3.4 ملخص الدرس والمراجع
ملخص الدرس
لقد عرفت البشرية في عهودها القديمة شرائع ونظمًا؛ أما الشرائع فهي التي أتى بها الرسل وحيًا من ربهم، بدءًا من أبي البشر آدم -عليه السلام- ثم من بعده شريعة ابنه شيث، ثم شريعة إدريس، ثم نوح، إلى أن جاء نبي الله إبراهيم -أبو الأنبياء. وقد تضمنت شرائع هؤلاء الأنبياء لأممهم مفاهيم العدل الاجتماعي؛ كما أرادها الله -تبارك وتعالى- منطلقة من عقيدة التوحيد التي توجب على البشر إقامة العدل من خلال موازين الحقوق والواجبات. واستمرت الرسالات السماوية من لدن إبراهيم إلى موسى وداود وسليمان وعيسى -عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه- حيث دعوا أقوامهم إلى هذا العدل، ومنع ذلك الظلم، وفرض العبودية لله تعالى وحده وتحريم عبودية البشر للبشر، تضمنت شرائع الرسل جميعًا حق الإنسان في حياة كريمة في ظل عبودية الله وحده.وقد وُجدت إلى جانب الشرائع التي أتى بها الرسل -عليهم السلام- نظم بدائية خلط واضعوها بين المبادئ والمصالح؛ حيث أوجدوا من خلالها بعض القوانين ضمن الدوائر التي يحكمونها والإقطاعيات التي يمتلكونها والشرائح البشرية التي يعيشون فيها ومعها، اتصفت نظم هؤلاء بالبدائية والبعد عن الشمولية وتكريس مصالح الطبقات الحاكمة والشرائح الاجتماعية العليا؛ كما كرست عبودية الإنسان للإنسان؛ حتى كانت معظم الفئات الاجتماعية تعيش حياة الرقيق -كما هو في عهد الفراعنة في مصر- وكما كانت الحال في بلاد الرومان والأشوريين والفينيقيين وغيرهم، ولا بد أن نسجل هنا أن جميع هذه النظم عادت شرائع الرسل وكفرت برسالاتهم وحاربت عقائدهم، وإذا كان بعضها استفاد من بعض التشريعات الإلهية؛ فإن منظريها غلَّبوا الهوى ومصالح الطبقة العليا على حقوق سائر الطبقات الاجتماعية؛ لتضيع حقوق الإنسان في جميع تلك النظم التاريخية الوضعية، وذلك خلافًا لما يورده العلمانيون من تمجيد لها ولواضعيها الذين بادوا. ومن النظم البدائية والتي ظهرت في التاريخ: أنظمة حمورابي.وفي جميع تلك النظم التاريخية أهدر حق المرأة؛ بل حق معظم الطبقات الاجتماعية، ففي أنظمة بوذا وماني -على سبيل المثال- تتوجه الأخذ بنظام الطبقات والتمييز بينها بالحقوق؛ كما تضمنت إعطاء حق السيادة للبرهمي على سائر الكائنات، وليس للبرهمي أن يتزوج من خارج طبقته، وقد حرمت المانية -كغيرها من النظم والقوانين التاريخية البائدة- الإناث من الميراث، ولم تكن القوانين التي وضعها الحكام في تلك الفترات لتطبق على شعوبهم في أنحاء الأرض بأفضل من ذلك؛ فحكام الهند -وهو مثال على أنظمة جميع الأمم القديمة في تلك الحقب القديمة، ومن الأوامر والتقاليد والقواعد- بحسب ما يقول وول ديورانت كان التعذيب في العقوبات مألوفًا يمارس بألوان شتى، مثل بتر الأيدي والأقدام والآذان، وفقء الأعين وصب الرصاص المصهور في الحلوق، وتهشيم عظام الأيدي. – وأحسب أن مثل هذا الاضطراب والتناقض يعود إلى أمرين: الأول: الصراع بين الفطرة والهوى. الثاني: الصراع بين التعاليم الدينية والنزوات الفردية. والكتب المقدسة للهنود تقرر التفاضل بين الناس بحسب عناصرهم ونشأتهم الأولى؛ فتذكر أن البراهمة قد خلق فصيلة البرهميين من فمه، وفصيلة الكستن من ذراعه، وفصيلة الفيسائيين من فخذه، وفصيلة السدرائيين أو المنبوذين من قدمه، ولما كان أشرف الأعضاء وأطهرها هو ما علا السرة وأشرفها وأطهرها جميعًا هو الفم، ويليه في ذلك الذراع؛ ولما كان أحط الأعضاء ما كان أسفل السرة وأحطها جميعًا هو القدم؛ لذلك كان أشرف الناس جميعًا وأطهرهم بحسب العنصر والنشأة الأولى هم الذين انحدروا من فم البراهمة: وهم البرهمانيين. – أما اليهود فهم يعتقدون أنهم شعب الله المختار، وأن الكنعانيين شعب وضيع بحسب نشأته الأولى، ولقد خلقه الله ليكون رقيقًا وعبدًا لليهود، وأن أرواح غير اليهود هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات، والفرق بين درجة الإنسان والحيوان كالفرق بين اليهود وباقي الشعوب. – وهؤلاء العرب في جاهليتهم كانوا يعتقدون كذلك أنهم شعب كامل الإنسانية، وأن الشعوب الأخرى التي كانوا يطلقون عليها اسم الأعاجم هي شعوب وضيعة ناقصة الإنسانية. – الإسلام هو ذلك النظام الوحيد الذي تعامل مع رسالة الإنسان في الحياة بمنهجية شاملة ومتكاملة؛ كما أن الإسلام هو النظام الذي أكد المعادلة الدقيقة بين حقوق الإنسان وواجباته؛ فاعتبر أن أي إهمال على حقوق الإنسان أو واجباته إنما هو من الاعتداء على رسالة الإنسان في الحياة؛ لأن الإسلام هو شريعة الله تعالى الذي خلق الإنسان وجميع الخلق، وهو سبحانه المشرع الوحيد القادر على سن القوانين والمبادئ المناسبة لتأسيس العلاقة المتجانسة بين مختلف الخلائق؛ لأداء فعاليات بناءة في الأرض ولإقامة حياة عادلة وآمنة بين الناس. العلاقة بين الحقوق والواجبات في النظام الإسلامي: تتأكد هذه العلاقة المتجانسة بين المبادئ الإسلامية من خلال توضيح العلاقة الحقيقية بين الحقوق والواجبات في النظام الإسلامي، قبل ذلك ينبغي أن نوضح أن الإسلام في جوهره يؤكد المبادئ الأساسية التالية: الإنسان مستخلف في الأرض لأمر الله تعالى وذلك من أجل عمارتها. البيئة وباقي الخلائق في الأرض وضعت في خدمة الإنسان لإنجاز مهمة الاستخلاف. إقامة العدل والأمن في العالم هما الهدف الرئيس للإسلام. الإنسان يملك إرادة الاختيار واتخاذ القرار في المسائل التي تحقق مصالحه وفق المبادئ العامة للإسلام. الإنسان مكرم لذاته بصرف النظر عن انتمائه القومي أو العرقي أو الجنسي أو الديني أو اللوني. إقامة العدل والإحسان هما نتاج لتطبيق منهاج الله تعالى في عمارة الأرض، والواجبات والحقوق في منهاج الإسلام تكاليف إيمانية، والعلاقة بين واجبات الإنسان وحقوقه علاقة متلازمة. إخلاص العبودية لله تعالى وحده وعدم الشرك به هذا يبعث في النفس الإنسانية أعلى مراتب الإحساس بالحرية والمساواة مع الغير. واجب العبودية لله وعدم الشرك به: ينشئ للإنسان حقين أساسيين في الحياة: الأول: حق التحرر من العبودية والذلة لغير الله. والثاني: حق المساواة مع بني البشر.يتعين أن يكون للوالدين حق الطاعة في غير معصية الله، وحق الإكرام والمودة، وحق الرعاية والنفقة.وهذا ينشئ للمرأة حقًّا على الرجل؛ فمن هذا:حق الرعاية والاحترام والإنفاق. ومنه أيضًا حق الاحتفاظ بأموالها وممتلكاتها لصالحها الشخصي. وحق تنمية أموالها بالتجارة وغيرها من وسائل الاستثمار. حق المشاركة في مسئولية رعاية الأسرة. وهذا ينشئ بالمقابل للرجل على المرأة حقوقًا، منها:احترامه وطاعته بغير معصية الله. وألا تخونه في نفسها وماله. وأن تشاطره مسئولية رعاية الأسرة. وهذا ينشئ للأسرة على الأبناء حقوقًا كثيرة : منها:حق الطاعة والبر والرعاية للوالدين. وحق المحافظة على شئون الأسرة.يتمثل واجب الإنسان تجاه مجتمعه في ميادين متعددة، ننجزها فيما يلي: عهدها مع حاكمها، والتزام عهدها تجاه بعضها البعض في إقامة مجتمع ينعم بالأمن والسيادة والكفاية. – واجب الحفاظ على عقيدة الأمة وهويتها الثقافية والعمل على ارتقائها حضاريًّا. – واجب السهر على أمن الأمة العام.واجب التنمية الزراعية وعدم قطع الأشجار المثمرة وغيرها إلا لحاجة ملحة، مع العمل على إثراء الثروة الزراعية.واجب التنمية الصناعية؛ حيث يؤكد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى يحب إذا عمل أحدنا عملًا أن يتقنه. – واجب العمل على إشاعة المحبة بين الناس وحب الخير لهم: كما في قوله -صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)). – يقرر الإسلام المبادئ العامة الآتية: الأصل الواحد للبشرية. التعارف والتعاون على كل ما يحقق الخير للمجتمع. – تكريم النفس البشرية؛ بصرف النظر عن الانتماء القومي أو العرقي أو الديني أو اللوني. |
مراجع الدرس
أمير عبد العزيز، الإنسان في الإسلام، مؤسسة الرسالة – بيروت 1984 م. عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، التشريع الجنائي في الإسلام وحقوق الإنسان، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر، الجزء الأول 2001 م. محمود الشرقاوي، الطفل في الإسلام، رابطة العالم الإسلامي، السنة 12 شعبان 1414 هـ. عبد اللطيف بن سعيد الغامدي، حقوق الإنسان في الإسلام، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية 2000 م. سهيل حسن الفتلاوي، حقوق الإنسان في الإسلام، دراسة مقارنة في ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دار الفكر العربي للطباعة والنشر 2001 م. منصور الرفاعي محمد عبيد، حقوق الإنسان العامة في الإسلام، مركز الإسكندرية للكتاب 2007 م. أحمد جمال عبد العال، حقوق الإنسان في الإسلام، المكتبة الأزهرية للتراث 2000 م. أحمد محمد عركز، كرامة الإنسان وحقوقه في الإسلام، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر 2007 م. كامل الشريف، حقوق الإنسان والقضايا الكبرى، رابطة العالم الإسلامي 2000 م. أمير عبد العزيز ، افتراءات على الإسلام والمسلمين، دار السلام – القاهرة 2002 م. صالحة عابدين، حقوق المرأة في الإسلام، رابطة العالم الإسلامي 2000 م. البنك الإسلامي للتنمية، كتاب حقوق الإنسان في الإسلام، 2006 م. كمال جعيط، الإسلام وحقوق الإنسان في ضوء المتغيرات العالمية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر، الجزء الأول 2001 م. – طاهر أحمد مولانا جمل الليل، حقوق الإنسان في الإسلام، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر، الجزء الأول 2001 م. للمزيد من المعلومات عن الدرس، فضلا راجع ما يلي: الدرس 1 في كتاب المادة. المكتبة الرقمية. |
خاتمة الدّرس
بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس الثالث، فإلى لقاءٍ يتجدّد مع الدَّرس الرابع، والّذي ينعقدُ بإذن الله، حول: والذي ينعقد بإذن الله حول: (حقوق الإنسان والتنمية بين الإسلام والغرب، وحرية الاعتقاد في الإسلام).
هذا، والله وليُّ التَّوفيق.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين