14.2 أصناف غير المسلمين في بلاد الإسلام
فإذا أردنا أن ننظر إلى أصناف غير المسلمين في بلاد الإسلام، فإن الصنف الأول: هم المواطنون من غير المسلمين الذين يسمون بأهل الذمة، وهو اسم حسن لا كما يظن بعض الناس، فهم يسمون بأهل الذمة بمعنى أهل العهد والأمان؛ لأنَّهم يصيرون في ذمة النبي -صلى الله عليه وآله، وفي ذمة المسلمين، على وجه التأبيد، يؤيد ذلك ما جاء في كتاب أبي بكر -رضي الله عنه- لأهل نجران، أنه أجارهم بجوار الله وذمة محمد النبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أنفسهم وأرضهم وملتهم وأموالهم وحاشيتهم وعبادتهم وغائبهم وشاهدهم وأساقفتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم.
والصنف الثاني: الوافدون إلى بلاد الإسلام من غير المسلمين؛ لعمل أو نحوه، وهؤلاء يعرفهم الفقهاء ويعرفهم العلماء: بأنَّهم الذين لهم عهد، فهم معاهدون، ولهذين الصنفين حقوق عامة، ولكل صنف منهما حقوق خاصة، وهذا بخلاف الصنف الثالث: وهم المحاربون الذين على غير الملة المسلمة ويقاتلون أهل الإسلام.
– الحقوق العامة التي تعطى لغير المسلمين في بلاد الإسلام:
وإذا أردنا أن نتناول الحقوق العامة التي تعطى لغير المسلمين في بلاد الإسلام، فأول تلك الحقوق هو العدل.
الحق الأول: حقهم في العدل:
إنَّ غير المسلمين الذين يسكنون مع المسلمين، ويعاشرونهم معاشرة حسنة، ولا يعملون على إخراج المسلمين من ديارهم، قد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان إليهم، والآيات في ذلك كثيرة منه قول الله: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8)، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (النساء: 135) فإذا كان القيام بالقسط وهو العدل في الشهادة، والحكم على النفس وعلى الوالدين والأقربين، مأمور به بالنسبة لهم، فهو بالنسبة إلى من سواهم من الأجانب أولى، وهذا العدل المطلوب ولو على النفس، للمحافظة على حقوق الغير، إنما هو لوجه الله تعالى ولابتغاء مرضاته وثوابه، وقد قال سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: 8)، فالقرآن الكريم جاء بوجوب العدل ومنع الظلم، وعدم التعصب لقوم دون قوم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يعين قومه على غير الحق، كمثل بعير تردى في بئر، فهو ينزع منها بذنبه))، قد اعتبر النبي عليه الصلاة والسلام الناصر لقومه على الظلم، كمن يتردى في بئر من النار، فإنه قد وقع في الإثم والعياذ بالله، وهلك كالبعير إذا تردى في بئر، فصار ينزع بذنبه ولا يقدر على الخلاص.
ولم يفرق الإسلام بين المسلم وغير المسلم في المعاملات العامة؛ لأنَّ الجميع سواسية أمام الحكم العدل، إذ لا تفضيل ولا محاباة، حتى وإن كان أحد الخصمين مسلمًا وله مكانة رفيعة والآخر يهوديًّا أو نصرانيًّا، والقصة مشهورة معروفة حين شكا يهودي عليًّا -رضي الله تعالى عنه- للخليفة عمر، فقال عمر لعلي: قم يا أبا الحسن فاجلس بجوار خصمك، ففعل علي وعلى وجهه علامة التأثر، فلما فصل عمر في القضية قال لعلي: أكرهت يا علي أن تساوي خصمك، قال: لا لكني تألمت؛ لأنك ناديتني بكنيتي، فلم تسو بيننا، فخشيت أن يظن اليهودي أن العدل ضاع بين المسلمين، فهل عرف الناس معاملة أوفى أو أرقى في هذه العدالة العمرية، التي علمها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأتباعه.
الحق الثاني: حقهم في حفظ كرامتهم الإنسانية:
فقد كرم الله تعالى الإنسان ورفع منزلته، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلًا، قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)، بل أمر الله تبارك وتعالى ملائكته بالسجود لآدم، تعظيمًا لشأن الإنسان وتفضيلًا، وأسبغ الله تعالى على الإنسان نعمه ظاهرة وباطنة، فسخر له ما في السماوات وما في الأرض إكرامًا وتفضيلًا، قال جل من قائل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} (إبراهيم: 32) {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} (إبراهيم: 33) {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (إبراهيم: 34)، فلابد إذا أن يستشعر الناس أنهم سواء، في حفظ كرامتهم الإنسانية سواء أكانوا مسلمين أم كانوا غير مسلمين، فقد قال النبي -صلى الله عليه وآله- في أيام التشريق حين خطب: ((يأيها الناس إن ربكم واحد، وإن آباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى))، وهذا معنى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).
ومن المحافظة على كرامة غير المسلم، مراعاة حقهم في حفظ مشاعرهم وفي مجادلتهم بالتي هي أحسن، قال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت: 46)، هذا غاية الإنصاف، وقد بلغ من تكريم المولى تبارك تعالى للإنسان، أنه حرم على المسلمين أن ينالوا من الآلهة التي يعبدها المشركون بالسب، حتى لا يؤدي ذلك بهم إلى النيل من الله إله الحق، وفي ذلك تكريم للإنسان، فاحترام شعور الإنسان نحو الأشياء التي يقدسها فيه احترام لكرامته، فلو سمع المشركون شتم آلهتهم من المسلمين، لجرهم ذلك إلى شتم إلههم، وهم لا يريدون ذلك؛ لأنهم يعتقدون بوجود الله عز وجل، وإن كانوا لا يدينون بالتوحيد، وأيضًا فإذا سب المسلمون آلهة المشركين، فإن المشركين سيجرحون شعور المسلمين، كما جرحوا هم شعورهم، وهذا يتعارض مع كرامة كل من الفريقين، ويكون عامل من عوامل إيجاد العناد وبث الحقد في النفوس، قال سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 108)، بل وكان نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- يأمر بالقيام للجنائز مسلمة كانت أم غير مسلمة، فقد ثبت في حديث عامر بن ربيعة -رضي الله عنه، أنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((إذا رأيتم جنازة فقوموا حتى تخلفكم)) فمرت به يومًا جنازة فقام، فقيل له: إنَّها جنازة يهودي، فقال: ((أليست نفسًا؟))، وقد سار على ذلك أصحابه رضوان الله عليهم، فمرت جنازة بسهل بن حنيف وقيس بن سعد -رضي الله عنهم- وهما قاعدان بالقادسية، فقاما فقيل لهما: إنهما من أهل الأرض أي من أهل الذمة، فقال: إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنّها جنازة يهودي، فقال: ((أليست نفسًا؟)).
وهكذا مضى عمر يحفظ كرامة القبطي، الذي ضربه ابن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم، حتى وصل إلى المدينة ذلك الذي ضرب، فشكا عمرو بن العاص وابنه إلى الخليفة، فاستدعى الخليفة عمرو بن العاص وابنه، وأعطى السوط للقبطي وقال له: اضرب ابن الأكرمين، فلما انتهى من ضربه، التفت إليه عمر وقال له: أدرها على صلعة عمرو فإنما ضربك بسلطانه، فقال القبطي: إنما ضربت من ضربني، ثم التفت عمر إلى عمرو بن العاص وقال: يا عمرو متى استعبدتم الناس قد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، وبما يستحق التسجيل في هذه القصة، أن الناس قد شعروا بكرامتهم وإنسانيتهم في ظل الإسلام، حتى إن لطمة يلطمها أحدهم لقبطي بغير حق، يستنكرها ويستقبحها، وقد كانت تقع آلاف من مثل هذه الحادثة وما هو أكبر منها في عهد الرومان وغيرهم، فلا يحرك أحد لأجلها ساكنًا ولا يرفع أحد لها رأسًا، ولكن شعور الفرد المسلم يجعله يتحرز من أن يقع في عرض أحد أو أن يتعدى على أحد أو أن يهين أحدًا، وكذا كان شعور الذمي في كنف الدولة المسلمة، هذا الشعور جعل هذا الذمي، يركب طريقًا طويلًا حتى يصل إلى المدينة، يتجشم وعثاء السفر الطويل من مصر إلى المدينة، واثقًا بأن له حقًّا لن يضيع عند عمر، وأن شكايته ستجد أذنًا مصغية.
الحق الثالث: حقهم في حرية المعتقد:
لقد شرع الله تعالى حرية التدين لغير المسلمين، سواء أكانوا كتابيين أم غير كتابيين، فلغير المسلم الحق في مزاولة شعائر دينه، دون أن يتعرض له أحد بالمنع أو الأذى، وهي حرية أثبتها ربنا في كتابه فقال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة: 256)، فالإنسان مسئول عما يفعل وعما يعتنق وعما يعتقد من دين؛ لأنه هو الذي يأتي بهذه الأفعال، من خلال تفكير حر وإرادة مستقلة، والله تبارك وتعالى بين طريق الهدى وأعطى الإنسان حرية الاختيار {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29)، فلا إكراه إذًا في الدين، وقد أعطى النبي عليه الصلاة والسلام كما قدمنا لأهل نجران العهد، وكتبه فقال: ((لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته)).
ولم يكتف الإسلام بمنح الحرية لغير المسلمين في البقاء على دينهم، بل كان في تشريعه سمحًا يحافظ على أماكن عبادتهم، قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40)، لذا كان الخلفاء يوصون قادتهم، فهذا أبو بكر يوصي أسامة بن زيد -رضي الله عنهما، فيقول: إني موصيك بعشر، لا تقتلن امرأة ولا صبيًّا ولا كبيرًا هرِمًا، ولا تقطع شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تغرقن نخلًا ولا تحرقنه، ولا تغلو ولا تجبنوا، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وهذا أيضًا جاء مثله في كتاب عمر إلى أهل إيلياء كما تقدم.
ومنذ عهد الخلفاء الراشدين، واليهود والنصارى يؤدون عباداتهم ويقيمون شعائرهم في حرية وأمان، ولقد اعترف المنصفون من الغربيين للإسلام بهذا التسامح، فمن ذلك قول جوستاف لوبون: “إن مسامحة محمد لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية، وإنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسار خلفاؤه على سننه، وقد اعترف بذلك التسامح بعض علماء أوربا المرتابون، أو المؤمنون القليلون الذين أمعنوا النظر في تاريخ الغرب”، وقال روبتسون: “إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى، وأنهم مع انتشاقهم الحسام نشرًا لدينهم، تركوا من لم يرغبوا فيه أحرارا في التمسك بتعاليمهم الدينية، بل وجد غير المسلمين من التسامح ما لم يجدوه عند طوائف مخالفة في دينهم”، فهذا ريتشارد استيفز يقول عن الأتراك: “إنهم سمحوا للنصارى جميعًا الإغريق منهم واللاتين، أن يعيشوا محافظين على دينهم، وأن يصرفوا ضمائرهم كيف شاءوا، بأن منحوهم كنائسهم لأداء شعائرهم المقدسة، في القسطنطينية وفي أماكن أخرى كثيرة جدًّا، على حين أستطيع أن أؤكد بحق بدليل اثني عشر عاما قضيتها في إسبانيا، أننا لا نرغم على مشاهدة حفلاتهم البابوية فحسب، بل إننا في خطر على حياتنا وأحفادنا”، وتوماس أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام يقول: “إنه كان في إيطاليا قوم يتطلعون إلى التركي، لعلهم يحظون كما حظي رعاياهم من قبل بالحرية والتسامح، اللذين يئسوا من التمتع بهما في ظل أي حكومة نصرانية”.
وهذا الذي قررناه هو ما استقر في فقه علمائنا، وبهذا نطقت كتب الفقه المعتمدة في المذاهب الأربعة، فرأينا الإمام أبا يوسف في كتابه الخراج، ينبه على ذلك فقال، وقد كان مر ببلاد عنات يقصد خالد بن الوليد، فخرج إليه بطريقها فطلب الصلح، فصالحه وأعطاه ما أراد، على ألا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة، وأن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلوات، وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم، وقال الكاساني الحنفي: “أما إظهار شعائر الكفر في مكان معد لإظهار شعائر الإسلام وهو أنصار المسلمين، فيمنعون من ذلك، أما في قراهم الخاصة فلا يمنعون من إظهار شعائرهم”، يقول ابن قدامة في (المغني مع الشرح الكبير): “وإن صولحوا في بلادهم على إعطاء الجزية، لم يمنعوا شيئًا من ذلك أي إظهار الصلبان والنواقيس، ولم يؤخذوا بغيار ولا زنار ولا تغيير شعورهم ولا مراكبهم؛ لأنهم في بلدانهم، فلم يمنعوا من إظهار دينهم”.
إذا كفل الإسلام لغير المسلمين في بلاد الإسلام عقيدتهم وحافظ على مكانة رهبانهم وقسيسيهم، ومنع أماكن عبادتهم أن تهدم، فأين هذا مما فعله الرومان باليهود، حين هدموا هيكل سليمان وطردوهم من بيت المقدس، وأجبروهم على عبادة الإمبراطور نفسه، قبل أن يعتنق الرومان المسيحية، ثم أكرهوهم على المسيحية فيما بعد، وأين هذا مما تفعله دولة إسرائيل بالمسلمين في بيت المقدس، أين ما تفعله هذه الدولة النجسة التي أحرقت المسجد الأقصى عام تسعة وستين وتسعمائة وألف، في وضح النهار وتركت الحريق يلتهم المسجد ومحرابه، ثم تظاهرت بإطفاء الحريق وإلقاء القبض على الفاعل، وبعد ذلك تدعي إسرائيل على لسان المحكمة التي حاكمت الرجل، بأنه مصاب بالهستريا وأنه لا يعي ما يقول ويفعل، أين هذا مما يفعل بالمسلمين الآمنين في ديار فلسطين، أين هذا من الحفريات التي تنشأ وتحفر تحت المسجد الأقصى لتقويض أركانه وهدم بنيانه، إننا حين نقارن بين واقع المسلمين في تعاملهم مع غير المسلمين، وبين واقع غير المسلمين حين يسكن المسلمون بلادهم كأقلية، نجد الفرق لا يكاد يوصف من شدته وعظمه.
الحق الرابع: حقهم في التزام شرعهم:
من تسامح الإسلام مع مخالفيه، أنه سمح لهم بأن يلتزموا أحكامهم التشريعية، فأعفاهم من دفع الزكاة التي هي ركن من أركان المسلمين، ولم يفرض عليهم الجهاد مع المسلمين، مع أنه ذروة سنام الإسلام، ومنفعته تعود على أمن المسلمين وغيرهم من سكان دولة الإسلام، وسبب إعفائهم من هذين الواجبين، أنهم يدفعون ضريبة مادية مقابل ذلك، وهو ما يعرف في الإسلام بالجزية، كما سمح الإسلام لغير المسلمين بإقامة حياتهم الاجتماعية، على تشريعاتهم في الزواج والطلاق ونحو ذلك، وفي العقوبات قرر الفقهاء أن الحدود لا تقام عليهم إلا في ما يعتقدون حرمته كالسرقة والزنا، لا في ما يعتقدون حله كشرب الخمر، ومن هنا كان لأهل الذمة محاكم تختص بهم ويختصون بها إذا شاءوا، وإلا لجئوا إلى القضاء والحكم الإسلامي كما سجل ذلك التاريخ.
يقول المؤرخ الغربي آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري): “كما كان الشرع الإسلامي خاصًّا بالمسلمين فقد خلت الدولة المسلمة بين أهل الملل الأخرى وبين محاكمهم الخاصة بهم، والذي نعلمه من أمر هذه المحاكم أنها كانت كنسية، وقد كتبوا كثيرا من كتب القانون، ولم تقتصر أحكامهم على مسائل الزواج، بل كانت تشمل إلى جانب ذلك مسائل الميراث، وأكثر المنازعات التي تخص المسيحيين وحدهم مما لا شأن للدولة به، وهكذا يتضح أن الإسلام لم يعاقب غير المسلمين، على فعل يرونه مباحًا في شرعهم، كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير مع أنهما حرام في شريعة الإسلام، ولا شك في أن هذا التسامح الإسلامي مع المخالفين، مما ليس له نظير في أي تشريع أو حكم أو نظام أو دين، يقول جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب): “كيف يمكن أن تعمي فتوح العرب الأوائل أبصارهم، وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادة، ويسيء معاملة المغلوبين ويكرهوهم على اعتناق دينهم، الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم، ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية، ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة، أن النظم والديانات ليست مما يفرض قسرا، فعاملوا كما رأينا أهل سوريا ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا عليه، بلطف عظيم تاركين لهم قوانينهم ونظمهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب، إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقًا، في مقابل حفظ الأمن بينهم، فالحق أنّ الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم”.
الحق الخامس: الحق في الحياة:
كرم الله تعالى الإنسان، بأن خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، والشريعة الإسلامية كفلت للناس جميعًا حق الحياة الحرة الكريمة، بحكم تساويهم في النشأة الأولى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} (الأنعام: 98) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (النساء: 1)، فالناس جميعًا من أصل واحد، وهم جميعًا يرجعون إلى أب واحد، والله تعالى هو الذي وهبهم الحياة منذ نشأتهم الأولى، وهو الواحد الأحد سبحانه الفرد الصمد.
والحياة منحة من الله تعالى للإنسان، لا يملك أحد أن ينتزعها بغير إرادة الله، قال جل من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} (ق: 43)، والعدوان على حياة فرد بدون حق، عدوان على المجتمع بأسره، قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32)، قد أعطت الشريعة الإسلامية حق انتزاع الحياة من الأفراد للدولة، وفقا لمصلحة المجتمع وحماية لحياة الأفراد الخاصة، وفي ذلك قال ربنا: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 179)، وهذه العقوبة مقررة في جميع الشرائع الإلهية المتقدمة، وفي الشريعة الموسوية جاء في الفصل الحادي والعشرين من سفر الخروج: “أن من ضرب إنسانًا فمات فليقتل قتلًا، وإذا بغى رجل على آخر فقتله اغتيالًا، فمن قدام مذبحي تأخذه ليقتل، وإن حصلت أذية، فأعط نفسًا بنفس وعينًا بعين، وسنًا بسن، ويدًا بيد، ورجلًا برجل، وجرحًا بجرح، ورضًّا برَض”، وفي الشريعة المسيحية يرى البعض أن قتل القاتل لم يكن من مبادئها، مستدلين على ذلك بما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل متى، من قول عيسى عليه السلام: “ولا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن، فحول له خدك الآخر أيضًا، ومن رأى أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضًا، ومن سخرك ميلًا واحدًا، فاذهب معه اثنين”، لكن البعض الآخر يرى أن الشريعة المسيحية عرفت عقوبة الإعدام، استدلالًا بما قال عيسى: “ما جئت لأنقض الناموس، وإنما جئت لأتمم”، قد تأيد هذا بما ورد في القرآن من قول الله: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} (آل عمران: 50)، وإلى هذا أشارت الآية الكريمة في قول ربنا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (المائدة: 45)، ولم تفرق الشريعة بين نفس ونفس، فالقصاص حق سواء أكان المقتول كبيرًا أو صغيرًا رجلًا أو امرأة، فلكل حق الحياة، ولا يحل التعرض لحياته بما يفسدها بأي وجه من الوجوه، ولهذا كان حق كل إنسان في أن يحيا، حقًّا محفوظًا.
ولقد رأينا الإسلام يعظم النظرة إلى أهل الكتاب من اليهود أو النصارى، سواء كانوا في دار الإسلام أم خارج هذه الديار، قد روى الإمام البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((من قتل معاهدًا -أي من له عهد مع المسلمين- لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا))، وعند النسائي بسنده عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله- أنه قال: ((من قتل رجلًا من أهل الذمة، لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عامًا))، وروى أيضًا الحافظ الهيثمي بسنده عن رجل عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((سيكون قوم لهم عهد، فمن قتل رجلًا منهم، لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة تسعين عامًا))، وهذا حديث صحيح.
إذن عظَّم الإسلام شأن الدماء، وحافظ عليها أن تسفك بغير حق، بل ذهب طائفة من الفقهاء أنه يقتص للنصراني واليهودي من المسلم النفس بالنفس، فلو أن مسلمًا قتل معاهدًا من المعاهدين واعتدى عليه، فإن المسلم يقتل بالذمي، هذا ما ذهب إليه الحنفية خلافًا للجمهور، استنادًا لعموم قول الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (المائدة: 45)، وعموم قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة: 179).
إذن غير المسلم حقه في الحياة محمي وأمنه متوفر، قال سبحانه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (التوبة: 6)، وهذا الحق ثابت للرجال والنساء والأحرار والعبيد، فمن حق أي فرد من هؤلاء أن يُؤَمَّن، أي يكون آمنا في ديار المسلمين، ولا يمنع من هذا الحق أحد طلب هذا الأمان، ذلك؛ لأنّ الله تبارك وتعالى {لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190)، وأنه {لَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة: 193)، والظلم محرم في الشريعة المسلمة، فلا يظلم أحد أبدًا، وهذا ما قرره علماؤنا رحمهم الله تعالى، يقول القرافي: “إنّ عقد الذمة يوجب حقوقًا علينا لهم؛ لأنّهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء، أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله ودين الإسلام، وينقل أيضًا قول ابن حزم: “أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالقراع والسلاح، ونموت دون ذلك صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة، وحكى على ذلك إجماع الأمة، فعلق القرافي على هذا بقوله: “إن هذا قد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال، صونا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم”، فإن هذا الحق الذي تستهلك فيه الأموال وتستأصل فيه النفوس لأجل أن يحفظ، إنه حق عندئذ حق عظيم.
ويتناول حق الحماية أيضًا حماية غير المسلم، من أن يحبس حبسًا تعسفيًّا، فهو في هذا الحق كالمسلم أيضًا، آمن لا يقبض عليه، ولا يحبس إلا بمقتضى جريمة تخالف الشرع، قد نص الشرع على عقوبة مرتكبها، يستثنى من هذا ما أبيح لهم في دينهم، كشرب الخمر مثلًا، ومن القواعد العامة في الشريعة الإسلامية، لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص من الشرع، ذلك أنّ الدولة الإسلامية محكومة بقواعد الشريعة الإسلامية، فلا يمكنها أن تمد يدها إلى شخص مسلم أو غير مسلم، فتقبض عليه أو تحبسه أو تعاقبه بغير وجه حق، ما لم يصدر عنه ما يستوجب ذلك؛ لأنّ معاقبته أو إلقاء القبض عليه بدون وجه حق، يعد اعتداءً والاعتداء على الغير ممنوع في الشريعة المسلمة.
الحق السادس: حقهم في التعلم والتعليم:
لقد أعطى الإسلام الحق لكل فرد، أن ينال من العلم والثقافة ما يشاء، في حدود ما تتيحه له إمكاناته وظروفه، وقد رأينا المسلمين يعلمون أبناء غير المسلمين، ورأينا غير المسلمين يعلمون أبناء المسلمين، إذا رجعنا إلى المسلمين الأوائل، نجد أنّ النبي -صلى الله عليه وآله- هو الذي افتدى أسرى بدر، بتعليم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة، بمعرفة أسرى من المشركين، إذن فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يرَ بأسًا بتعليم غير المسلمين أبناء المسلمين، وذلك لحاجة المسلمين إلى نشر القراءة والكتابة، كما كان لليهود بأرض العرب في أرض الحجاز، مواضع وأماكن يتدارسون فيها ويتعلمون، حيث يعلمهم رجال دينهم من الأحبار، أحكام شريعتهم اليهودية، ويقصون عليهم أيامهم الماضية وأخبار رسلهم وأنبيائهم قبلهم، ويفسرون لهم ما جاء في توراتهم، وكان هذا في بيت يقال له: المدراس، وهذه الأماكن أو المعاهد التعليمية اليهودية، تقابل المعاهد التعليمية للعرب الوثنيين في الجاهلية والمنتديات التي كانوا يجلسون فيها كدار الندوة.
ورأينا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يعترض عليها، ورأينا اهتمام الخلفاء بغير المسلمين من العلماء، حتى إنا رأينا بعض أولئك يترقون في مناصب في الدولة المسلمة، فكان طبيب المنصور العباسي جرجيس بن بختيشوع فيلسوفا وطبيبا له منزلة في دار الخلافة، ولما مرض أمر المنصور بحمله إلى دار العامة وخرج ماشيًا يسأل عن حاله، وحينما طلب من الخليفة أن يعود إلى بلده ليدفن فيه مع آبائه وأجداده، أمر بتجهيزه ومنحه عشرة ألاف دينار، وأوصى من معه بحمله إذا مات في الطريق إلى مدافن آبائه كما طلب، وكذا كان يوحنا البطريك مولى المأمون علا قدره في زمنه، وأقامه أمينًا على ترجمة الكتب، من كل علم من علوم الطب، وكذا كان سهل بن سايور نصرانيا تولى بيمارستان جند نيسابور أي مستشفى جند نيسابور، وغير هؤلاء كثر، سواء أكانوا من أصل نصراني أم كانوا من أصل يهودي أم كانوا من أصل فارسي، وقد اشتهر طائفة من هؤلاء بالترجمة أحيانًا وبالطب أحيانًا أخرى، ومن هنا رأينا المسلمين لا يجدون غضاضة، في أن يتعلم أبناء المسلمين من غير المسلمين.
وتحكي لنا كتب التاريخ أن غير المسلمين تعلموا من المسلمين في بلاد الأندلس، بل ما نقل من حضارة المسلمين عن تلك الدولة الأندلسية المسلمة، هو السبب في تلك النهضة العلمية التي عمت بلاد أوربا.