Top
Image Alt

3.2 حقوق الإنسان في المواثيق الدولية الإسلامية.

  /  3.2 حقوق الإنسان في المواثيق الدولية الإسلامية.

3.2 حقوق الإنسان في المواثيق الدولية الإسلامية.

  – أهم الوثائق الإسلامية بشأن حقوق الإنسان
لا شكَّ أن البيانات الإسلامية الأولى بشأن حقوق الإنسان, هي التي أطلقها النبي -صلى الله عليه وأله وسلم- في سنته حين كتب وثيقة المدينة، وحين صالح آل نجران، وقبل أن يودع أمته في حجة الوداع، إلا أن العناية في العصر الحاضر توجهت إلى هذه الحقوق لتصاغ في شكل قانوني، وفي مواد مختصرة موثقة لتكون بمثابة هذا الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام، ولتكون أيضًا تصحيحًا وتنبيهًا على أخطاء وقعت في تلك البيانات الدولية التي صدرت عن هيئات دولية كهيئة الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات.

وبين أيدينا عدة بيانات نجتزئ منها على بعضها رغبة في الاختصار، فهذا البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام، والذي أعلنه المجلس الإسلامي العالمي في الحادي والعشرين من شهر ذي القعدة سنة ألف وأربعمائة وعشر من الهجرة النبوية، والذي وافق التاسع عشر من سبتمير سنة إحدى وثمانين وألف، والذي صدر عن مقر اليونسكو في العاصمة الفرنسية باريس، ونص هذا البيان كالتالي: “الحمد لله، والصلاة على رسول الله، سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه, وبعد؛ فهذه هي الوثيقة الإسلامية الثانية يعلنها المجلس الإسلامي الدولي للعالم متضمنة حقوق الإنسان في الإسلام، ومن قبلُ أصدر المجلس الوثيقة الأولى وهي البيان الإسلامي العالمي عن النظام الإسلامي, متضمنة الأُطر العامة لهذا النظام.

وجدير بالذكر أن هذا البيان الذي نوّه بشأنه قد صدر في لندن, وفي شهر إبريل سنة ثمانين وتسعمائة وألف بعنوان المبادئ الأساسية للنظام الإسلامي ومقوماته الرئيسية العامة، وتتلخص هذه المبادئ في أن للكون نظامًا أحكمه الله تعالى، وجعل الإنسان خليفته في أرضه، وأن تطبيق الشريعة واجب على المسلمين الذين عليهم أن يقيموا نظامًا إسلاميًّا عالميًّا أساسه العدل، وأن شريعة الله وحدها هي التي تضفي الشرعية على الحكومات والحكام وكافة مؤسسات الدولة، وأن تجربة الإنسان مع النظم العلمانية قد باءت بالفشل من أجل تحقيق مجتمع قائم على مبادئ العدل والمحبة؛ سواء في ذلك النظام الرأسمالي أو النظام الشيوعي, وأن أُطر النظام السياسي الإسلامي تتحتم أن تبنى على الشريعة الإسلامية بما فيها من شورى، وتنظيم للحقوق.

كذلك يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على العدالة الاجتماعية، ويقوم على الإطار التربوي وعلى حق التعليم لكل إنسان، كل بحسب استعداده، ويقوم النظام الاجتماعي على تأكيد كرامة الفرد، وتدعيم الأسرة، كما يقوم الإطار العسكري على تنمية قدرات الأمة الإسلامية الدفاعية في ظل التضامن الإسلامي المتعدد المجالات، وأن على الأمة الإسلامية أن تعبِّئ قواها من أجل الجهاد المقدس؛ لاستعادة مدينة القدس، وتحرير كافة الأراضي الإسلامية المغتصبة.

نعود إلى نص البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام, والذي صدر في مقر اليونسكو, في العاصمة الفرنسية باريس سنة ألف وأربعمائة وعشر, يقول النص في مقدمته: وإنه لمن دواعي التفاؤل أن ييسر الله صدور الوثيقتين في مستهل القرن الخامس عشر الهجري، مع تصاعد الحركة الإسلامية التي تُؤذن بصحوة الأمة، والتقاء شعوبها على كلمة جامعة، ودعوة صادقة للعودة إلى منهاج الله تعالى، وسعيًا حثيثًا لإعادة صياغة المجتمع الإسلامي على أصول هذا المنهاج.

إن حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرارًا صادرًا عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي لا تقبل الحذف، ولا النسخ ولا التعطيل، ولا يُسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنها.

ووثيقة حقوق الإنسان في الإسلام, التي نعلنها اليوم ثمرة طيبة لجهد مخلص أمين توافر له وتعاون عليها نُخبة صالحة من كبار مفكري العالم الإسلامي، وقادة الحركات الإسلامية فيه، وقد ارتفعوا بها فوق الواقع الراهن لما يلابسه من الزمان والمكان والأشخاص، الخاصة ببيئة أو شعب؛ فجاءت -بحمد الله وتوفيق منه- معبرة عن تمثل صحيح وشامل لحقوق الإنسان، مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

إنَّ المجلس الإسلامي الدولي وهو يعلن للعالم كله هذه الوثيقة؛ ليأمل أن تكون زادًا للمسلم المعاصر في جهاده اليومي، وأن تكون دعوة خير لقادة المسلمين وحكامهم أن يتواصوا بالحق فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم وبين غيرهم, تواصيًا ينتهي بهم إلى مراجعة جادة لمناهج حياتهم، وطرائق حكمهم وعلاقتهم بشعوبهم وأمتهم، وإلى احترام حقوق الإنسان التي شرعها الإسلام.

كما يأمل المجلس أن تلقي هذه الوثيقة ما هي جديرة به من عناية المنظمات المحلية, والدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان، وأن تضمها إلى ما لديها من وثائق تتصل بهذه الحقوق تدعو إلى إقرارها في حياة الإنسان حقيقة واقعة، والله تعالى أسأل أن يجزي خيرًا كل من شارك في إعداد هذه الوثيقة، وأن يفتح لها القلوب والضمائر والعقول بما يحقق ما نرجوه من التجديد الحق لحياة المسلمين.

هذه كانت مقدمة الأمين لهذا المجلس، وهو الاستاذ سالم عزام, لننتقل بعد ذلك إلى بنود هذا البيان العالمي: مدخل:
شرع الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا حقوق الإنسان في شمول وعمق، وأحاطها بضمانات كافية لحمايتها، وصاغ مجتمعه على أصول ومبادئ تمكّن لهذه الحقوق وتدعمها، والإسلام هو ختام رسالات السماء التي أوحى بها رب العالمين إلى رسله -عليهم السلام- ليبلغوها للناس هداية وتوجيهًا إلى ما يكفل لهم حياة طيبة كريمة، يسودها الخير والعدل والسلام، ومن هنا كان لزامًا على المسلمين أن يبلغوا للناس جميعًا دعوة الإسلام؛ امتثالًا لأمر ربهم: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)) (آل عمران: 104)، ووفاء بحق الإنسانية عليهم وإسهامًا مخلصًا في إنقاذ العالم مما تردَّى فيه من أخطاء، وتخليص الشعوب مما تأنّ تحته من صنوف المعاناة.

ونحن معشر المسلمين على اختلاف شعوبنا وأقطارنا، وانطلاقًا من عبوديتنا لله الواحد القهار, ومن إيماننا بأنه ولي الأمر كله في الدنيا والآخرة، وأن مردّنا جميعًا إليه وأنه وحده الذي يملك هداية الإنسان إلى ما فيه خيره وصلاحه بعد أن استخلفه في الأرض، وسخر له كل ما في الكون. ومن تصديقنا بوحدة الدين الحق الذي جاءت به رسل ربنا، ووضع كل منهم لبنة في صرحه حتى أكمله الله تعالى برسالة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- كما قال: ((أنا اللبنة الأخيرة، وأنا خاتم النبيين))، ومن رؤيتنا بوضع الإنسان في الكون، وللغاية من إيجاده وللحكمة من خلقه، ومن معرفتنا بما أضفاه عليه خالقه من كرامة وتفضيل على كثير من خلقه، ومن استبصارنا بما أحاطه ربه جل وعلا، ومن نعم لا تُعدّ ولا تُحصى، ومن تمثلنا الحق بمفهوم الأمة التي تجسد وحدة المسلمين على اختلاف أقطارهم وشعوبهم، ومن إدراكنا العميق لما يعانيه عالم اليوم من أوضاع فاسدة، ونظم آثمة، ومن رغبتنا الصادقة في مسئوليتنا تجاه المجتمع الإنساني كأعضاء فيه، ومن حرصنا على أداء أمانة البلاغ التي وضعها الإسلام في أعناقنا سعيًا من أجل إقامة حياة أفضل تقوم على الفضيلة، وتتطهر من الرذيلة, يحلّ فيها التعاون بدل التنكر، والإخاء بدل العداوة، يسودها التعاون والسلام، وبديلًا من الصراع والحروب، تكون حياة فيها معاني الحرية والمساواة والإخاء والعزة والكرام بدلًا من أن يختنق تحت ضغوط العبودية، والتفرقة العنصرية والطبقية والقهر والهوان.

وبهذا يتهيَّأ لأداء رسالته الحقيقية في الوجوب عبادة لخالقه تعالى، وعمارة شاملة للكون تُتيح له أن يستمتع بنعم خالقه، وأن يكون بارًّا بالإنسانية التي تمثّل بالنسبة له أسرة أكبر، يشده إليها إحساس عميق بوحدة الأصل الإنساني التي تنشئ رحمًا موصولة بين جميع بني آدم.

انطلاقًا من هذا كله، نعلن نحن معشر المسلمين حملة لواء الدعوة إلى الله, في مستهلّ القرن الخامس عشر الهجري هذا البيان باسم الإسلام عن حقوق الإنسان، مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهي بهذا الوقت حقوق أبدية لا تقبل حذفًا ولا تعديلًا ولا نسخًا ولا تعطيلًا، إنها حقوق شرعها الله -عز وجل- فليس من حق بشر كائنًا من كان أن يعطلها أو يتعدى عليها, ولا أن يسقط حصانتها الذاتية، لا بإرادة الفرد تنازلًا عنها، ولا بإرادة المجتمع ممثلًا فيما يقيمه من مؤسسات أيًّا كانت طبيعتها، كيفما كانت السلطات التي تخوّلها.

إن إقرار هذه الحقوق هو المدخل الصحيح لإقامة مجتمع إسلامي حقيقي، مجتمع الناس جميعًا فيه سواء, لا امتياز ولا تمييز بين فرد وفرد على أساس من أصل أو عنصر أو جنس، أو لون أو لغة أو دين، مجتمع المساواة فيه أساس التمتع بالحقوق والتكليف بالواجبات، مساواة تنبع من وحدة الأصل المشترك للإنسان، قال سبحانه: ((إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)) (الحجرات: 13)، ومما أسبغه الخالق -جل جلاله- على الإنسان من التكريم، قال سبحانه: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) (الإسراء: 70).

مجتمع حرية الإنسان فيه مرادفة لمعنى حياته؛ سواء يُولد بها ويحقق ذاتها في ظلها آمنًا من الكبت والقهر والإذلال والاستعباد، مجتمع يرى في الأسرة نواة المجتمع، ويحوطها بحمايته وتكريمه، ويهيئ لها كل أسباب الاستقرار والتقدم، مجتمع يجتمع يتساوى فيه الحاكم والرعية أمام شريعة من وضع الخالق سبحانه، دون امتياز أو تمييز، مجتمع السلطة فيه أمانة توضع في عنق الحاكم؛ ليحقق ما رسمته الشريعة من غايات، وبالمنهج الذي وضعته لتحقيق هذه الغايات، مجتمع يؤمن كل فرد فيه أن الله وحده هو مالك الكون كله، وأن كل ما فيه مسخر لخلق الله جميعًا, عطاءً من فضله دون استحقاق سابق لأحد، ومن حق كل إنسان أن ينال نصيبًا عادلًا من هذا العطاء الإلهي, قال سبحانه: ((وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)) (الجاثية: 13).

مجتمع تُقرر فيه السياسات التي تنظم شئون الأمة، وتمارس السلطات التي تصدقها وتنفذها بالشورى, قال تعالى: ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) (الشورى: 38).

مجتمع تتوافر فيه الفرص المتكافئة؛ ليتحمل كل فرد فيه من المسئوليات بحسب قدرته وكفاءته، وتتم محاسبته عليها دنيويًّا أمام أمة وأخرويًّا أمام خالقه كما في الحديث: ((كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ على رعيته))، مجتمع يقف فيه الحاكم والمحكوم على قدم المساواة أمام القضاء حتى في إجراءات التقاضي.

مجتمع كل فرد فيه هو ضمير مجتمعه، ومن حقه أن يُقيم الدعوة حسبة ضد أيّ إنسان يرتكب جريمة في حق المجتمع، وله أن يطلب المساندة من غيره، وعلى الآخرين أن ينصروه ولا يخذلوه في قضيته العادلة.

مجتمع يرفض كل ألوان الطغيان، ويضمن لكل فرد فيه الأمن والحرية والكرامة والعدالة، وبالتزام ما قررته شريعة الله للإنسان من حقوق والعمل على تطبيقها، والسهر على حراستها، تلك الحقوق التي يعلنها للعالم.

كانت هذه لمحة من هذا المدخل, الذي أُعدّ لحقوق الإنسان في الإسلام؛ لنتلو هذه الحقوق وهذه المواد.
أولًا: حق الحياة:
حياة الإنسان مقدسة لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها، قال تعالى: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) (المائدة: 32)، ولا تسلب هذه القدسية إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرّها.

وكيان الإنسان المادي والمعنوي حمى تحميه الشريعة في حياته وبعد مماته، ومن حقه الترفق والتكريم في التعامل مع جُسمانه، وفي الحديث: ((إذا كفَّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه))، ويجب ستر سوءاته وعيوبه الشخصية, وفي الحديث: ((لا تسبّوا الأموات؛ فإنهم أفضوا إلى ما قدموا)).

ثانيًا: حق الحرية:
حرية الإنسان مقدسة كحياته سواء، وهي الصفة الطبيعية الأولى التي بها يُولد الإنسان، وفي الحديث: ((ما من مولود إلا ويولد على الفطرة)) وهي مستصحبة ومستمرة ليس لأحد أن يعتدي عليها، وقد قال عمر -رضي الله عنهم: ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!)).

ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة وبالإجراءات التي تقرها، ولا يجوز لشعب أن يعتدي على حرية شعب آخر، وللشعب المعتَدَى عليه أن يردَّ العدوان، وأن يسترد حريته بكل السبل الممكنة. وعلى المجتمع الدولي مساندة كل شعب يُجاهد من أجل حريته، وأن يتحمل المسلمون في هذا واجبًا لا ترخص فيه.

ثالثًا: حق المساواة:
الناس جميعًا سواسية أمام الشريعة ((لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى)) ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم.

وقال الصديق: “ألا إن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق له، وأقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق منه”، فالناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء، وفي الحديث: ((كلكم لآدم وآدم من تراب، وإنما يتفاضلون بحسب عملهم)), ولا تعريض شخص لخطر أو ضرر لأكثر مما يتعرض له غيره، وفي الحديث: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)).

وكل فكر وكل تشريع وكل وضع يسوّغ التفرقة بين الأفراد على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين، مصادرة مباشرة لهذا المبدأ الإسلامي العام. فلكل فرد حق في الانتفاع بالموارد المادية للمجتمع، من خلال فرصة عمل متكافئة لفرص غيره, قال تعالى: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)) (الملك: 15), ولا يجوز التفرقة بين الأفراد كمًّا وكيفًا، ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ, وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)) (الزلزلة: 7, 8).

رابعًا: حق العدالة:
من حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة، وأن يحاكم إليها دون سواها قال تعالى: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) (النساء: 59)، فمن حق الفرد أن يدفع عن نفسه ما يلحقه من ظُلم, ومن واجبه أن يدفع عن غيره بما يملك، وفي الحديث: ((لينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا؛ إن كان ظالمًا فلينهه، وإن كان مظلومًا فلينصره)).

ومن حق الفرد أن يلجأ إلى سلطة شرعية تحميه وتنصفه، وتدفع عنه ما لحقه من ضر أو ظلم، وعلى الحاكم المسلم أن يُقيم هذه السلطة، وأن يوفر لها الضمانات الكافية والكفيلة بحيدتها واستقلالها، وفي الحديث: ((إنما الإمام جنة يُقاتل من ورائه ويُحتمى به)).

من حق الفرد ومن واجبه أن يدافع عن حق أيّ فرد آخر، وعن حق الجماعة حسبة، وفي الحديث: ((ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)) أي: يتطوع بها حسبة دون طلب من أحد، فتجوز مصادرة حق الفرد في الدفاع عن نفسه تحت أي مسوغ، وفي الحديث: ((إن لصاحب الحق مقالًا)) إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول؛ فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء.

ليس لأحد أن يُلزم مسلمًا بأن يطيع أمرًا يخالف الشريعة، وعلى الفرد المسلم أن يقول: لا, في وجه من يأمره بالمعصية أيًّا كان الأمر، وفي الحديث: ((إذا أمر بمعصية, فلا سمع ولا طاعة))، ومن حق الفرد على الجماعة أن تحمي رفضه تضامنًا مع الحق، وفي الحديث: ((المسلم أخو المسلم, لا يظلمه ولا يسلمه)).

خامسًا: حق الفرد في محاكمة عادلة:
البراءة هي الأصل, وفي الحديث: ((كل أمتى معافى إلا المجاهرين)) وهو مستصحب ومستمر حتى مع اتهام الشخص ما لم تثبت إدانته أمام محكمة عادلة إدانة نهائية، فلا تجريم إلا بنص شرعي, قال تعالى: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)) (الإسراء: 15)، ولا يُعذر مسلم بالجهل لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولكن يُنظر إلى جهله متى ثبت على أنه شُبْهة تدرأ بها الحدّ فحسب ((وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)) (الأحزاب: 5) ليحكم بتجريم شخص, ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقبل المراجعة أمام محكمة ذات طبيعة قضائية كاملة، قال تعالى: ((إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)) (الحجرات: 6)، فلا يجوز بحال تجاوز العقوبة التي قدرتها الشريعة للجريمة، قال سبحانه: ((تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا)) (البقرة: 229).

ومن مبادئ الشريعة مراعاة الظروف والملابسات التي ارتُكبت فيها الجريمة درءًا للحدود، وفي الحديث: ((ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم, فإن كان له مخرج فخلوا سبيله))، فلا يُؤخذ إنسان بجريرة غيره, قال تعالى: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) (الأنعام: 164)، وكل إنسان مستقل بمسئوليته عن أفعاله، ولا يجوز بحال أن تمتدّ المسألة إلى ذويهم من أهل وأقارب، أو أتباع وأصدقاء: ((مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ)) (يوسف: 79).

سادسًا: حق الحماية من تعسّف السلطة:
لكل فرد الحق في حمايته من تعسف السلطات معه، ولا يجوز مطالبته بتقديم تفسير لعمل من أعماله، أو وضع من أوضاعه، ولا توجيه اتهام له إلا بناء على قرائن قوية تدل على تورطه فيما يُوجّه إليه, قال سبحانه: ((الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)) (الأحزاب: 58).

سابعًا: حق الحماية من التعذيب:
فلا يجوز تعذيب المجرم فضلًا عن المتهم، وفي الحديث: ((إن الله يعذب الذين يُعذبون الناس في الدنيا)). كما لا يجوز حمل الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما ينتزع بوسائل الإكراه باطل، وفي الحديث: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان, وما استكرهوا عليه))، ومهما كانت جريمة الفرد وكيفما كانت عقوبتها المقدرة شرعًا، فإن إنسانيته وكرامته الآدمية تظل مصونة.
ثامنًا: حق الفرد في حماية عرضه وسمعته:
عرض الفرد وسمعته حرمة لا يجوز انتهاكها، قال -صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام, كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) ويحرم تتبع عوراته، ومحاولة النيل من شخصيته وكيانه الأدبي، قال تعالى: ((وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)) (الأحزاب: 12).

تاسعًا: حق اللجوء:
من حق كل مسلم مضطهد أو مظلوم أن يلجأ إلى حيث يأمن في نطاق دار المسلم، وهو حق يكفله الإسلام إلى كل مضطهد أيًّا كانت جنسيته أو عقيدته أو لونه، وعلى المسلمين توفير الأمن له متى لجأ إليهم. قال تعالى: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)) (التوبة: 6) وبيت الله الحرام بمكة المشرفة هو مثابة وأمن للناس جميعًا، لا يُصدّ عنه مسلم.

عاشرًا: حقوق الأقليات:
الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني العام: ((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)) (البقرة: 256)، والأوضاع المدنية والأحوال الشخصية للأقليات يحكمها شريعة الإسلام إن هم تحاكموا إلينا، فإن لم يتحاكموا إلينا كان عليهم أن يتحاكموا إلى شرائعهم ما دامت تنتمي عندهم إلى أصل إلهي.

الحادي عشر: حق المشاركة في الحياة العامة:
من حق كل فرد في الأمة أن يعلم بما يجري في حياته من شئون تتصل بالمصلحة العامة للجماعة، وعليه أن يُسهم فيها بقدر ما تتيح له قدراته ومواهبه؛ إعمالًا لمبدأ الشورى ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) (الشورى: 38)، وكل فرد في الأمة أهل لتولّي المناصب والوظائف العامة متى توافرت فيه شرائطها الشرعية، ولا تسقط هذه الأهلية أو تنقص تحت أي اعتبار عنصري أو طبقي لقوله -صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم)).

والشورى أساس العلاقة بين الحاكم والأمة، ومن حق الأمة أن تختار حكامها بإرادتها؛ تطبيقًا لهذا المبدأ، ولها الحق في محاسبتهم وفي عزلهم إذا حادوا عن الشريعة، قال أبو بكر عقب تولّيه الخلافة: “إني وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوِّموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، وإن عصيته فلا طاعة لي عليكم”.

الثاني عشر: حق حرية التفكير والاعتقاد والتعبير:
فلكل شخص أن يُفكر ويُعبر عن فكره ومعتقده دون تدخل أو مصادرة من أحد، ما دام يلتزم الحدود العامة التي قرّرتها الشريعة، ولا يجوز إذاعة الباطل ولا نشر ما فيه من ترويج للفاحشة، أو تخذيل للأمة.

والتفكير الحرّ بحثًا عن الحق ليس مجرد حق فحسب، بل هو واجب كذلك، قال تعالى: ((قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)) (سبأ: 46)، ومن حق كل فرد ومن واجبه أن يُعلن رفضه للظلم، وإنكاره له، وأن يقاومه دون تهيّج لمواجهة سلطة متعسفة، أو حاكم جائر، أو نظام طاغٍ، وهذا أفضل أنواع الجهاد، سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر)).

لا حذر على نشر المعلومات والحقائق الصحيحة إلا ما يكون في نشره خطر على أمر المجتمع والدولة، قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) (النساء: 83).

احترام مشاعر المخالفين في الدين من خلق المسلم، فلا يجوز لأحد أن يسخر من معتقدات غيره، ولا أن يستعدي المجتمع عليه, قال سبحانه: ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ)) (الأنعام: 108).

الثالث عشر: حق الحرية الدينية:
لكل شخص حرية الاعتقاد وحرية العبادة، وفقًا لمعتقده ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) (الكافرون: 1-6).

الرابع عشر: حق الدعوة والبلاغ:

لكل فرد الحق في أن يشارك منفردًا، ومع غيره في حياة الجماعة دينيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، وأن ينشئ من المؤسسات ويصطنع من الوسائل لما هو ضروري لممارسة هذا الحق، قال تعالى: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) (يوسف: 108)، ومن حق كل فرد ومن واجبه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطالب المجتمع بإقامة المؤسسات التي تهيئ للأفراد بهذه المسئولية؛ تعاونًا على البر والتقوى قال سبحانه: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)) (آل عمران: 104)، وفي الحديث: ((إن الناس إذا رأوا الظالم لم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقاب)).

الخامس عشر: الحقوق الاقتصادية:
فالطبيعة بثرواتها جميعا ملك لله تعالى، قال سبحانه: ((مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (المائدة: 120) وهي عطاء منه للبشر، منحهم حق الانتفاع بها، وحرم عليهم إفسادها وتدميرها فقال: ((وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) (الشعراء: 183)، ولا يجوز لأحد أن يحرم آخر أو يعتدي على حقّه في الانتفاع بما في الطبيعة من مصادر الرزق، فلكل إنسان أن يعمل وينتج؛ تحصينًا للرزق من وجوهه المشروعة، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها.

الملكية الخاصة مشروعة على انفراد ومشاركة، وكل إنسان عليه أن يقتني ما اكتسبه بجهده وعمله، قال سبحانه: ((وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى)) (النجم: 48) والملكية العامة مشروعة، وتوظف لمصلحة الأمة بأسرها قال سبحانه: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)) (الحشر: 7) لفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء نظمته الزكاة، قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)) (المعارج: 24, 25).

وهو حق لا يجوز تعطيله ولا منعه، ولا الترخيص فيه من قبل الحاكم، ولو أدَّى به الموقف إلى قتال مانعي الزكاة، وقد قال الصديق -رضي الله عنه: “والله لو منعونى عقالًا كانوا يؤدُّونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه”.

توظيف مصادر الثروة ووسائل الإنتاج لمصلحة الأمة واجب، فلا يجوز إهمالها ولا تعطيلها، قال عليه الصلاة والسلام : ((ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة, إلا لم يجد رائحة الجنة)).

كذلك لا يجوز استثمارها فيما حرمته الشريعة، ولا فيما يضر بمصلحة الجماعة؛ ترشيدًا للنشاط الاقتصادي وضمانًا لسلامته، وحرم الإسلام الغش بكل صوره، وفي الحديث: ((ليس منا من غش)).

والغرر والجهالة وكل ما يفضي بالمنازعة مما لا يمكن إخضاعه لمعايير موضوعية، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاد، وعن بيع الغرر، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العنب حتى يسودّ، وعن بيع الحب عن حتى يشتدّ، وحرَّم الإسلام الاستغلال والتغابن في عمليات التبادل، قال سبحانه: ((وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)) (المطففين: 1-3)

وحرم الاحتكار، وكل ما يؤدّي إلى منافسة غير متكافئة، وفي الحديث: ((لا يحتكر إلا خاطئ))، وحرم الربا وكل كسب طفيلي يستغل ضوائق الناس, قال سبحانه: ((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)) (البقرة: 275).

وحرّم الدعايات الكاذبة والخديعة, وفي الحديث: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بُورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) ورعاية مصلحة الأمة، والتزام قيم الإسلام العامة هما القيد الوحيد على النشاط الاقتصادي في مجتمع المسلمين.

السادس عشر: حماية حق الملكية، أو حق حماية الملكية:
لا يجوز انتزاع ملكية نشأت عن كسب حلال إلا للمصلحة العامة، قال سبحانه: ((وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)) (البقرة: 188) مع تعويض عادل لصاحبها.

وفي الحديث: ((ومن أخذ من الأرض شيئًا بغير حق؛ خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين))، وحرمة الملكية العامة أعظم، وعقوبة الاعتداء عليها أشدّ؛ لأنه عدوان على المجتمع كله وخيانة للأمة بأسرها.

السابع عشر: حق العامل وواجبه:

العمل شعار رفعه الإسلام للمجتمع، قال سبحانه: ((وَقُلِ اعْمَلُوا)) (التوبة: 105)؛ فإذا كان حق العمل الإتقان، كما في الحديث: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه)) فإن حق العامل أن يُوفَّى أجره الذي يُكافئ جهده، دون مماطلة له قال -صلى الله عليه وسلم: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه))، وأن تُوفر له حياة كريمة تتناسب مع ما يبذله من جهد وعرق، وأن يمنح ما هو جدير به من تكريم المجتمع له، وفي الحديث: ((إن الله يحب المؤمن المحترف)) وأن يجد الحماية التي تحول دون غبنه واستغلال ظروفه كما قال الله تعالى: ((ثلاثة أن خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)).

الثامن عشر: حق الفرد في كفايته من مقومات الحياة:
فمن حق الفرد أن ينال كفايته من ضروريات الحياة، من طعام وشراب وملبس ومسكن، ومما يلزم لصحة بدنه للرعاية، وما يلزم لصحة روحه وعقله من علم ومعرفة وثقافة في نطاق ما تسمح به موارد الأمة، ويمتد واجب الأمة في هذا؛ ليشمل ما لا يستطيع الفرد أن يستقل بتوفيره لنفسه من ذلك.

التاسع عشر: حق بناء الأسرة:
الزواج بإطاره الإسلامي حق لكل إنسان، وهو الطريق الشرعي لبناء الأسرة وإنجاب الذرية وإعفاف النفس قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)) (النساء: 1)، ولكل من الزوجين قِبَل الآخر وعليه حقوق وواجبات متكافئة قررتها الشريعة، وللأب تربية أولاده بدنيًّا وخلقيًّا ودينيًّا وفقا لعقيدته وشريعته، وهو مسئول عن اختياره الوجهة التي يوليها إيَّاه، وفي الحديث: ((كلكم راعٍ وكل مسئول عن رعيته))، لكل من الزوجين قبل الآخر حق احترامه وتقدير مشاعره وظروفه في إطار من التوادّ والتراحم، ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الروم: 21)، وعلى الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده دون تقتير عليهم ولكل طفل على أبويه حق إحسان تربيته وتعليمه وتأديبه، قال سبحانه: ((وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)) (الإسراء: 24).

ولا يجوز تشغيل الأطفال في سن باكرة، ولا تحميلهم من الأعمال ما يرهقهم أو يعوق نموهم أو يحول بينهم وبين حقهم في اللعب والتعلم، إذا عجز والدا الطفل عن الوفاء بمسئوليتهما نحوه انتقلت هذه المسئولية إلى المجتمع، وتكون نفقات الطفل في بيت المسلمين، والخزانة العامة للدولة، وفي الحديث: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، ومن ترك دينًا أو ضيعة فعليَّ، ومن ترك مالًا فلورثته)) فلكل فرد في الأسرة أن ينال منها ما هو في حاجة إليه، من كفاية مادية، ومن رعاية وحنان في طفولته وفي شيخوخته وعجزه، وللوالدين على أولادهما حق كفالتهما ماديًّا ورعايتهما بدنيًّا ونفسيًّا، وفي الحديث: ((أنت ومالك لأبيك)).

وللأمومة رعاية خاصة من الأسرة، وفي الحديث: ((يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال السائل: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك)).

مسئولية الأسرة شركة بين أفرادها، كلٌّ بحسب طاقته وطبيعة فطرته، وهي مسئولية تتجاوز دائرة الآباء والأولاد لتعم الأقارب وذوي الأرحام، وفي الحديث: ((يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب)).

ولا يُجبر الفتى أو الفتاة على الزواج ممن لا يرغب فيه، في الحديث: ((جاءت جارية بكر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيّرها النبي -صلى الله عليه وسلم)).

العشرون: حقوق الزوجة:
وهي: أن تعيش مع زوجها حيث يعيش، قال سبحانه: ((أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ)) (الطلاق: 6)، وأن ينفق عليها زوجها بالمعروف طوال زواجهما وخلال فترة عدتها إن هو طلقها، وأن تأخذ من مطلقها نفقة من تحضنه من أولاده منها، بما يتناسب وكسب أبيهم، قال سبحانه: ((فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)) (الطلاق: 6)

فللزوجة أن تطلب من زوجها إنهاء عقد الزواج ودّيًّا عن طريق الخلع، كما أن النساء لها أن تطلب التطليق قضائيًّا في نطاق أحكام الشريعة.

للزوجة حق ميراث من زوجها كما ترث من أبويها وأولادها وذوي قرابتها، قال سبحانه ((وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ)) (النساء: 12) وعلى كلا الزوجين أن يحفظ غيب صاحبه، وألا يُفشي شيئًا من أسراره، وألا يكشف عما قد يكون به من نقص خِلقي أو خُلقي، ويتأكد هذا الحق عند الطلاق وبعده.

الحادي والعشرون: حق التربية:
التربية الصالحة حق الأولاد على الآباء، كما أن البر وإحسان المعاملة حق الآباء على الأولاد، قال سبحانه: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)) (الإسراء: 23, 24).

والتعليم حق للجميع، وطلب العلم واجب على الجميع ذكورًا وإناثًا على السواء، وفي الحديث: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)) والتعليم حق لغير المتعلم، ففي الحديث: ((ليبلغ الشاهد الغائب)).

وعلى المجتمع أن يوفر لكل فرد فرصة متكافئة ليتعلم ويستنير، وفي الحديث: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله -عز وجل- يعطي)) ولكل فرد أن يختار ما يلائم مواهبه وقدراته، وفي الحديث: ((كل ميسر لما خلق له)).

الثاني والعشرون: حق الفرد في حماية خصوصياته:
فسرائر البشر إلى خالقهم وحده، وفي الحديث: ((أفلا شققت عن قلبه))، وخصوصياته حمى لا يحل التسور عليه قال سبحانه: ((وَلا تَجَسَّسُوا)) (الحجرات: 12)، وفي الحديث: ((يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه, لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)).

الثالث والعشرون: حق حرية الارتحال والإقامة:
وحق حرية كل فرد أن تكون له حرية الحركة والتنقّل من مكان إقامته وإليه، وله حق الرحلة والهجرة من موطنه والعودة إليه دونما تضييق عليه، أو تعويق له قال سبحانه: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)) (الملك: 15).

ولا يجوز إجبار شخص على ترك موطنه، ولا إبعاده عنه تعسفًا دون سبب شرعي قال سبحانه: ((يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ)) (البقرة: 217) ودار الإسلام واحدة، وهي وطن لكل مسلم لا يجوز أن تقيّد حركته فيها بحواجز جغرافية، أو حدود سياسية؛ وعلى كل بلد مسلم أن يستقبل من يهاجر إليه، أو يدخله من المسلمين استقبال الأخ لأخيه، قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِِِِيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (الحشر: 9).
error: النص محمي !!