2.2 تاريخ حقوق الإنسان, وتطور تلك الحقوق في التشريعات الوضعية.
إنَّ حقوق الإنسان التي شاعت اليوم محليًّا وعالميًّا لم تكن على هذه الصورة في أحقاب التاريخ، وإنما اعتراها كثير من الشحوب والغموض والتفاوت، وكثير من الاختلاف والتطور والتدرج؛ ولذلك يمكن أن نفرِّق في تاريخ حقوق الإنسان بين أربعة أطوار: الطور الأول: حقوق الإنسان كفكرة، وهذه الفكرة موجودة في فطر الناس أجمعين، وموجودة في دعوات الأنبياء والمرسلين من لدن نبينا آدم -عليه السلام- ومضت مع التاريخ مع الأنبياء والمرسلين والمصلحين، وشغلت عقول كثير من الفلاسفة والمفكرين, وحدثنا التاريخ عن كلمات لبعض الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو، وبعض المعاصرين ممن عُنوا بهذه القضية؛ فمن أفلاطون وأرسطو إلى ميكافيللي وسبينوزا ورسو ومنتسكيو الذين وضعوا نظريات لحقوق الإنسان، وأقاموا هذه النظريات على أساس الواقع، أو على أساس المنطق. ولم تظهر فكرة حقوق الإنسان جزئيًّا بشكل رسمي إلا في القرن الثالث عشر الميلادي، وهذا يوافق القرن السابع الهجري؛ وذلك نتيجة ثورات طبقية وشعبية في أوربا، ثم في القرن الثامن عشر في أمريكا لمقاومة التمييز الطبقي، أو التسلط السياسي، أو الظلم الاجتماعي. ويمكن القول بأن حقوق الإنسان في المجتمعات القديمة, كانت تقوم على مبدأ الحق للقوة؛ فالقوي يتمتع بجميع الحقوق والضعيف لا يتمتع بشيء من الحق، بل حقوقه مستباحة أو مفقودة، ولم تكن هناك حماية لحقوق الإنسان, بل كان ذكره معروفًا كشيء طبيعي مألوف، وكانت حرية العمل مقيدة والنظام الطبقي هو الأساس لبناء تلك المجتمعات، وكان الشعب مستعبدًا والمرأة لا كرامة لها، وكذلك معظم الحقوق كانت مهدرة. وقد رأينا أوربا في عصورها الوسطى, فرأينا امتهان كرامة الإنسان، وانتهاك حقوقه من خلال التشريعات والأنظمة الظالمة، تمثّل ذلك في إقطاع الأرض، وامتيازات النبلاء، ورجال الكنيسة، واستعباد الطبقات الأخرى, والعقوبات الوحشية، والتعذيب والمحاكمة بطرق التحكيم الكنسي ومحاكم التفتيش، وغير ذلك من وسائل إبادة الإنسان. وبدأت تلك الدول بعد نزول الإسلام بسبعة قرون, تبحث عن حقوق الإنسان؛ ففي إنجلترا صدر عام ألف ومائتين وخمسة عشر ما يُسمى بالوثيقة الكبرى، وذلك على إثر ثورة الشعب ليبروس على طغيان الملك، ووقع في هذا أن فرض أمراء الإقطاع البارونات على الملك جان توقيع هذا الشرط؛ للاعتراف بحقوقهم وامتيازاتهم. وفي سنة سبع وعشرين وستمائة وألف للميلاد أصدر الملك شارل الأول من آل إستيورت قانون إعلان الحقوق, الذي يُقرّر مبدأ واحدًا وهو لا يُجبَر أحد على دفع أية ضريبة أو على تقديم أية هبة أو عطاء مجاني إلا بقرار من البرلمان. وفي سنة ثمان وعشرين وستمائة وألف صدرت وثيقة إعلان الحق, وكانت لأمراء الإقطاع أيضًا, وهذه الوثيقة التي سميت بعريضة الحق أو إعلان الحق إنما جاءت لأمراء الإقطاع فحسب؛ إلا أنه في سنة تسع وسبعين وستمائة وألف أصدر الملك جان الثاني من آل إستيورت أيضًا القانون المعروف باسم قانون تحرير الجسد الذي يُوجب امتناع حبس الأفراد إلا لدين أو تهمة جنائية، ثم ألغي الحبس من أجل الدين بقانون صدر سنة ست عشرة وثمانمائة وألف, واقتصر الحبس على المتهمين بالجرائم الجنائية. قبل ذلك بقليل خرج إعلان حقوق الإنسان من خلال إعلان الحقوق, والذي صدر سنة تسع وثمانين وستمائة وألف, وقانون التسوية أو التولية, والذي صدر عام ألف وسبعمائة وواحد ميلادي, وتبع ذلك إعلان حقوق الإنسان من خلال إعلان الاستقلال الأمريكي الصادر سنة سبع وثمانين وسبعمائة وألف, والذي تضمن مبدأ المساواة بين الناس وتمتعهم بحق الحياة والحرية وطلب السعادة, ويتضمن اعتبار صلاحية الدولة لإقرار هذه الحقوق مستمدة من الشعب, كما يعلن حق الشعب في التمرد على انحراف الدولة عن هذا الهدف. وصدر بعد ذلك الإعلان عن الدستور الأمريكي في عام سبع وثمانين وسبعمائة وألف، وعُدِّل مرارًا لما يتعلق بالحقوق الإنسانية مثل: حرية العقيدة وحرمة النفس والمال والمنزل، وضمانات حرية التقاضي, وعدم التجريم بدون المحاكمة العادلة، وتحريم الرِّقّ وإيجاب المساواة، وذلك فيما بين عام تسع وثمانين وسبعمائة وألف إلى عام واحد وتسعين وسبعمائة وألف. وسمى الأمريكيون يوم الخميس الأخير من شهر نوفمبر سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف بيوم الشكر، واعتبره الأمريكيون عيدًا وطنيًّا، وفي نفس العام سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف أعلن الفرنسيون حقوق الإنسان والمواطن، وصوتت الجمعية الوطنية على هذا الإعلان في السادس والعشرين من أغسطس سنة تسع وثمانين وسبعمائة وألف، واعتُمد في مقدمة الدستور الفرنسي الأول الذي صدر عام واحد وتسعين وسبعمائة وألف، وتضمن مقدمة وسبع عشرة مادة، نصَّ فيه على أن الناس خُلقوا أحرارًا وسيظلون, وأن الملكية محترمة ولا يجوز نزعها إلا للضرورة العامة ولقاء تعويض عادل، وأن الأصل براءة الذمة ولا يجوز التجريم إلا بقانون، ولا بد من المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية وهي: الحرية والملكية والأمن ومحاربة الاضطهاد. وبعد ظهور الإعلان الفرنسي بدأت تسري في المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الأولى, بوادر العناية بحقوق الإنسان, مثل: مكافحة الاتجار بالرقيق، ونحو ذلك. ثم ظهرت جهود لمنظمة الأمم المتحدة في هذا الاتجاه، وجاء دور المؤسسات الدولية في القرن العشرين، فأعلن عن حقوق الإنسان في تلك المواثيق، وقد رأينا عدة اتفاقيات بهذا الخصوص، من أهمها: اتفاق جرمن سنة تسع عشرة وتسعمائة وألف، واتفاقية جنيف سنة ست وعشرين وتسعمائة وألف، ورأينا في عُصبة الأمم ظهور ذلك في المواثيق سنة تسع عشرة وتسعمائة وألف، وفي سنة إحدى وأربعين وتسعمائة وألف في ميثاق الأطلسي، ثم في اقتراحات ديبرك أوكس الموقعة سنة أربعة وأربعين وتسعمائة وألف، ثم ميثاق الأمم المتحدة سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف، والذي أسس لجنة حقوق الإنسان؛ فعملت هذه اللجنة على صياغة تلك الحقوق, ثم أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الثامن عشر من حزيران, يونيو عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف، وصدَّقت عليه الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول, ديسمبر سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف، واعتبر هذا اليوم من كل عام اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما نخصه الآن بالدراسة والمقارنة. ولم تُعلن الحقوق الأساسية للاتحاد السوفيتي السابق, إلا في اليوم الخامس من كانون الأول سنة ألف وتسعمائة وست وثلاثين، عند إعلان الدستور الذي ذكر الحقوق الإنسانية الأساسية، ثم تكرر ذلك سنة سبع وسبعين وتسعمائة وألف، ونص على إقرار المساواة ولو نظريًّا بين المواطنين، وحق التعليم المجاني، وحرية الفكر والتعبير، والاجتماع الشخصي، والتظاهر، وتأسيس الجماعات والنقابات، وحرمة المنازل، وحق المواطن في العمل، والإجازات والضمانات الاجتماعية ضد الشيخوخة والبطالة والمرض والعجز. وقد وقَّع المجلس الأوربي في الرابع من نوفمبر سنة خمسين وتسعمائة وألف, الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ثم صدر سنة ست وستين وتسعمائة وألف اتفاقيتان دوليتان؛ الأولى تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، وسميت بالعهد الدولي الخاص، والثانية سميت بالعهد الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. أهم وثائق حقوق الإنسان في السنة النبوية: أول هذه الوثائق النبوية وثيقة المدينة، وهذه الوثيقة كانت بين النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وبين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب, ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. وهذه الوثيقة تُعبّر تعبيرًا صادقًا عما يمكن أن نسميه بحقوق الإنسان في السنة النبوية، وبنود هذه الوثيقة كثيرة، ومن الأهمية بمكان أن نطالعها مع وثيقة صلح نجران، ومع خطبة الوداع للنبي -صلى الله عليه وآله- فإن هذه الوثائق الثلاثة تُمثّل بجملتها حقوق الإنسان في السنة النبوية، تقول وثيقة المدينة: ((هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم؛ أنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المسلمين، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحارث بن الخزرج على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين)). والربعة: الحال التي جاء الإسلام وهم عليها، والمعنى: أنهم على أمرهم الذي كانوا عليه، والمعاقل: الديات، والواحدة: مَعْقُلة بضم القاف وهي الدية، ومعنى يتعاقلون أي: يكونون على ما كانوا عليه في الجاهلية من أخذ الديات وأعطياتها. وقوله: ((كل طائفة تفدي عانيها)) العاني: هو الأسير، والقسط المأمور به بين المؤمنين هو العدل. قالت الوثيقة: ((وإن المؤمنين لا يتركون مفرحًا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل)) والمفرح: المثقل بالدين، ((وألا يُحالف مؤمن مولى مؤمنٍ دونه، وإن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم أو ابتغى دسيسة ظلمٍ أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعًا ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنًا في كافرٍ، ولا ينصر كافرًا على مؤمن, وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم -وقوله يجير أي: إذا أجار واحد من المسلمين واحدًا أو جماعة من الكفار وأمَّنهم؛ جاز ذلك على جميع المسلمين لا يُنقد عليه جواره ولا أمانه- وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم -والأسوة بالضم والكسر: القدوة- وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يُسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدلٍ بينهم -والسواء: العدل والنصفة كالسوية- وإن كل غازية غزت معنا يُعقب بعضها بعضًا -أي: يكون الغزو بينهما نوبًا، فإذا خرجت طائفة ثم عادت لم تُكلّف أن تعود ثانية حتى تُعقبها أخرى، وهكذا- وإن المؤمنين ينبئ بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه، وإنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا ولا يحول دونه على مؤمن، وإنه من اعتبط مؤمنًا -أي: قتله بلا جناية منه تُوجب قتله- قتلًا عن بينة فإنه قود -القود: القصاص, أي: القاتل يُقاد به ويقتل قصاصًا- إلا أن يرضى ولي المقتول بالعقل -والعقل: الفدية- وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه. وإنه لا يحل لمؤمن أقرَّ بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا أو يؤويه، وإن من نصره أو آواه فإنه عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله وإلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وإن اليهود يُنفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، ويوتغ أي: يهلك، وإن ليهود بني النجار مثل ما لبني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم؛ فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشطبية مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم -والبر الصدق والوفاء، وكل ضروب الخير التي ينبغي أن تكون حاجزة عن الإثم- وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم -والمقصود اليهود الذين هم خارج المدينة- وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظُلم، وإن الله على أبر هذا -أي: إن الله وحزبه المؤمنين على الرضاء به- وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حزمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فساده؛ فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب, وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه. وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك, فإن لهم على المؤمنين -إلا من حارب في الدين- على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم)). والوثيقة الثانية صلح نجران, وفيها: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل نجران, إذا كان عليهم حكمه في كل ثمرة، وفي كل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق -والصفراء الذهب، والبيضاء الفضة، والرقيق أي: الجارية والعبد- فأفضل ذلك عليهم وترك ذلك كله لهم على ألفي حلَّة من حلل الواقي، في كل رجب ألف حلة وفي كل سفر ألف حلة، كل حلة أوقية من الفضة، فما زادت عن الخراج أو نقصت عن الأواقي فبالحساب، وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عروض أُخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مسوات رسل شهرًا فدونه, أي: سكنى الرسل من لدن النبي- صلى الله عليه وسلم- ومدة إقامتهم وإضافتهم شهرًا فدونه، ولا تُحبس رسلي فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا، وثلاثين بعيرًا إذا كان كيدٌ باليمن ومعرة، وما هلك مما أعاروا رسلي من دروع أو خيل أو ركاب أو عروب فهم ضُمُن حتى يردّوه إليهم، ولنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله علي أموالهم، وأنفسهم، وأرضهم، وملتهم، وغائبهم وشاهدهم، وعشيرتهم وبِيَعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، ولا يغيَّر أسقف عن أسقفيته، ولا راهبٌ عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، وليس عليهم دنيَّة، ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقًّا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين، ومن أكل منهم ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر، ولهم على ما في هذا الكتاب جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله أبدًا، حتى يأتي الله بأمره ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير منفلتين بظلم)). الخطبة الثالثة خطبة الوداع: ألقى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة خطبة جامعة في جموع المسلمين, الذين احتشدوا له في الموقف، أرسى فيها دستور دولة الإسلام في تثبيت حقوق الإنسان, فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: ((أيها الناس, اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وربا الجاهلية موضوع وأول ربًا أضع ربا العباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوع كله. أيّها الناس إن الشيطان قد يئس من أن يُعبد بأرضكم هذه أبدًا، ولكنه إن يُطع فيما سوى ذلك؛ فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم، أيها الناس إن النسيئة زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا, يُحلونه عامًا ويحرمونه عامًا؛ ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض, السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. أيها الناس, ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، اتقوا الله في النساء؛ فإنكم إنما أخذتموهنَّ بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، إن لكم عليهنَّ حقًّا، ولهن عليكم حقًّا، لكم عليهنَّ ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به؛ كتاب الله وسنة رسوله. يا أيها الناس اسمعوا وأطيعوا, وإن أُمّر عليكم عبد حبشي مجدَّع ما أقام فيكم كتاب الله تعالى، أرقاءكم، أرقاءكم! أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، وإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم. أيها الناس, اسمعوا قولي واعقلوه تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحلّ لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت، وستلقون ربكم فلا ترجعوا بعدي ضلالًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغ أن يكون أوعى له من بعض ما سمعه، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء, وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد, ثلاث مرات)). بهذا نكون قد أتينا على عرض وثائقي لوثائق حقوق الإنسان الأولى, التي عرفتها البشرية في عهدها النبوي، في عهد نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- في ثلاث وثائق متتابعة: وثيقة المدينة، ووثيقته -صلى الله عليه وآله وسلم- لأهل نجران، وما كان من بيانه الختامي الوداعي في حجة الوداع. أهم الوثائق الدولية بشأن حقوق الإنسان: أهم الوثائق الدولية بشأن حقوق الإنسان، والتي صدرت عن الأمم المتحدة أولًا، ثم التي صدرت عن الهيئات والجهات الإسلامية ثانيًا. حقوق الإنسان في ميثاق منظمة الأمم المتحدة في المؤتمر الذي انعقد في فرنسيسكو، في سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف من الميلاد, الموافق شهر رجب سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة: تجسدت عناية ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بما ورد في ديباجة هذا الميثاق، وبما نصه: نحن شعوب الأمم المتحدة, وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدمًا، وأن نرفع مستوى الحياة في جوّ من الحرية أفسح، هكذا عبَّرت شعوب الأمم المتحدة في ديباجة الميثاق عن تصميمها على تأكيد إيمانها من جديد لحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد وقيمته، وما من شك أن هذا كان في أعقاب الحرب العالمية. وقد ورد في الفقرة الثالثة من المادة الأولى, أن من مقاصد الأمم المتحدة تحقيق التعاون الدولي على حلّ المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا، والتشجيع على ذلك إطلاقًا, بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، وتكررت الإشارة إلى تلك الحقوق في الفصل الرابع في الفقرة “ب” من المادة الثالثة عشرة من الميثاق، والخاصة بوظائف وسلطات الجمعية العامة؛ لأن من بين وظائف هذه الجمعية الإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا, بلا تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء. وفي الفصل التاسع والخاص بالتعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي, ورد في المادة الخامسة والخمسين ما نصه: رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة بين الأمم، ومؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية بين الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها, تعمل الأمم المتحدة على أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، ومراعاة تلك الحقوق فعلًا. ثم جاءت الفقرة “ج” من المادة السادسة والسبعين في الفصل الثاني عشر, والخاصة بالأهداف الأساسية لنظام الوصاية الدولي, أن من الأهداف الأساسية لنظام الوصاية التشجيع على احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز. ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي صدر أيضًا عن الأمم المتحدة في الحادي عشر من ربيع الأول سنة ثمانٍ وستين وثلاثمائة وألف للهجرة, الذي يوافق العاشر من ديسمبر سنة ثمانٍ وأربعين وتسعمائة وألف، وفي ديباجته قال هذا الإعلان: لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية ولحقوقهم المتساوية الثابتة، وأساس الحرية والعدل والسلام في العالم، ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضاها إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان؛ لكي لا يُضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم، ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكَّدت في الميثاق من جديد إيمانًا بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية؛ حزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدمًا، وترفع مستوى الحياة في جوٍّ من الحرية أفسح، ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، واحترامها, ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد؛ فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك, الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع واضعين على الدوام هذا الإعلان نَصب أعينهم, إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم، والتربية، واتخاذ إجراءات مطردة قوية وعالمية؛ لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها، وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها. المادة الأولى: يولد الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلًا وضميرًا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء. المادة الثانية: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثورة أو الميلاد. وفضلًا عما تقدم, فلن يكون هناك أيّ تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد؛ سواء أكان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلّة، أو تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتي، أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. المادة الثالثة: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه. المادة الرابعة: لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويُحذر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما. المادة الخامسة: لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية، أو الحاطَّة بالكرامة. المادة السادسة: لكل إنسان أينما وُجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية. المادة السابعة: كل الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضدّ أي تمييز يُخلّ بهذا الإعلان، وضد أي تحريض على تمييز كهذا. المادة الثامنة: لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أمور فيها اعتداء على الحقوق الأساسية, التي يمنحها إياه القانون. المادة التاسعة: لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفيًّا. المادة العاشرة: لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة, نظرًا عادلًا علنيًّا للفصل في حقوقه والتزاماته، وأية تهمة جنائية توجه إليه. المادة الحادية عشرة: كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئًا, إلى أن تثبت إدانته بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع. البند الثاني من هذه المادة: لا يدان أي شخص من جرّاء أداء عمله أو الامتناع عن أي عمل, إلا إذا كان ذلك يُعتبر جرمًا وفقًا للقانون الوطني أو الدولي وقت الارتكاب، كذلك لا توقع عليه عقوبة أشد من تلك التي كان يجوز توقيعها وقت ارتكابه الجريمة. المادة الثانية عشرة: لا يعرض أحد لتدخلٍ تعسفيّ في حياته الخاصة أو أسرته أو مراسلاته، أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في التمتع بحماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات. المادة الثالثة عشرة: لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود أية دولة، ويحق لكل فرد أن يغادر أي بلد بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليها. المادة الرابعة عشرة: لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خوفًا من الاضطهاد، ولا يمكن التذّرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية، أو عن أعمال تُناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها. المادة الخامسة عشرة: لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز تعسفًا حرمان أي شخص من جنسيته، ولا من حقه في تغيير جنسيته. المادة السادسة عشرة: للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ حق التزويج وتأسيس أسرة, دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج، وخلال قيام الزواج ولدى الحلال، لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المجمع المزمع زواجهما إرضاء كاملًا لا إكراه فيه. والأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة. المادة السابعة عشرة: لكل فرد حق في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفًا. المادة الثامنة عشرة: لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده، أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. المادة التاسعة عشرة: لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والمعلومات وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبارٍ للحدود. المادة العشرون: لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والاجتماعات السلمية، ولا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلى جمعية ما. المادة الحادية والعشرون: لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشئون العامة لبلاده مباشرة، وإما بواسطة ممثلين ولكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلّد الوظائف العامة في البلاد. المادة الثانية والعشرون: لكل إنسان باعتباره عضوًا في المجتمع حق الأمن الاجتماعي، وهو مجاز في الحصول بواسطة المساعي الوطنية، أو التعاون الدولي على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته والنمو الحر لشخصيته. المادة الثالثة والعشرون: لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط مرضية, كما أن له حق الحماية من البطالة، ولكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر متساوٍ للعمل، ولكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرضٍ له ولأسرته؛ كي يعيشوا عيشة لائقة بكرامة الإنسان وأن يكملها في حالة اللزوم بوسائل أخرى إضافية للحماية الاجتماعية. المادة الرابعة والعشرون: لكل شخص الحق في الراحة وفي أوقات الفراغ، وله بالخصوص التمتع بتحديد ساعات العمل وفي عُطلات دورية بأجر. المادة الخامسة والعشرون: لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ؛ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته, وينضم إلى ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالة البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته. المادة السادسة والعشرون: لكل شخص الحق في التعليم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزاميَّا، وينبغي أن يُعمّم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة، ويجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام، وللآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم. المادة السابعة والعشرون: لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكًا حرًّا في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون، والمساهمة في التقدم العلمي، والاستفادة من نتائجه، ولكل فرد الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على إنتاجه العلمي، أو الأدبي، أو الفني. المادة الثامنة والعشرون: لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي يتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان. المادة التاسعة والعشرون: على كل فرد واجبات نحو المجتمع الذي يهيّئ شخصيته أن تنمو نموًّا حرًّا كاملًا، يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحريته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط؛ لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحريتهم واحترامها، ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام، والمصلحة العامة، والأخلاق في مجتمع ديمقراطي، ولا يصح بأي حال من الأحوال أن تُمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة ومبادئها. المادة الثلاثون: ليس في هذا الإعلان نصٌّ يجوز تأويله على أنه يخوّل لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط، أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه. كان هذا عرضًا لبعض مواثيق الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان، وهي وإن كانت قد عرضت لجملة كبيرة من الحقوق، فإنها تستند في الأصل إلى ذلك الإعلان الذي واكب ظهور الثورة الفرنسية، وانبثق عنها صدور وثيقة حقوق الإنسان والمواطن، وكانت هذه الوثيقة التي صدرت عام تسعة وثمانين وسبعمائة وألف كانت كرد فعل للمخازي المؤلمة في تلك العهود البائدة، وكانت محاولة لمحو العار الذي كان سائدًا، كالاضطهاد الديني، وامتهان الحريات الشخصية، وامتهان العقول العلمية، ومصادرة الأموال، وغير ذلك. وقد بدأت الوثيقة بعبارة: يولد الناس أحرارًا ومتساوين في الحقوق، وقد حرص الفرنسيون على هذا الإعلان، ووضعوه في مقدمة الدستور الفرنسي الصادر في الثالث من أيلول عام واحد وتسعين وسبعمائة وألف من الميلاد، ويتألف الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان من سبع عشرة مادة، ويتضمن ما يلي: حق الحرية والمساوئ، حق الملكية والأمن والدفاع ضد الظلم، منح الشعب حق المشاركة في الحكم والسلطة، التأكيد على الحرية الشخصية غير المعتدية على حريات الآخرين، حماية القانون لحق منع الضرر، حق الاشتراك في صياغة القانون لكل فرد عن طريق النوّاب لمجلس الشعب والسلطة التشريعية، التأكيد على حق المساواة أمام القانون، المساواة في الحصول على الوظائف، أنه لا عقوبة دون قانون ينصّ عليها، أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، حرية العقيدة، حرية البيان والرأي والتعبير، ضمان الحقوق، تشكيل قوة مسلحة لحمايتها، إجازة أخذ البراءة لتأميم هذا النظام، حماية حقوق الإنسان، حق الناس والشعب في الإشراف على الضرائب، حق المجتمع والناس في الإشراف على الموظفين، اعتبار المجتمعات التي لا تقبل حقوق الإنسان والقوى الحاكمة المؤيّدة لها مجتمعات لا دستور لها، وعدم جواز سلب الملكية إلا للمصلحة العامة. ونلاحظ أن جميع مواد هذا الإعلان الفرنسي, جاءت لمعالجة الواقع المؤلم، والحالة السائدة من البطش، والظلم، والاضطهاد الديني، وسلب الحريات، والاستبداد الملوك والحكام في فرنسا خاصة قبل الثورة الفرنسية وفي أوربا عامة، كما جاء هذا الإعلان تلبية لنداءات المفكرين والعلماء والمصلحين الذين ظهروا في القرن الثامن عشر، وطالبوا بمثل هذه الحقوق، ووضع القيود على تلك السلطة المستبدة للملوك والحكام. وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على مواد هذا الإعلان, نجد أن مضمونه مقرر قبل اثني عشر قرنًا في القرآن الكريم والسنة النبوية، كما قدمنا في هذه المواثيق الثلاثة في عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما نرى ذلك واضحًا في الفقه الإسلامي, وأنه كان مطبقًا بشكل عملي في المجتمع المسلم، مع رعاية كاملة لهذه البنود من المسلمين عامة، وقد رعته الدولة الإسلامية والتزمت به عمليًّا بما كان يُصرّح به الخلفاء الراشدون، ومن جاء من بعدهم من خلفاء وأمراء الدول الإسلامية. |
الاختبارات