجب عليه، وكذا إذا كان له خادم أو خادمة من النساء فإن الواجب عليه أن ينفق على هذا الخادم؛ ولهذا قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله: “وعلى الزوج نفقة الخادم, ومؤنته من الكسوة والنفقة”.

وقد روي عنه -صلى الله عليه وآله وسلم: ((أفضل الصدقة ما ترك غنًى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني, إلى من تدعني؟))، ووجه الدلالة: (أطعمني واستعملني)، هذا قول العبد المملوك.

وأما “النفقة التي سببها الزوجية”, فلا شك أن الفقهاء متفقون على أن حكم النفقة الزوجية الوجوب؛ وذلك بوصفها حكمًا وأثرًا من آثار عقد الزواج الصحيح، وقد قال الله تعالى: ((لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)) [الطلاق: 7]، وفي الحديث، حديث عائشة -رضي الله عنها: ((أن هند بنت عتبة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله, إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلَّا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف)).

وقد قال ابن قدامة -رحمه الله: “نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، وسبب الوجوب: أن المرأة محتبسة عند الرجل، ليس لها أن تخرج ولا أن تعمل ولا أن تتصرف إلا بإذنه, ولأنها سلمت نفسها ومنافعها كاملة إلى زوجها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله: ((اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))”.

وقد اختلفوا في هذا التقدير الذي يجب للمرأة، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: “إنه أمرها أن تأخذ الكفاية بالمعروف، ولم يقدر لها نوعًا ولا قدرًا، ولو تقدر ذلك بشرع أو غيره لبين لها القدر والنوع كما بين فرائض الزكاة والديات، وإذا كان الواجب هو الكفاية بالمعروف، فمعلوم أن الكفاية تتنوع بحالة الزوجة في حاجتها وبتنوع الزمان والمكان وبتنوع حال الزوج في يساره وإعساره، وليست كسوة القصيرة الضئيلة ككسوة الطويلة الجسيمة، ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف، ولا كفاية طعامه كطعامه، ولا طعام البلاد الحارة كالباردة، ولا المعروف في بلاد التمر والشعير كالمعروف في بلاد الفاكهة وغير ذلك.

ثم إن الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- لم يعرف عنهم تقدير النفقة لا بمد ولا برطل، بل الذي اتصل به العمل في كل مصر وعصر ما تقدم من كونه بالمعروف، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم وإن وجد عند بعض الفقهاء أنهم قدروا النفقة بشيء محدد يتعلق بما يقيم أود المرأة ويكفيها، طعامًا وشرابًا وكسوةً وإقامةً ونحو ذلك”.

– حق المرأة في الإرث:

هذا, وقد فرض الإسلام للمرأة حقًّا في الإرث أيضًا، فقد قال جل من قائل: ((لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)) [النساء: 7]، وفي القرآن الكريم رأينا فروض النساء، فرأينا فرض الزوجة، ورأينا فرض الأم، ورأينا حق البنت وحق الأخت، كل ذلك منصوص عليه في كتاب ربنا وفي سنة نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم.

والمطلع على توصيات المؤتمرات العالمية للمرأة، يقف على المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في حق الميراث، ويعتبر عدم المساواة من باب التمييز ضدها، وأن في هذه التقيدات التي وضعتها الشريعة نوعا من التمييز ضد المرأة، وهذا كلام باطل ساقط لا قيمة له ولا معنى لنا في أن نرد عليه؛ إذ تصوره يكفي في إبطاله، ومع هذا فإن التفاوت بين الذكور والإناث في بعض مسائل الميراث، إنما تحكمه ثلاثة معايير:

أولًا: درجة القرابة بين الوارثين، ذكرًا أو أنثى، وبين المورث المتوفى.

ثانيًا: موقع جيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لحمل أعبائها وتبعاتها، يكون نصيبها في الميراث أكبر من الأجيال التي تستدبر الحياة، كالأب والأم والجد والجدة.

ثالثًا: إن العبء المالي الذي يوجبه الشرع الإسلامي, وعلى الوارث أن يتحمله وأن يقوم به تجاه الآخرين، هو معيار مؤكد؛ لأن هذا سيثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، فالمسئوليات التي تلقى على عاتق الذكر أضعاف ما يلقى على عاتق المرأة؛ ولهذا كان نصيب المرأة في الإرث أقل في بعض الأحيان من الرجل، وفي بعض الأحيان فإنها تزيد في إرثها على الرجل.

وفي بيان الحكمة في تفضيل الرجال على النساء في الإرث، يقول النووي: “حكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة في القيام على العيال، والضيفان، والأرقاء، والقاصدين، ومواساة السائلين، وتحمل الغرامات وغير ذلك -والله أعلم”.

– حق المرأة في الدية:

وهكذا تمضي الشريعة الغراء لتقرر للمرأة هذه الحقوق التي يطول بنا المقام, ويضيق عن أن نقوم على إحصائها، فهي قادرة على أن تبرم العقود المالية من بيع وشراء, وتجارة وإجارة, وغير ذلك من المعاملات الشرعية المالية، ولها حقها في الدية سواء اعتدي على طرف من أطرافها، أو اعتدي على نفسها؛ ذلك أن الله تعالى قال: ((وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا)) [النساء: 92]، إلا أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، كما نقل طائفة من العلماء الإجماع على ذلك. قال الشافعي: “لم أعلم مخالفًا من أهل العلم قديمًا, ولا حديثًا في أن دية المرأة نصف دية الرجل, وذلك خمسون من الإبل”، ثم إن الشارع الحكيم أعطى لها, إذا ساهمت في الغزو عطاءً يكرمها ويرضيها.

وهذا كله يدل على عظم ما للمرأة من حقوق, وعناية هذه الشريعة الغراء لإعطاء المرأة حقوقها كافة، سواء الحقوق العلمية أو العملية أو المالية أو السياسية.

error: النص محمي !!